رسالة الاستقلال

رئيس الجمهورية مخاطبًا اللبنانيين عشية عيد الاستقلال:

هو يومكم، افرحوا به فهذا حقّكم، وحافظوا عليه فهذا واجبكم

 

في رسالته إلى اللبنانيين عشية عيد الاستقلال، اعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ الاستقلال عملٌ دؤوب ونضالٌ متواصل وتاريخ حافل بالمحطات، منها المؤلم ومنها المشرق. وقال «هذا العهد هو محطة من تلك المحطات وأسعى جاهدًا لتكون مشرقة وتبقى كلّ الإرادات متضافرة لنحصّن معًا استقلالنا وسيادتنا وحرية قرارنا ونحفظ استقرار وطننا وسط العواصف التي تضرب المنطقة، وأيضًا لنكمل معًا عملية بناء الدولة».


في ما يلي نص الرسالة.


أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون
غدًا يوم ليس كسائر الأيام، وعيد ليس كسائر الأعياد، هو يوم الوطن وعيد استقلاله. والاستقلال ليس لحظة محددة بزمان ومكان، حصلت وانتهت، الاستقلال هو عمل دؤوب ونضال متواصل؛ هو قصة شعب دفع الكثير ولمّا يزل، ليبقى سيّدًا، حرّ القرار، وعلى أرضٍ حرة. هو تاريخ حافل بالمحطات، منها المؤلم ومنها المُشرق، هو يومكم أيها اللبنانيون، هو عيدكم، فلا تتردّدوا في الاحتفال به.
هذا العهد هو محطة من تلك المحطات، وأسعى جاهدًا لتكون مشرقةً، أسعى جاهدًا لتبقى كل الإرادات متضافرة لنحصّن معًا استقلالنا وسيادتنا وحرية قرارنا ونحفظ استقرار وطننا وسط العواصف التي تضرب المنطقة، وأيضًا لنكمل معًا عملية بناء الدولة. فإن نجحنا، وسننجح، نكون قد وضعنا المداميك الأساسية لوطن قوي، وقدّمنا نهجًا جديدًا في إدارة شؤون الدولة.

 

أيها اللبنانيون
لقد أعلنت في خطاب القسم أنه في طليعة أولوياتنا منع انتقال أي شرارة من النيران المشتعلة حولنا إلى الداخل اللبناني، وأكّدت ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية، والتزامه احترام ميثاق جامعة الدول العربية، وبشكل خاص المادة الثامنة منه، لذلك انتهجنا سياسة مستقلة تمامًا وتحاشينا الدخول في النزاعات ودعونا إلى الحوار والوفاق بين الأشقاء العرب ولمّا نزل، لأنّ في الحروب الداخلية خسارة حتميّة للمنتصرين، كما للمهزومين، ولا معنى للحالين، لأنّ الخسارة الكبرى تقع على الوطن.
لقد نأى لبنان بنفسه، ولكنّ الآخرين، للأسف، لم ينأوا بنفوسهم ولا بنفوذهم عنه. فمع بدء الحرب في سوريا بدأت التنظيمات الإرهابية تخترق حدودنا الشرقية وتتغلغل إلى الداخل اللبناني محاولةً السيطرة على ما أمكنها من قرى وبلدات ومناطق، زارعةً الموت والدمار عبر تفجيرات إرهابية طاولت كل لبنان، ونحن، على الرغم من انتصارنا على الأرهاب وتحرير أرضنا منه، ما زلنا نتساءل من أين جاء الإرهاب إلى لبنان؟ من أرسله؟ من موّله؟ من سلّحه ومن درّبه؟ ولماذا؟ أليس لضرب الاستقرار وزرع الفتنة، وقد شهدنا مآل الأحوال في الدول العربية التي تمكّنت منها تلك التنظيمات؟
من ناحية ثانية، تربض إسرائيل على حدودنا الجنوبية وتاريخها مع لبنان منذ قيامها، حافل بالاعتداءات والحروب التدميرية، من اعتداءات الستينيات والسبعينيات إلى اجتياحها للبنان في العام 1982، ووصولها إلى بيروت واحتلالها نحو نصف لبنان ثم انسحابها محتفظة بأجزاء من الجنوب تحت سيطرتها لثمانية عشر عامًا، شنّت خلالها سلسلة حروب تدميرية منها «تصفية الحساب» في العام 1993، وعناقيد الغضب في العام 1996، ومجزرة قانا الأولى، وتدمير محطات تحويل الكهرباء في العام 1999، حتى اضطرت إلى الانسحاب في العام 2000 تحت ضغط مقاومة اللبنانيين، لتعود في العام 2006 وتشن حربًا جديدة ارتكبت خلالها أبشع المجازر ودمّرت البنى التحتية بما فيها الجسور، كما دمّرت أيضًا العديد من القرى وضاحية بيروت الجنوبية، ولكنها هذه المرة لم تستطع تجاوز الحدود. وهي اليوم تنتهك سيادتنا برًا وبحرًا وجوًا بشكل مستمر غير آبهة بالقرارات الدولية، وتهدّدنا بحروب جديدة وتدمير جديد. أليس أجدى أن تبادر الأسرة الدولية إلى مقاربة جديدة تقوم على الحقوق والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، تعالج عبرها قضايا السلاح والتسلح والحروب؟؟

