لبنان يحتفل بجيشه عودة العسكر

عادوا منتصرين... عالية جباههم والرايات

... وكان الوطن بانتظارهم في كل شارع وساحة وطريق وشرفة

 

عادوا...
عادوا منتصرين، موفوري الكرامة، مرفوعي الرأس.
عالية جباههم، عالية راياتهم, رايات العزّ الموشحة بدماء الأبطال.
عادوا، وكان الوطن بانتظارهم في كل شارع وساحة وطريق. حتى تلك الطرقات التي لم يسلكها موكب عودتهم كانت مفروشة بالناس والقلوب والأناشيد والورد والارز.  
عادوا أبطالاً يلوحون، وعلى آلياتهم وصدورهم وفي عيونهم صور رفاق أحباء استشهدوا.
صنعوا وحدهم هذا النصر.
صنعوه بالدم والإيمان لا بالأسلحة والذخائر.
صنعوه نصراً للبنان، فخرج لبنان لاستقبالهم وكان العرس.
مندوبات «الجيش» كنّ بانتظار الأبطال فواكبت كل منهن على طريقتها وقائع احتفال اللبنانيين بجيشهم، وإليكم ما عدن به.


• كتبت ريما سليم ضومط

خرجوا لملاقاته وقلوبهم أعلام محبة
كل اللبنانيين خرجوا لاستقباله. يحملون قلوبهم أعلام محبة، ويحتضنون بالعيـــون والأمنيات جيشهم البطل العائد من نصـــرهــم المضيء.
صغاراً كانوا وكباراً. المتقدمون في السن سبقوا الشباب واليافعين، رافعين رؤوسهم فخراً بجيش الوطن العائد من معركته ضد الإرهاب.
بالآلاف احتشدوا من مختلف الفئات والألوان ليستقبلوا حماة الوطن إستقبالاً يليق بالأبطال، وبالدماء التي بذلت في سبيل أن يبقى لبناننا سيداً حراً مستقلاً.
من مختلف المناطق اجتمعوا، فكسروا الحواجز والفواصل، والتفوا حول جيشهم في التحام شعبي عفوي وصادق.
كانـوا شعبـاً، كانـوا واحـداً، كانوا قبضـة، كانـوا كفاً ترتفع بالتحية.
وكلهم قالوا بقلب واحد:عاش الجيش، عاش لبنان.

 

