تحقيق

طب وهندسة وإدارة وموسيقى... كل الإختصاصات تؤدي الى الحربية
إعداد: ندين البلعة

عشرة أطباء، سبعة عشر مهندساً، سبعة عشر إدارياً وموسيقي واحد التقوا حول حبّ الوطن وجيشه. غضّوا الطرف عن الفرص المتاحة لهم والتحقوا بالمدرسة الحربية كضباط إختصاصيين.

 

إختبارات الأهلية والتدريبات
قائد المدرسة الحربية العميد الركن وليد سلمان يشرح الآلية التي يتمّ من خلالها قبول ضباط إختصاص في الجيش اللبناني:
«يُقبل في هذه الدورة شباب من ذوي الإختصاصات المطلوبة في الجيش، يخضعون لعدة إختبارات تُبرز أهليتهم لاحتلال مناصب ومواقع في المؤسسة العسكرية. في البداية يخضعون للاختبار النفسي والرياضي والفحص الطبي الشامل، ثم يجرون إمتحانات خطية باللغات الأجنبية وكل ضمن إختصاصه. أما خاتمة الإختبارات فهي المواجهة مع اللجنة (Interview)، هذا الإختبار يسلّط الضوء على شخصية الشاب، وقفته، ثقافته العامة ومنطقه...
يتابع ضباط الإختصاص، خلال فترة 14 أسبوعاً، تدريبات ومواداً عسكرية مكثّفة، ومن ثمّ يتمرّسون على مهمات محددة في القطع لمدة أسبوع، وهذا ما يسمى «On job training».
بعد ذلك تصدر تشكيلاتهم بحسب الحاجة، إذ تقوم مديرية الأفراد بتعبئة النقص في القطع.
أما التدريبات والدروس التي يخضع لها الضباط المتمرّنون، فيعدّدها النقيب شادي نخلة مساعد مدير الدورة: «ضباط الإختصاص هم مدنيون بالأصل وأتوا بمرسوم، لذا يخضعون لمرحلة تحضيرية يتدرّبون خلالها ليتحوّلوا الى عسكريين. إذاً يتم التشديد على التدريبات العسكرية بدءاً بالرياضة، النظام المرصوص، علم الأسلحة (بكل أنواعها)،  الرماية، الأنظمة والقوانين، التمارين على الخرائط، تمارين السير، تمارين القتال، خدمة الميدان... وصولاً الى كل التعليمات التي يحتاجون اليها في حياتهم العسكرية.
هذه التدريبات تخوّلهم معرفة كيفية التعاطي مع الأمور عسكرياً عندما يتوزّعون على القطع، وطبعاً كلٌّ في اختصاصه. وتتوزّع التدريبات في أماكن مختلفة، داخل المدرسة وخارجها».

 

الإنضباط هو الأساس
تعتبر التدريبات العسكرية التي يتابعها ضابط الإختصاص، جدّية مكثفة وقاسية حتى يستطيع الإنتقال من الروحية المدنية الى الحياة العسكرية الصلبة بأقل من أربعة أشهر. ويشدّد العميد الركن سلمان على نواحي الإنضباط بكل أنواعها «حتى نخرّج ضباطاً مسؤولين ومنضبطين. ومن إحدى هذه النواحي، كونهم ضباطاً أتوا بمرسوم يسمّيهم «ضباط إختصاص» وليسوا تلامذة ضباط، فهم يضعون شاراتهم ونجومهم عندما يغادرون المدرسة الحربية في مأذونياتهم، ولكن داخل المدرسة يُجرّدون من رتبهم ويُطبّق عليهم القانون كما التلامذة الضباط من دون أن يتخالطوا معهم، والمقصود هنا التمرّس على الإنضباط والأمرة من المدرّبين ومساعديهم.
يُحاسَب ضابط الإختصاص على المخالفات وتُؤخذ بحقه التدابير التي تطبّق على التلامذة، في حال: الفوضى، العلامات المتدنية، الكسل بالرياضة، التأخر والتلكؤ... وأي مخالفة في قواعد الإنضباط. ولكن بالطبع نسبة المخالفة لديهم تكون أقل نظراً الى وعيهم وعلمهم وشخصيتهم وعزة النفس».

 

الفرق
• أين الإختلاف في التعاطي مع التلامذة الضباط وضباط الإختصاص؟

- على هذا السؤال يجيب النقيب نخلة مؤكداً الإختلاف في كيفية التعاطي مع كلٍّ من الإثنين، «فضابط الإختصاص مسمّى ضابط، حاصل على درجة معيّنة من العلم والشهادات ضمن اختصاصه. نقسو عليه قليلاً في البداية حتى يتمكّن من المعارف العسكرية بشكل صحيح، فهناك نظام وتعليمات يجب أن نطبّقها حتى يتخرّج من هنا ضابطاً قادراً على قيادة عسكريين.
أما التلميذ الضابط فهو ما زال في بداية الطريق، تخرّج حديثاً من المرحلة الثانوية. نقسو عليه أكثر لأنه سيكون في نهاية المطاف ضابطاً مقاتلاً (مشاة، مدرعات، مدفعية...) لذا عليه أن يتمتّع بلياقة بدنية عالية من خلال الرياضة والتمارين العسكرية ودروس القتال... على عكس ضابط الإختصاص، المتخصّص في مجال علمي معيّن وليس مقاتلاً.
لا تساهل مع ضباط الإختصاص، وعليهم ضغط ودروس ومواد كثيرة يأخذ التلميذ الضابط معظمها، ولكن في وقت ضيّق ومحدود. إشارة الى أن ضابط الإختصاص لا يتابع مواداً مدنية لأنه سبق وتخرّج وحصل على شهادة في اختصاص معيّن. على عكس التلميذ الضابط الذي يدرس مواداً مدنية بحيث يحتاج الضابط الى الثقافة والعلم في حياته العملية العسكرية».

