قضايا إقليمية

فوز ترامب والمزاج الإسرائيلي
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

ما زال من المبكر الحكم بشكل قطعي بشأن تداعيات وصول الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، على المزاج الإسرائيلي عمومًا، وعلى العلاقة مع حكومة نتنياهو خصوصًا. مع ذلك يلاحظ، ترحيب الساسة والإعلاميين الإسرائيليين بترامب، وذلك بسبب تصريحاته ومواقفه التي أعلن فيها عزمه على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، أو تلك المتعلّقة بعدم اعتراضه على الاستيطان في الضفة الغربية. وهذا الترحيب الذي أفرط في التفاؤل دفع برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إلى الطلب من وزرائه التزام الصمت السياسي، والثقة بتفعيل القنوات الهادئة بين الجانبين وراء الكواليس، في موازاة ضرورة التزام الحذر وانتظار بلورة الإدارة الأميركية الجديدة لسياستها الخارجية عمليًا.


الحذر مطلوب
الحذر في نظر الساسة الإسرائيليين مطلوب لأسباب عديدة، منها أن ترامب قد جاء من خارج «الاستبلشمنت» أي إدارة أوباما والمؤسسات الحاكمة في واشنطن أولًا، ولأنّ رؤيته الاستراتيجية غير واضحة تمامًا ثانيًا، كما أنه لم يعتمد بشكل مباشر على دعم اللوبي الصهيوني ثالثًا. وبالتالي لا يمكن الحكم عليه من خلال تصريحاته أو تصريحات مساعديه أثناء الحملة الانتخابية، عدا عن كونه شخصًا شعبويًا وعنصريًا ومزاجيًا ومتقلبًا... ومن أجل ذلك فضّل اللوبي الصهيوني في أميركا التصويت بكثافة لكلينتون وليس له، لأنّها تتبنى سياسات منحازة إلى إسرائيل بشكل واضح.
لقد اختار ترامب خطابًا انتخابيًا شعبويًا يستثير مشاعر ملايين الأميركيين من أبناء الطبقة الوسطى والعمال وسكان الأرياف، الذين تراجع مستوى معيشتهم بسبب الأزمة الاقتصادية، التي ضربت الولايات المتحدة، والعالم، في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأسبق جورج بوش. لكن استهداف الخطاب الترامبي للمهاجرين غير الشرعيين من دول أميركا اللاتينية، وموقفه المعارض من سياسات باراك أوباما، الذي وصل إلى البيت الأبيض رغم حملات التشكيك بشهادة ميلاده الأميركية وبمعتقداته الدينية المسيحية، وكذلك دعوته لمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، كل ذلك جعل المرشح الجمهوري محل ترحيب وتأييد كبير من قبل مجموعات اليمين الأميركي العنصري المعادي لإدارة الرئيس «الأسود» وللمهاجرين «اللاتينو»، والأقليات الأخرى، التي تنامى دورها وحجمها على حساب الأكثرية من الأميركيين البيض. كما اختار ترامب لمواجهة منافسيه من المرشحين الجمهوريين خطابًا نقديًا ضد المؤسسة الحزبية، التي كانت تفضّل مرشحين آخرين لتمثيل الحزب في السباق الرئاسي. وهذا الخطاب يتّهم الطبقة السياسية الحاكمة في واشنطن بالفساد والانصياع لرغبة اللوبيات والبنوك ومجموعات المصالح الخاصة.
خاض ترامب المواجهة مع الجمهوريين تحت هذا الشعار، مستعينًا بالشارع وبالقواعد الشعبية المتشددة. وردّ على محاولات استبعاد ترشيحه من خلال أنظمة الحزب الانتخابية باعتبار أنّ هذه الأنظمة فاسدة، ويجب تغييرها وإدخال دماء جديدة لقيادة الحزب المتواطئة مع الشلة الحاكمة. وقد نجحت استراتيجية ترامب بتهديد القيادة الجمهورية باستخدام أنصاره في «الحرب الأهلية»، التي شهدها الحزب حول ترشيحه، وتمكن من إزاحة 16 منافسًا لينال ترشيح الحزب رسميًا. وخلال المعركة الانتخابية مع هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديومقراطي، استعان ترامب بالاستراتيجية نفسها ورفع شعار محاربة فساد «الاستبلشمنت»، معتبرًا أن كلينتون هي أحد أبرز رموز هذا الفساد، وحلقة الوصل بين مجموعات المصالح الدولية والمؤسسة السياسية الأميركية التقليدية.
ثمة في إسرائيل من يعتقد أن ترامب سوف يختلف عن كل الرؤساء الأميركيين الذين وعدوا، في سياق حملاتهم الانتخابية في السابق، بنقل السفارة ألاميركية من تل أبيب إلى القدس، ولكنهم عمليًا نكثوا وعودهم فور تولّيهم الرئاسة. وحتى لو عمل ترامب افتراضًا، على تحقيق وعوده لإسرائيل بخصوص نقل السفارة وتأييد الاستيطان «وقتل» حلّ الدولتين، فإن الكثير من الإسرائيليين يؤمنون بأن ذلك سيعني نهاية فكرة الدولة اليهودية التي ينادي بها الجميع اليوم، الأمر الذي سيعني، بالضرورة، العودة إلى حلّ الدولة الواحدة ثنائية القومية، في ظل انعدام فرص ديمومة الوضع القائم إلى الأبد.