من الشمال الى جبيل: الناس بحر يجتاح الطرقات
منذ لحظة خروج عناصر الجيش من مراكزهم داخل المخيم، اصطف الأهالي على امتداد الطريق مهللين لانتصار الجيش، ملوّحين بالأعلام اللبنانية بفخر واعتزاز.
حشود واسعة من المواطنين تجمهرت على الطرقات بدءاً من محيط المخيم وأمام ثكنة عرمان، مروراً ببلدات بحنين والمنية ودير عمار والبداوي، وصولاً الى محلة الملولة عند مدخل طرابلس الشمالي. استقبل المحتفلون الوحدات العسكرية بالهتافات ونثر الأرز والزهور رافعين الأعلام اللبنانية واللافتات المرحبة وسط حلقات الدبكة والرقص.
على مدخل طرابلس الشمالي توقفت آليات الجيش لتحية الحشود وسط إطلاق الرصاص، والمفرقعات النارية، وتابع الموكب طريقه حتى مستديرة شارع عزمي حيث تكرر المشهد نفسه، ثم توجه العائدون نحو الميناء وسط حشود كبيرة تجمعت على جانبي الطرق.
وأقدم المواطنون على نحر عشرات الخراف أمام قوافل العسكريين ترحيباً بعودة الأبطال.
واصل الموكب مسيرته باتجاه أوتوستراد طرابلس - بيروت الرئيس بمؤازرة المروحيات العسكرية التي واكبت عملية العودة منذ انطلاقها من مخيم نهر البارد. وفي القلمون خرج المواطنون الى الساحة العامة حيث أقيمت الاحتفالات وأطلقت المفرقعات والأسهم النارية.
وفي الكورة استقبلت وفود شعبية وحزبية العسكريين في أثناء مرورهم على الأوتوستراد الرئيس لبلدة رأس مسقا - الكورة بالزغاريد والهتافـات ونثر الورود ونحر الخراف.
كما أقيمـت حلقات الدبكة على وقع الطبول، وشاركت وفود شعبية من أهالي بلدة أنفه والجوار بالاستقبال والاحتفال بمرور موكب الجيش على الأوتوستراد المطل على بلدتهم.
وعنـد مستـديرة شكـا، لبّى أهـالي البلدة دعوة المجـلس البلدي وشاركوا الوفـود التي نزلت مـن قرى الكـورة وبلداتهـا، لاستقبال حماة الوطن، فأقيم استقبال حاشد في حضور رئيس البلدية وأعضاء المجلس البلـدي ومخاتيـر البلدة ومـسؤولي الجمعيـات والهيئات الأهلية، حيث تـمّ تقديـم الحلـوى والمشـروبـات، كمـا نثـر الأرز والورود على كل سيارة تقلّ جندياً.
وعند جسـر كفريا نزل أهالي البلدة للمشاركة في استقبال الأبطال العائدين، وكذلك فعل أهالي بلدة راس نحاش الذين احتشدوا على الأوتوستراد يقدّمون الى جيشهم الحلوى والـورود وسط أصـداء الأناشيـد الوطنية التي تصدح من مكبرات الصوت.
وامتدت صفوف السيارات من نفق شكا وصولاً الى مدخل البترون، حيث عبّر الأهالي عن فرحهم بانتصار الجيش بنزولهم الى الأوتوستراد الساحلي لاستقبال الأبطال، حاملين الورود والأعلام اللبنانية وأعلام الجيش اللبناني واللافتات المؤيدة لتضحيات الجيش وبسالته.
اخترقت الآليات العسكرية الحشود المستقبلة عند مستديرة المدينة، وكان التجمع الأبرز قبـل جسر المدفـون حيث نظّـم رئيـس البلدية استقبـالاً حاـشداً، شارك فيه عدد كبير من رؤساء البلديات والمخاتير وممثلو الجمعيـات والهيئـات الأهليـة والأنديـة ومختلف التيـارات السيـاسية، والأهـالي المتوافدون من قرى وبلـدات القضاء ساحلاً ووسطاً وجرداً. كما نحرت الخراف ورفعت أكاليل الغار على الآليات العسكرية وعقدت حلقات الدبكة وقرعـت الطبول على وقع الأغاني والأناشيد الوطنية.
وعند جسر كفرعبيدا، احتشد الأهالي مرحبين بالأرز والورود بالجيش اللبناني رافعين الأعلام اللبنانية وشعار الجيش وقدّموا الحلوى والضيافة لكل السيارات العابرة.


خط متواصل من الفرح
... وتتابع القافلة سيرها وسط الأجواء نفسها، على طول الأوتوستراد باتجاه عمشيت، خط متواصل من الفرح انهمر ورداً وأرزاً ودموعاً وقُبَل.
حالة تشبه الهستيريا تسود الحشود مع الإعلان عن اقتراب الموكب الذي أخّرته الاحتفالات عن موعد وصوله.
ومع ظهور طلائعه ترافقها وتؤكد وصولها الطوافات جواً والزوارق الحربية بحراً، يصل الاحتفال الى ذروته، لكنه لا ينتهي مع أداء كل المراسم المعبّرة عن الفخر والاعتزاز والحب، فالمواطنون يواكبون القافلة الى آخر ما يتيحه مجال رؤية ومواكبة قبل أن يحين دور آخرين يقفون في الانتظار منذ ساعات.


• كتبت ندين البلعة:

وجع الشهادة وفرح الانتصار
«يا وطني جيشك مش نايم، جيشك عا بلادو سهران»، حقيقة أدركها اللبنانيون جميعاً على اختلاف انتماءاتهم، فأبوا إلاّ وأن يعبّروا عن ثقتهم بجيشهم الأبيّ. انتظروا 106 أيام انتصاره على الإرهاب، وأخيراً تجمّعوا وافترشوا الطرقات من كل الجهات مرحّبين بعودة الأبطال من المعركة منتصرين.
على وقع الأغاني الوطنية، توافد أهالي عمشيت وجبيل والجوار، كباراً وصغاراً، مقيمين ومغتربين، حاملين الرايات اللبنانية وشعارات الجيش وصور العماد ميشال سليمان... يرحّبون بالأبطال العائدين.
بأغصان الغار والزيتون يلوّحون، حاملين المشروب والحلوى... إنه عرس حقيقي. تسمع الناس يعلّقون:
«اليوم وُضِعَ المدماك الأول للكرامة اللبنانية وللسيادة اللبنانية على أرض الوطن. لا نريد غير قميص الجيش لتدفئتنا!».
ينتظرون عودة الأبطال، يعتبرون هذا الإنتصار «فرحة لبنان»، هو «انتصار للجيش، للشعب اللبناني وللبنان».
كثيرة الكلمات ولكن ليس فيها ما يعبّر فعلاً عن هذه الفرحة وعن «نشوة الإنتصار». شعور دفين يتفجّر «كان يجب أن نشعر به من زمان».
لكن ثمة مرارة وحزناً لا يمكن أن تخفيهما الأناشيد والصرخات المحتفلة. أسف على أرواح الشهداء الذين صنعوا بدمائهم هذا النصر الغالي.
 