 

صعوبة التأقلم
من وجهة نظر قائد المدرسة الحربية، تكمن الصعوبة الأساسية بالنسبة الى ضباط الإختصاص في سرعة انتقالهم من الحياة المدنية الى الحياة العسكرية وضمن فترة زمنية قصيرة. وهذا يتضمّن الرياضة والتأقلم مع الحياة العسكرية بكل متطلباتها من انضباط وامرة، ونشاطات... والأهم الإعتياد على حياة الجماعة.
الضابط المتمرّن شادي أبو المنى (إختصاص إدارة أعمال ومعلوماتية) يرى في هذا الإطار أن صعوبة التأقلم مع الحياة العسكرية تكمن في الإنضباط واحترام الوقت «فقبل دخولنا الى الجيش كنا على سجيّتنا وحتى في الشركات الخاصة يمكن التساهل قليلاً بالنسبة الى الوقت والتأخير. ولكن في الجيش لكل خطأ عواقبه، لذا لا شعورياً، يصبح لدينا انضباط واحترام للوقت والرؤساء من حيث طريقة التقدّم منهم وأداء التحية وطريقة التحدث اليهم...».

 

أنا آتٍ
عن سبب دخوله الى الجيش بدل العمل في مجالات واسعة في الخارج ضمن اختصاصه، يسارع الضابط المتمرّن أحمد يونس (إختصاص طب داخلي) الى القول: «أنا أحب الجيش وأجد فيه الإنضباط والنظام والإستقرار وهو يختلف بذلك عن مجتمعنا، وأجد في المؤسسة العسكرية مجالات لأتقدّم وأصل الى مراكز معيّنة».
يونس لم يجد صعوبة في أي من الإختبارات التي خضع لها قبل قبوله لأنه كان مهيئاً نفسياً وجسدياً. ويرى أن ما يميّزهم عن الضباط الذين تخرّجوا من الحربية (تلامذة ضباط) هو طبيعة المهمات.
«دوري كطبيب مثلاً يختلف بالتأكيد عمّا يقوم به ضابط آخر في القطع القتالية. إذ سأكون بخدمة الطبابة العسكرية (في المستشفى العسكري المركزي أو في مستوصف معيّن) وأقدّم مهماتي في إطار الخدمات الطبية أي ضمن إختصاصي».

 

من الجيش واليه
الضابط المتمرّن أنطون عون (إختصاص موسيقى) تقدّم من دورة ضابط إختصاص بعد أن كان قد خدم عشر سنوات في الجيش، وهو في ذلك يتميّز عن باقي زملائه الذين ينتقلون من الحياة المدنية.
بخبرته وتجاربه في الحياة العسكرية، «هذا الأمر يجعلني مسؤولاً تجاه رفاقي لأوجّههم قدر المستطاع في ما يتعلق بالأمور العسكرية. الدورة أسهل بالنسبة إليّ».
من منطلق تفكيره كعسكري، يشدّد على ضرورة تمتّع الضابط بثقافة عسكرية واسعة تشمل القانون العسكري وأموراً أخرى فائقة الأهمية.

 

سأتابع الطريق
شقيق النقيب المغوار الشهيد مارون الليطاني، الضابط المتمرّن مايك الليطاني (إختصاص هندسة ميكانيك) يلخّص يوميات دورة ضباط الإختصاص: «النهوض الساعة الخامسة فجراً والرياضة الصباحية، بعدها ارتداء الهندام القانوني وتناول الفطور. ثم نباشر الدروس في قاعة الدرس أو في أماكن أخرى. فمثلاً نظام المرصوص ننفّذه في ساحات المدرسة، درس الأسلحة في الملعب... ندرس حتى الساعة الثانية لنأخذ من بعدها استراحة الغداء حتى الساعة الرابعة. في ما بعد نكمل الدروس بين مسائية وأسلحة وغيرها بحسب البرنامج حتى الساعة الثامنة مساءً حيث نتناول العشاء، ويتمّ التعداد الساعة العاشرة أو يكون لدينا قتال ليلي في أماكن خارجية مختلفة».
برأي مايك، يتعاطى المدرّبون معهم كضباط تلامذة لا كتلامذة ضباط، «لدينا ثلاثة أشهر تدريب وبعدها ندخل في النطاق العسكري العام كضباط. يشعر مايك كرفاقه بالقليل من الضغط بسبب كثرة التدريبات وضيق المدة الزمنية، ولكن مستوى الإستيعاب لديهم أكبر، وأكّد أنه سيتابع الطريق مهما بلغت الصعوبات...