 

أيها اللبنانيون
في تلك المراحل والمحطات كلّها، كان لبنان يدفع أغلى الأثمان ويحاول جاهدًا إبعاد شبح الفتنة؛ فالوطن الذي بذل الدماء سخية، شعبًا وجيشًا، ضد العدو الإسرائيلي كما التكفيري، وسطّر بطولات وتضحيات في تحرير أرضه من الاثنين معًا، ليس وطنًا تسهل استباحته ما دام يعتصم بوحدته الداخلية في وجه الفتنة التي هي الشر الأكبر.
إنّ ما تلقّاه لبنان هو تداعيات الصدامات وشظايا الانفجارات، ولا شيء ينفع في معالجة التداعيات إن لم يقفل باب النزاعات. ولكنّه في كل الحالات لن ينصاع إلى أي رأي أو نصيحة أو قرار يدفعه باتجاه فتنة داخلية، ومن يريد الخير للبنان يساعده على تحصين وحدته لأنها صمّام أمانه.
وفي هذا السياق تأتي الأزمة الحكومية الأخيرة، والإشكالية التي أحاطتها، وصحيح أنّها عبرت، إلّا أنّها قطعًا لم تكن قضية عابرة، لأنّها شكّلت للحكم، وللشعب اللبناني اختبارًا صادمًا وتحديًا بحجم القضايا الوطنية الكبرى، يستحيل إغفالها والسكوت عنها.
فهل كان يجوز التغاضي عن مسألة واجب وطني فُرضَ علينا لاستعادة رئيس حكومتنا إلى بلده لأداء ما يوجبه عليه الدستور والعرف، استقالة أو عدمها، وعلى أرض لبنان؟
ثم إنها، أولًا وآخرًا، مسألة كرامة وطن وشعب أظهر حيالها تماسكًا وطنيًا فريدًا، فالسيادة كلٌ لا يتجزأ، سواء على الأرض أو في السياستين الداخلية والخارجية.

 

أيها اللبنانيون
وسط الغليان الحاصل حولنا، بضع رسائل أود توجيهها بكل صراحة وصدق:
رسالتي الأولى هي للأشقاء العرب: إن التعاطي مع لبنان يحتاج إلى الكثير من الحكمة والتعقّل، وخلاف ذلك هو دفعٌ له باتجاه النار. وعلى الرغم من كل ما حصل لا تزال آمالنا معقودة على جامعة الدول العربية، بأن تتخذ المبادرة انطلاقًا من مبادئ ميثاقها وأهدافه وروحيّته، فتحفظ نفسها والدول الأعضاء فيها، وتنقذ إنسانها وسيادتها واستقلالها.
وأتوجّه أيضًا إلى المجتمع الدولي المدرك لأهمية الاستقرار في لبنان، وأدعوه ليصونه من خلال التطبيق الكامل للعدالة الدولية.
أمّا إلى اللبنانيين فأقول: بوحدتكم تخطّيتم الكثير من الصعاب والأزمات والمخاطر، فلا تسمحوا للفتنة أن تطلّ برأسها بينكم لأنّها الدمار الشامل الذي لا ينجو منه أحد. وحدها وحدتكم هي المنقذ، هي أمانكم، هي استقراركم، وهي مستقبل وطنكم وأولادكم.
وإلى جيشنا وقوانا الأمنية أقول: أنتم حرّاس الوحدة الداخلية وحماة الحدود، فكونوا دومًا جاهزين لأداء واجبكم والوفـاء بقسمكـم.

 

أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون
لقد دفعنا جميعًا أغلى الأثمان كي يعود الاستقلال عيدًا بعد أن كان ذكرى، فافرحوا به واحتفلوا، وهذا حقّكم. وصونوه وحافظوا عليه وهذا واجبكم.
 

.عشتم، عاش لبنان، حرًا سيدًا مستقلًا