أبطال وشهداء... ومبروك للبنان
مع وصول طلائع الموكب، نحرت ثلاثة خراف. رقص، هتافات، أيادٍ تلوّح، و«رشّوا الفلّ العسكر طلّ». الملالات والآليات العسكرية تتقدّم في صفٍّ منتظم، يعتليها جنود على وجوههم ابتسامة الرضى.
مجموعات من الناس المرحّبين تؤدي التحية تصرخ، تغنّي، تبكي... لا يهمّها شمس أو حرّ أو كم مرّ من الوقت في الانتظار، إنه وقت الاحتفال بالانتصار.
اعترض الجميع طريقهم راغبين بغمرهم أو حتى لمس يد أحدهم. ملالاتهم وآلياتهم تتقدّم بين الحشود بتأنٍّ وبطء، يقفون عليها ويلوّحون بالأعلام وبصور رفاقهم الشهداء وكأنهم يشعرون بوجودهم معهم يحتفلون بالإنتصار.
«هذا واجبنا، إن كان في نهر البارد أو غيره» يعلّق أحد الجنود العائدين من المعركة.
مبروك انتصاركم، يصرخ مواطن.
يردون بصوت واحد: «مبروك لكل لبنان... نحن دائماً حماية لكل اللبنانيين وسنبقى».
وتلاقيهــم عيون دامعة:
عين أمٍّ فقدت إبناً وأختٍ فقدت أخاً وامرأةٍ فقدت زوجاً...
تبحث، حبّذا لو تجده عائداً بطلاً لم تخطفه حرب ظالمة!
في مستيتا، حشود من الأهل والأصحاب والعسكريين والمواطنين في استقبال فوج مغاوير البحر.
الألعاب النارية، الموسيقى ودموع الفرح شاركــت جميعهـــا في الاستقبال.
حملوا القادمين على الأكتاف وأدخلوهم الى الثكنة، معبّرين عن اشتياقها لحركتهم و«عجقتهم».
... ومرة أخرى يلتقي وجع الشهادة بفرح الانتصار. زوجة الرائد الشهيد ميشال مفلح الذي استشهد قبل 10 أيام من الإنتصار، كانت هناك مع ولديها.
نقف أمام هذا الحزن العميق. نشعر بحرقة تكوي مشاعر الفرح...
كم دفعنا الثمن غالياً... نصرٌ حري بنا أن نصونه بأهداب قلوبنا، نصرٌ كلفنا خيرة الشباب الشجعان.

 

الفرح الآتي من رحم الشهادة
وعلى طول الطريق من جبيل الى بيروت احتشد المواطنون يستقبلون عناصر الجيش. وأقاموا تجمعاً ضخماً عند مفرق يسوع الملك في جونية، شاركت فيه حشود من مختلف قرى وبلدات المنطقة، رفعت فيه الأعلام اللبنانية وأعلام الجيش. ونثر فيه الأرز على الجنود المارين ونحرت الخراف وجرى توقيف الموكب أكثر من مرة للترحيب بجنوده وتقديم المياه والحلوى لهم، وسط قرع الطبول والأغاني والأهازيج الوطنية.
أما المشهد الأكثر تأثيراً والذي تكرر في أكثر من مكان، فكان لقاء قادة الأفواج والقطع بأهالي الشهداء: عناق ودموع، فرح ووجع، لو عادوا جميعاً... لكن الفرح بالنصر لا يطـــــــــل إلا مـن رحم  الشهادة.


