كلمات

حوار الإرهاب
إعداد: العميد الركن الياس فرحات
مدير التوجيه

سؤال: لماذا لا نقضّ مضجع الرئيس السوري بشار الأسد بواسطة عملائنا على غرار ما تفعله وكالة الإستخبارات المركزية الاميركية؟

جواب: لماذا تعتقد أننا لا نفعل ذلك؟

سؤال: نحن لا نرى أوتوبيسات تنفجر قرب قصر الأسد؟

جواب: لا حاجة الى التفجيرات، هناك طرق اخرى ألطف.

هذا الحوار يبدو للوهلة الاولى من نسج أجهزة بث شائعات، أو محض خيال أو كذبة ملفقة، لكنه حوار حقيقي أجرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي موشيه يعلون، ونشر بتاريخ 2004-8-14. هكذا وبكل وقاحة، صحافي يسأل رئيس أركان جيشه لماذا لا ترسلون عملاء لتفجير أوتوبيسات بين الناس؟ ورئيس الأركان يجيب أن لا حاجة، هناك طرق ألطف.

الصحافي يسأل: لماذا لا نقضّ مضجع رئيس دولة، ورئيس الأركان يجيب: لماذا تعتقد أننا لا نفعل ذلك؟ لو نشر هذا الحوار في صحيفة غير إسرائيلية، وعلى لسان مسؤول غير إسرائيلي، لقامت الدنيا وقعدت، ولتناثرت تهم الإرهاب والتدخل بالشؤون الداخلية واعمال التخريب. وربما جرت دعوة مجلس الامن للانعقاد من اجل البحث في الموضوع، فسارعت دول العالم الى التنديد بهذا التهديد، والى استنكار هذه التصريحات الارهابية. لا بل ربما شهدنا تحقيقات تلفزيونية متلاحقة حول من اطلق هذا الكلام الخطير وعن خلفيته الارهابية والبيئة التي نشأ فيها وترعرع، والثقافة التي حملها. أين درس وتعلّم ومن كان أترابه؟ وأجريت مقابلات حول من يعرفه من قريب أو بعيد. ربما شهدنا تحليلات صحافية ومقالات، وربما تدفقت وسائل الإعلام على بلده أو جوار بلده، وربما شهدنا حشداً لأساطيل وجيوش جرارة، وربما شهدنا عقد مؤتمرات إقليمية ودولية، وسمعنا خطابات حية أو مسجلة لعرض سبل مواجهة هذا النوع من التهديد. كل ذلك لأن ما يتضمنه هذا الكلام هو تهديد بالقيام بأعمال إرهابية وتفجير أوتوبيسات، وقتل سكان مدنيين، وتدمير منشآت.

والحال أن من أجرى المقابلة هو صحافي إسرائيلي (وهو ابن عقلية ارهابية من دون ريب) ومن تحدث في المقابلة هو رئيس أركان الجيش الإسرائيلي (وهو ارهابي عنصري من دون ريب أيضاً)، من هنا فإنه من الصعب أن نجد من يعلّق على هذا الكلام ويعتبره اثباتاً حقيقياً على الإرهاب، وإعلاناً واضحاً لا لبس فيه.

في المقابل، إن أي إجراء تتخذه أية دولة عربية لمكافحة الإرهاب الإسرائيلي، ولمواجهة التهديد الاسرائيلي، سرعان ما يندرج في دائرة تهديد إسرائيل، أو مساعدة الإرهاب، أو خرق حقوق الإنسان... أو تشويه الديموقراطية في العالم كلّه.

هذا هو مثال على المشهد الـ"شرق أوسطي" حيث تعطي إسرائيل الحق بالإرهاب والقتل والتدمير والاحتلال والتهجير حين تشتهي وتريد، فيما يوسم بالإرهاب كل من يتصدى لأعمالها. مئات القرارات الدولية ذهبت أدراج الرياح. مئات المبادرات السياسية باءت بالفشل من جراء تعنت إسرائيل وعدم التزامها لا بالشرائع الدولية ولا بالمواثيق الأخلاقية، ومع ذلك فإن هذه الدولة الارهابية تجد من يعتبرها دولة ديموقراطية، في الوقت الذي تقوم فيه ديموقراطيتها المزعومة على الاحتلال والقمع والتمييز العنصري، والذي تدعو فيه صحافتها الى تفجير أوتوبيسات قرب مقر رئاسـة دولة عضو في المؤسسات الدولية! أما صحافتنا بالمقابل، فهي مقيّدة ومعلّبة في أنظار البعض إذا تحدثت عن الاحتلال الإسرائيلي وعن الإرهاب الصهيوني وهي حرة ونزيهة إذا تجاهلت تلك الجرائم.

لكن هذه الحال ليست ابداً مدعاة لليأس، وان تكن مدعاة للشكوى. إنها تثبت إيماننا بعدالة قضيتنا، وتقوّي عزيمتنا للدفاع عن أوطاننا، وترسخ فهمنا لعقيدة العدو الصهيونية العنصرية الإرهابية التي من واجبنا ان نتصدى لها، وألا نتهاون في مواجهتها، انطلاقاً من حق مشروع وعقيدة وإيمان ومبادئ أخلاقية إنسانية تحكم سلوكنا وتصرفاتنا.

لا مجال للثقة بإسرائيل وقادتها. إنها عدو، وهي تعلن، وقادتها لا يخفون ذلك، أنها تخبّئ مخططات، وتظهر أخرى، لضرب أمننا واستقرارنا وازدهارنا والتعرض لسيادتنا.

حوار الإرهاب هذا، هو دليل جديد على عنصرية إسرائيل وإرهابها، فهل ان العالم ما زال في حاجة الى دلائل؟