 

آمال
اليمين المتطرف والمتحمس جدًا لفوز ترامب، لا يبالي بفكرة التزام الحذر مرحليًا ويصرّ على أن مشروع الاستيطان يجب أن يزدهر في عصر ترامب، وأن يحظى بالأولوية مهما تكن الظروف، وهو يطالب بالتالي بإطلاق عشرات المشاريع الاستيطانية المجمدة. فوزير النقل الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قال إنّ من واجب إسرائيل في هذه المرحلة العودة إلى الوضع الذي كان سائدًا قبل ثماني سنوات، أي قبل وصول الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى البيت الأبيض. ووفق كاتس، بات بالإمكان من الآن فصاعدًا البناء في القدس والمستوطنات (في الضفة)، في موازاة الإعراب عن الموافقة على المشاركة في مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين. وقال كاتس إن على الإدارة الأميركية (الجديدة) أن توضح للفلسطينيين ضرورة استئناف المفاوضات مع إسرائيل، والامتناع عن التعلق بآمال فرض حلّ سياسي من الخارج، أو من قبل مؤسسات الأمم المتحدة، وخاصة أن آمالًا كهذه تراجعت مع انتخاب ترامب رئيسًا لأميركا.
من جهة أخرى، قال رئيس «تجمع أرض إسرائيل» الداعم للاستيطان، عضو الكنيست يؤاف كيش، إن من المناسب أن نتحدث أقل عن حلّ الدولتين، وأكثر عن الاستيطان والسيادة الإسرائيلية. وأضاف: بات الوقت متاحًا أكثر للتخلي عن النماذج القديمة التي سادت هنا في العقود الأخيرة.
أما نائب وزير الخارجية الإسرائيلية، تسيبي حوطوبيلي، وهي واحدة من أبرز رموز التيار الديني اليميني المتشدد في حزب الليكود الرافض لحلّ الدولتين في حكومة نتنياهو، فقد أشارت إلى أن «المستوطنات كانت محل خلاف عميق بين إسرائيل والأميركيين (في ولاية أوباما)، أما الآن فلدينا رئيس قد فهم اللعبة فجأة، ونحن نفترض أنه سيكون مخلصًا لمواقفه التي أطلقها خلال الانتخابات الأميركية». كذلك، قال رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، آفي ديختر، إنه «مع وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، يجب إنهاء التجميد (في عمليات الاستيطان) واستئناف العمل والبناء في القدس وداخل مستوطنات الضفة».
وكانت حوطوبيلي، في مقابلة مع قناة أي 24 التي تبث من ميناء يافا وسط فلسطين المحتلة، قد أشارت إلى أن الرئيس الأميركي الجديد يرى منطقة الشرق الأوسط بعيون أخرى عمّن سبقوه من الرؤساء الأميركيين. وعلى هذه الخلفية كان الإسرائيليون متحمسين جدًا لانتخابه، وأعربت عن ثقتها بأنّ ترامب سيتناول العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين برؤية جديدة ومغايرة، ولن يفرض اتفاقًا على الجانبين، وهذا بالنسبة إلى إسرائيل «مشجع جدًا». إلاّ أن افتتاحية «هآرتس» حذّرت من أنّ «مصالح إسرائيل غير مرتبطة فقط بسياسة الولايات المتحدة أو برئيسها. فإسرائيل تقيم شبكة علاقات متفرعة وحيوية مع الاتحاد الاوروبي، ومع دول عربية، وعليها أن تعمل اساسًا من أجل جودة الحياة وجودة الديموقراطية في أراضيها. أما تعليق سلوكها الدولي والمثير للحفيظة بتسويغ يمنحه لها ترامب، فمن شأنه أن يعرّض للخطر الأساسات الجوهرية الثابتة لطبيعتها ولجوهرها». وحذرت الصحيفة من أن «السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ليس موضوعًا خاصًا للادارة الاميركية. ومساعي الرئيس باراك أوباما لتحقيق الحلّ السياسي جاءت من أجل إسرائيل أكثر بكثير مما جاءت من أجل المصلحة الأميركية. وقد صدت هذه المساعي وأفشلت لأسباب عديدة منها أن حكومة إسرائيل رأت فيها ضررًا، من شأنه أن يقوّض تحقّق الايديولوجيا المتطرفة، لحكومة نتنياهو أي إقامة إسرائيل اليهودية الكبرى».

 

...ونذير شؤم
من ناحية أخرى ثمة من بين الإسرائيليين من يرى في فرحة اليمين الصهيوني نذير شؤم، وهؤلاء يتمنون من أعماق قلوبهم أن لا يحقق ترامب وعوده هذه وأن يواصل السياسة التي انتهجها أسلافه. وهؤلاء يرون أن أميركا تجد نفسها حاليًا مضطرة للتركيز على وضعها الداخلي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، مما يعني مواصلة سياسة الانفتاح والعولمة والتماهي مع مصالح دول أخرى. وطبعًا يوجد بين هذه الدول، بعض الدول العربية ذات الوزن في مجال النفط والطاقة، التي يمكن لمعاداتها من قبل إدارة ترامب أن تجلب الضرر للاقتصاد الإسرائيلي. هذا فضلًا عن أن منطق الانسحاب من العالم والتمركز حول الذات الأميركية قد يجرّ عواقب وخيمة على إسرائيل، وعلى الدول الأوروبية، التي رأت في طروحات ترامب نوعًا من المعاداة ولم تتردد في التصدي لها والاعتراض عليها.