• كتبت تريز منصور:
 أحلمٌ هو؟ بل حقيقة من جيش وناس وفرح
إنه حلم جميل لا بل حقيقة، حقيقة من جيش وناس وورد وفرح. فعودة العسكر من نهر البارد كانت عرساً وطنياً. وكان الأبطال عرسان الوطن وفرسانه.
من نهر البارد شمالاً وصولاً الى مقر كل فوج أو قطعة، أمطرت السماء ورداً وأرزاً وزغاريد. وتعانق العسكريون مع المدنيين وهلّلوا للنصر العظيم.
في محطة نهر الموت - عمارة شلهوب - حيث كان وزير الدفاع الياس المر ووالده النائب ميشال المر في الاستقبال، طال الانتظار وارتفعت نسبة الحماس الى أقصى حدودها.
ساعة، ساعتان، ثلاث، لا يهمّ... الطقس حار والعرق يتصبّب عن الجباه، ودخان السيارات... لا يهمّ «كلو بيهون» أمام تضحيات هؤلاء الأبطال ودمائهم الزكية التي روت أرض البارد ليبقى لبنان الكيان والوجود.
العرس حقيقي والفرحة وحّدت المنتظرين الوافدين من كل مناطق وبلدات وقرى المتن الأعلى والأوسط.
عدة الإحتفال باقات الورد والسلال الممتلئة بالأرز والزهور، الحلوى، الأعلام، مكبرات الصوت تبثّ الأغاني، مفرقعات، وقلوب يزداد خفقانها مع إقتراب الموكب. يا له من فرح يشهده لبنان في عزّ الدخان الرمادي الذي يحيط بمصيره ويجعله يواجه لعبة الكبار.
وتقول مواطنة «النصر جميل جداً، لو لم نخسر كل هؤلاء الشهداء. نأمل أن يقدر السياسيين طاقات جيشنا العظيم، وأتمنى أن يبقى ملجأنا وحمانا».
ويقول مواطن آخر، «إنه يوم مبارك» الجيش حقق النصر ووحّد اللبنانيين.

 

قلوب احتل....
الساعة التاسعة مساءً، يطلّ موكب آليات الأبطال التي زيّنت بصور الشهداء، فرقة أخوية قلب يسوع المتين تعزف «رشوا الفلّّ العسكر طلّ» و«تسلم يا عسكر لبنان»... وهيصات المواطنين وزغاريد النسوة، الأرز والزهور للأبطال، الذين رفعوا إسم لبنان عالياً، وقاتلوا ببسالة وشجاعة قلّ نظيرها.
بعض النساء أقبلن الى الجنود يقبّلن أيديهم المغموسة بشرف البطولة، ومن بين الحشود تقدّم رجل وانحنى على رِجل عسكري قائلاً: «هذا الرنجر يشرفنا»... يرفعه العسكري، يعانقه، ويتسع مدى الانفعال بين المحتشدين.
وسط أجواء الفرح نقترب من آمر السرية في فوج المغاوير نسأله تعليقاً فيقول: «إستطاع الجيش أن يحقق هذا النصر على الإرهاب بفضل إرادة شهدائه وعقيدته، على الرغم من تواضع عتاده. أهدي هذا النصر العظيم الى الشعب اللبناني بأجمعه والى ولدي حسان وحسن». نقترب من رقيب أول وعريف كلاهما يؤكدان أن المغاوير لا ينسون شهداءهم أبداً.
جندي مغوار أصيب في آخر أيام المعركة، أتى لاستقبال رفاقه وهو باللباس المدني، يتأسف لأنه لم يشاركهم لحظات الانتصار في ساحة المعركة، «التي كانت قاسية وصعبة لأننا قاتلنا في أرض لا نعرف معالمها جيداً، عدواً إنتحارياً لا يخاف الموت. ولكن والحمد لله، الأبطال كانوا على قدر المسؤولية، والمعنويات كانت عالية جداً، فتحقق النصر المرتجى».
وعلى جسر المشاة في نهر الموت نلتقي جندياً من فوج الهندسة كان في نهر البارد وعاد، يحمد الله على هذا النصر، «الشعور في هذه اللحظات لا يوصف».
«الله يقوي الجيش وينصره على أعدائه. إنه يجسّد وحدة اللبنانيين» هذا ما تقوله مواطنة، وتهنئ مواطنة أخرى الجيش على هذا النصر العظيم وتتقدم بالتعزية من أهالي الشهداء.
غادر الموكب منطقة نهر الموت متجهاً نحو الدورة واستمرت العيون شاخصة اليه تراقبه بفخر وتصلي له.
«شي بيكبّر القلب. آمل أن يكون هذا النصر درساً للآخرين»، يقول مواطن، فيوافق آخر ويضيف «الجيش رفع رؤوسنا عالياً. الله يحميهم وينصرهم على الأعداء في كل زمان ومكان».

أردت أن أقول: أعرف هؤلاء الأبطال...أعرف تعبهم ودماءهم
يبتعد الموكب ويبدأ الناس بالمغادرة، أشعر بالدموع تحضّر طريقها نزولاً...
ماذا أقول لهذا الجيش الذي أعمل معه وأكتب عنه؟ أردت أن أقول للحشود بالصوت العالي، أنا أعرف هؤلاء الأبطال، أعرف تعبهم ودماءهم وتحدياتهم. أعرف المدرسة التي نشأوا على مبادئها، أعرف أخلاقهم ومناقبيتهم التي تميزهم عن جيوش العالم.
أردت أن أمسح التعب والتراب عن وجوههم، وأن أقبّل جباههم فرداً فرداً.
 

• كتبت ماري الحصري:
 إحمهم يا رب «تايضلوا رافعين راسنا»
وجوهٌ ترسم ابتسامات الفخر، أيادٍ ترفع إشارات النصر، عيونٌ منتظرة ترنو نحو البعيد، أفواهٌ مهلّلة بالانتصار داعية بالتوفيق، جباهٌ مرتفعة اعتزازاً، أعلام لبنان والجيش ترفرف ابتهاجاً، هذه هي اللوحة البشرية التي رسمها عشرات اللبنانيين: كبار وصغار، نساء ورجال وأطفال، عند مستديرة الدورة بانتظار وصول أبطال الجيش اللبناني العائدين الى ثكناتهم، بعد انتصارهم على تنظيم «فتح الإسلام» في معارك مخيم نهر البارد.
يوم الثلاثاء 4 أيلول، لم يكن مجرد يوم عادي في روزنامة العام 2007، بل كان يوم فخر واعتزاز لجميع اللبنانيين. فقد عمّت احتفالات النصر معظم المناطق اللبنانية، بدءاً من الشمال، مروراً بجبيل وكسروان والمتن، وصولاً الى بيروت.
منطقة الدورة شاركت في ملاقاة هؤلاء الشجعان ومواكبتهم في احتفال نظّمته البلدية عند جسر الدورة، حيث احتشد المواطنون لإلقاء تحية إجلال وإكبار للجنود اللبنانيين، شاكرين لهم تضحياتهم.
في حديث لنا مع عدد من المشاركين في الاحتفال، عبّروا جميعاً عن فرحة لا يمكن وصفها بانتصار الجيش، وتضرّعوا الى الله أن يحمي الجنود وينصرهم دائماً، «تيضلّوا رافعين رأس لبنان».
«قلبي معلّق بالجيش»، بهذه الكلمات عبّرت سيدة جاءت مع رفيقاتها للمشاركة في الاحتفال، عن سرورها بهذا اليوم العظيم، معتبرة أن الجيش هو الوحيد الذي أنقذ لبنان. في حين تقدّمت رفيقتها بأحرّ التعازي الى ذوي الشهداء الذين سقطوا في هذه المعارك، وتمنّت لو كانوا مع رفاقهم الأحياء ليحتفلوا معهم في هذا النصر.
أما عنصر الشباب فكان العدد الأكبر المشارك في الإحتفال، إذ حملوا الأعلام اللبنانية وتمنّوا أن يتحد الجميع ويدعموا الجيش. كما عبّروا عن افتخارهم بأنهم لبنانيون، وشكروا الجيش لأنه رفع رأس لبنان عالياً.
الأطفال، كانت لهم الفرصة أيضاً للمشاركة. إذ ارتدى البعض منهم البزة العسكرية، وحملوا الأعلام اللبنانية، والتقط لهم أهلهم الصور الى جانب آليات الجيش اللبناني. ببراءة وخجل الطفولة، طلبت طفلة من الله أن «يحمي الجيش ويقوّيه ليحمي لبنان».
تعددت الأساليب لكن الهدف واحد: الإحتفال بانتصار الجيش. فلدى مرور الجنود عند مستديرة الدورة، رفرفت الأعلام اللبنانية وأعلام الجيش في الأعالي، وعلت زغاريد النساء مهلّلة بالنصر، وأضاءت سماء المنطقة الألعاب النارية احتفالاً بالعرس الوطني، وتوافد الناس لالتقاط صور لهم مع العسكريين، كما عمد البعض الى تصويرهم بآلات الڤيديو بهدف حفظ ذكرى لهذا اليوم التاريخي. أما الأغاني الوطنية فكانت تبثّ منذ الصباح من سيارات تحمل مكبرات الصوت تجول في أحياء المنطقة.
وقد أحضر بعض الأولاد الدربكة التي استعانوا بها، لدى مرور الجيش، للاحتفال، مطلقين عبارات التشجيع والدعم، وعبّر أحدهم عن فرحته بهذا اليوم قائلاً: «كتير مبسوط، وبدنا نحتفل بالجيش ونقلّو الله يكون معك».
في هذا اليوم، توحّد الجميع تحت ظلال العلم اللبناني وعلم الجيش، وانحنوا أمام تضحيات الجنود اللبنانيين، وحيّوا بسالة وشجاعة العسكريين، متمنين النصر الدائم للجيش، رمز الوحدة الوطنية.

 

• كتبت ليال صقر:
لبنان يتكلّل بالغار
وانطوى ملف فتح الاسلام!
بقوة وعزم وإقدام انتصر جيش لبنان على قوى الشر ومظالم الإرهاب ملقناً من فتح نار العصيان ومظالم الإرهاب درساً لن تقوى الأيام والليالي على محوه أو جعله طي النسيان في أذهان من انتظر هذه اللحظة، لحظة الانتصار، انتصار جيش الحق على قوى الشيطان أيام وليال ليست بقليلة انقضت، قابلها جيش الوطن بالوقوف أمام بؤرة الإرهاب والتصدي لعناصرها وأسلحتهم التي مهما تطورت واشتد فتكها لم تقوَ على أقوى وأعظم وأقدم أسلحة الأرض: الإيمان بقدسية أرض طاهرة وتراب إلهي رواه أبناؤه بدم شبابهم لقاء أن يحفظ لبنان عزته ومجده وكرامه. هذا الإيمان سرى في شرايين وأوردة جيشنا اندفاعاً وصلابة عزّز بها معركته.
زوّدتهم أمهاتهم صلواتهن وزوجاتهن دعواتهن فعادوا منتصرين، في وقت لم تحقق فيه أقوى دول العالم أكثر من الإخفاق، فرفعوا رايات النصر بصدور دافعت وتصدّت ورصدت وكان لها عرس الأبطال.
تكلل لبنان بالغار يوم الثاني من أيلول وعاد جيش لبنان مرفوع الهامة شامخ الرأس بوجه كل من راهن على أن الجيش لن يصمد، وكان البرهان على أن جيشنا حامي حمانا بكل ما للكلمة من معنى.
صحيح أن شبابنا حملوا دماءهم على أكفهم ثلاثة أشهر ونيّف، ولكن الأمر استحق العناء، وها هم اليوم يزفّون لبنان بعرس جماعي، عرس اتّسم بأكاليل الغار والفلّ والارز وزغاريد النساء اللواتي اغرورقت عيونهن بدموع الفرح.

 

هرعوا للقاء الأبطال بفرح جامع
خبر عودة الألوية والأفواج العسكرية التي قاتلت في نهر البارد الى مراكزها، كان له وقع الأوامر على اللبنانيين فهرعوا للقاء الأبطال، اصطفوا على الأرصفة وافترشوا الشوارع.
لم يأبهوا لوهج الشمس وارتفاع درجة الحرارة وانتظروا مرور البواسل في العبدة ودير عمار والبترون والمدفون وجبيل ونهر الموت والدورة والأشرفية.
على كل ناحية اصطف الآلاف واكتظت الشوارع بالمحتفلين؛ نساء، أطفال وشيوخ كلهم حملوا علم لبنان ورشوا الفلّ والأرز وتهافتوا ليلقوا التحية على عناصر الجيش الذين قاتلوا في البارد، قبّلوهم وعانقوهم ولوّحوا لهم بشعار الجيش وقدموا اليهم باقات الزهر مع خالص الشكر والامتنان.
لو قيل في المناسبة أن معظم سكان لبنان نزلوا الى الساحات والشوارع لم يكن في الأمر ما لا يصدق. الصور شاهدة والأرقام هائلة، امتلأت الشوارع ووزّعت المياه والمشروبات الغازية على الجميع، علت الموسيقى وأغاني النصر والاحتفاء في كل أرجاء لبنان.
وهبّ الجميع للقاء الأحبّة وكل اتخذ أقرب مكان ممكن من خط مرور الآليات العسكرية ليكون الأقرب الى الأبطال.
صحيح أن أزمة البارد مكثت أكثر مما كان ينبغي بغية تحقيق أقل خسائر بشرية ممكنة في صفوف المدنيين، وصحيح أنها كلّفت لبنان باقة من أشرف وأنبل وأعظم أبنائه، لكنها حملت في طياتها إيجابية خفية لدى الشعب اللبناني تجلّت في جمع هذا الشعب في ساحة واحدة وبقلب واحد وجعلتهم يتفقون على راية واحدة: راية: شرف، تضحية، وفاء شعار جيش لبنان الواحد.

 

ساعات الانتظار
كان من المفترض أن يصل فوج مغاوير البر الى ساحة ساسين في الأشرفية قرابة الرابعة أو الخامسة من بعد الظهر، وطال الانتطار وتخطّت الساعة السادسة ثم السابعة والثامنة والتاسعة وكانت الجماهير تزداد في كل دقيقة تمرّ، ولم تعد الساحة تتسع للمحتفلين وعلت أغاني النصر الحماسية من، رشّوا الفلّ ويا جندي يا باني العزّ وتسلم يا عسكر لبنان.. ما خفّف على الحاضرين وطأة الانتظار. وقاربت الساعة الحادية عشرة والجماهير على أحرّ من الجمر للقاء الأبطال وإذا بالمذياع يعلن أن فوج المغاوير يصل في غضون دقائق.
أعلن خبر دنوّ من قاتلوا بلحمهم الحيّ مدة ثلاثة أشهر ونصف شهر فاندفع الحشد بنبض واحد واندفاع شامل نحو الأمام. هذا قبل أن يصل الأبطال، فما تراه يكون المشهد لحظة وصولهم، وكيف للآليات التابعة لهم أن تتقدّم في ظل وجود هذا الكم الهائل من المحتفين!
وأضيئت سماء المنطقة بالأسهم النارية التي حملت كل الألوان. واستمرت عشرات الأسهم التي كانت تطلق معاً بالارتفاع مدة لا يستهان بها وعلت الزغاريد واندلعت الهتافات: وصل أبطال لبنان، وصلت أسوده ونموره وصقوره الجارحة، هوذا عسكر لبنان ببذاته المرقطة الخضراء، خضرة جبال لبنان وشموخ أرزه وعبق ترابه وقدسيته. جباه سمراء وبيضاء رفعت بشارة النصر، وعيون محدّقة شرسة تمزّق كل عصيّ غادر آثم.
قابلتهم النساء برش الأرز والورود بينما انقض مَن سنحت لهم الفرصة على المغاوير يهنئونهم بالنصر.
كذلك صعد من استطاع على متن الشاحنات العسكرية (بمساعدة ورضا عناصر المغاوير طبعاً)، فالسلام والتهنئة عن بُعد لم يرويا الغليل. شاحنة تلو الأخرى توالت رافعة علم لبنان وشعار الجيش، معلّقة صور الشهداء الذين سقطوا في ساحة الواجب والذود عن شرف الوطن وعزّته. كل تمنى في قرارة نفسه لو أن هؤلاء بيننا يحتفلون بالنصر معنا، وأكثر من تمنى الأمر أمهات وزوجات الشهداء وأقرباؤهم... ولكن مجد الوطن وفرحة الانتصار وعودة رفاق أبنائهم منصورين ميمونين خفّفت وطأة الألم ولوعة الغياب على قلوبهم، وأطفأت النار المتأججة في أفئدتهم المتحسرة على رحيل أبنائهم. لبنان يستحق أكثر من أرواحنا.
بالدم فديناك وبأرواحنا لم نبخل عليك، كان لسان حالهم...
مع مرور كل شاحنة فرح يكبر، ونشوة المحتفين أغرقت العيون بدموع الفخر والاعتزاز. بعض عناصر المغاوير حمل أطفالاً ممن كانوا حاضرين، وكانت الهتافات تزداد وتعلو تباعاً.
لحظات تاريخية لا تنسى، انتظرها اللبنانيون بكل طوائفهم وانتماءاتهم، فكانت لهم ويا ليتها استمرت أبداً.

 

يا حبي الراجع أهلاً...
وتواصل مهرجان الفرح احتفالاً بعودة الأبطال في عين المريسة مروراً بالبيال وصولاً الى كورنيش المزرعة وخلدة.
الورد والأرز شلالات تمطر العسكريين، الألعاب النارية تضيء السماء، رقص و«هجومات حبية» على العسكريين وآلياتهم التي طوّقت بالغار والورود، و«هلّي عَ الريح»... «يا حبي الراجع أهلاً... صارت سمانا أحلى وجبال الـ عنّا أعلى».
أكثر من ثلاث عشرة ساعة دامت مسيرة عودة القطع المقاتلة من المخيم الى الثكنات. وعلى مدخل كل ثكنة كانت للناس مهرجانات الفرح احتفاءً بالأبطال... ففي عشقوت انتظر أهالي البلدة وأهالي البلدات المجاورة وصول الفوج المجوقل من الخامسة بعد الظهر حتى الأولى فجراً. في رومية أيضاً انتظر الناس ساعات وساعات وصول المغاوير، والأمر نفسه تكرر في كل منطقة فيها ثكنة للجيش أو مركز.
في إقليم الخروب احتفل المواطنون بانتصار الجيش اللبناني عبر إضاءة الشموع في شوارع بلدات الإقليم وقراه.
وكذلك فعل أهالي شحيم الذين أضاؤوا ورفعوا الأعلام اللبنانية هاتفين للمؤسسة العسكرية التي حمت لبنان وشعبه من الإرهاب والمجرمين، ولا سيما أن شحيم قدمت شهيدين في المواجهة.
وفي مزبود تجمع الأهالي في ساحة البلدة وأضاؤوا الشموع وسط أناشيد الجيش اللبناني.
وفي البرجين بلدة النقيب الشهيد حسام بو عرم امتزجت الفرحة بالحزن، فرحة الانتصار والحزن على فقدان الشهيد فأضاؤوا الشموع وقرأوا الفاتحة لأرواح شهداء الجيش. وفي داريا وعانوت وحصروت تجمّع الأهالي في الساحات هاتفين بأرواح شهداء الجيش.
وفي عاليه نظّمت «جمعية لبنان العطاء الخيرية» يوماً تضامنياً مع الجيش اللبناني وأقامت العديد من الحواجز في منطقة عاليه، بينها حاجز رئيس على الطريق الدولية، وزعت خلاله الأعلام اللبنانية وشعار الجيش على السيّارات والمارة.
وفي الحدت وكفرشيما، ارتفعت اللافتات المرحبة بعودة الجيش البطل، وتجمّع الأهالي على مدخل البلدتين حتى ساعة متأخرة من الليل رافعين الأعلام الوطنية هاتفين بإسم الجيش الذي حافظ على كرامة الوطن، وسط الأهازيج والأناشيد الوطنية.
وعمّت مظاهر الاحتفال بانتصار الجيش على الإرهاب في نهر البارد عدة مناطق في الجنوب.
ففي مدينة صيدا أضاءت المفرقعات والأسهم النارية سماء المنطقة، ورفعت مواكب سيارة الأعلام اللبنانية.
واحتفلت مدينة صور بالإنتصار حيث نظم موقع «الياصور» الالكتروني أمسية غنائية وطنية في ساحة الشهيد كمال جنبلاط، فرفعت الأعلام اللبنانية وصدحت الأناشيد والأغاني الوطنية المشيدة بالجيش وما حققه من انتصارات.
وتواصلت الاحتفالات في منطقة النبطية بالانتصار الذي حققه الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد على تنظيم «فتح الاسلام»، فارتفعت اللافتات التي هنأت الجيش والشعب بالانتصار وبالبطولة والتضحيات.
وأقام محافظ النبطية القاضي محمود المولى حاجز محبة أمام السرايا الحكومية في المدينة، ووزع عناصر من النادي الرياضي الاجتماعي على المارة العلم اللبناني وشعار الجيش، كما قدّمت الحلوى ونثرت الورود على جنود الجيش.
في باحة ثكنة رأس بعلبك التابعة للجيش اللبناني، أقيم احتفال حاشد لمناسبة انتصار الجيش على الإرهاب في مخيم نهر البارد، حضره فعاليات سياسية وروحية وعسكرية تقدمهم راعي أبرشية بعلبك الهرمل لطائفة الروم الكاثوليك المطران الياس رحال الذي ألقى كلمة نوّه فيها بتضحيات الجيش وتحدث قائد فوج التدخل الاول العميــــد محمد شبو في كلمة شكر فيها أهالي رأس بعلبك. كما حيّا نائب رئيس بلدية رأس بعلبك المهندس هشام العرجا الجيش اللبناني على صموده في وجه الإرهاب. وفي الختام، عزفت كشافة التربية الوطنية موسيقى وأناشيد وطنية للجيش اللبناني، وأقيم حفل كوكتيل في المناسبة.
وفي راشيا، استمرت أجواء الفرح مسيطرة على أجواء قرى المنطقة، فقد ارتفعت الأعلام اللبنانية ورايات الجيش على معظم سطوح وشرفات المنازل وفي المحال التجارية، وعلت اللافتات المؤيدة والداعمة للجيش اللبناني والمهنئة بهذا الانتصار الكبير الذي سطّره على الإرهاب المصدر الى لبنان، وللمناسبة أقيمت حواجز محبة قامت بتوزيع الحلويات وشعار الجيش اللبناني والورود على السيارات وعلى الجيش، كما أضيئت الشموع على مداخل بعض القرى وفوق سطوح المنازل، واستمرت المواكب السيّارة تجوب الطرقات الرئيسة والشوارع احتفالاً بالنصر في معظم قرى المنطقة.