حديث القائد

في حديث الى «نهار الشباب»

العماد سليمان:أنا مضطر الى تأدية دور سياسي لأغطي تحركات الجيش

في حديث الى «نهار الشباب» (الصادر في 14 شباط المنصرم)، أجاب العماد ميشال سليمان عن كثير من الأسئلة المطروحة على الساحة في لبنان، متناولاً المرحلة الراهنة بأزماتها وصعوباتها وهواجسها شتى. وإذ أعاد قائد الجيش التأكيد مرة أخرى على ضرورة التوافق من أجل مصلحة الوطن، معتبراً أن «القنبلة الموقوتة ما زالت تتكتك»، ومطمئناً الى أن الجيش الذي يقوم بدوره بتكليف من المواطنين سيفعل ما يلزم لحفظ الاستقرار.
هنا نص الحوار الذي شاركت فيه الزميلة نايلة تويني مع مجموعة من «نهار الشباب».

 

القنبلة تحتاج الى تعطيل كامل
• قلت في وقت سابق «بين يدي قنبلة موقوتة»، ألا تحتاج القنبلة الى تعطيل قبل ان تنفجر بالكامل؟

- القنبلة موجودة ولم تنفجر إلا جزئياً اليوم. وهي تحتاج الى تعطيل كامل وليس الى مسكنات، ولا تحلّها إلاّ السياسة. من مهمة الدولة وضع سياسات معينة بين العائلات والعشائر لكي تتمكن من إدارة شؤونها.


• نبدأ من موقفكم الأخير وفيه ان «الجيش وقائده يستعجلان انتخاب رئيس توافقي، وهما مستعدان لمنحه الدعم الكامل لتأمين انتخابه وتثبيت الاستقرار وإعادة عجلة العمل السياسي(...) مما يعفي السلطة العسكرية من القيام بالدور السياسي». ماذا تعنون بذلك؟
- جاء الموقف إثر بعض النصائح التي دعت قائد الجيش الى رفض الرئاسة والتزام مكتبه من دون ان يتحدث الى أحد، ومفاد هذا الموقف أنّه لا يمكن لقائد الجيش ألاّ يحدّث أحداً لأنه لم يعد في لبنان من سياسة منذ ثلاث سنوات. وتحديداً عندما توجه قائد الجيش للتعزية بالرئيس رفيق الحريري مع وفد من القيادة، كانت الدولة برمتها في مكان آخر، وكان هناك انفصال بين الدولة والأجهزة. وأنا شعرت أنّ معي جيشًا يمثّل كلّ لبنان فكيف يُمكنه ألا يؤدّي مهمات. وذهابي الى هناك هو غطاء سياسي، وقس على ذلك كل التحركات التي أقوم بها، انا مضطر اليها الى حين إعادة تركيب الدولة. ونحن لا يهمنا، ليأت ايّ كان الى رأس الدولة لكننا نطلب التوافق لأن لبنان لا يحتمل المزيد من التجاذب السياسي.


• لكنك المرشح التوافقي الوحيد...
- المهم ان يكون هناك رئيس في لبنان لنعيد انتاج سلطات دستورية صحيحة من حكومة ومجلس نواب. هذا هو المقصد وليس أبعد من ذلك. وعندما أتكلّم انا لا أتكلّم للناس، بل للجيش بواسطة بريد الجيش ليكون كلامي مثل الفيتامين، كي لا يظنوا ان قائدهم متهافت على السياسة.


• ورد في إعلان تلفزيوني ان العماد سليمان «مرشح 14 آذار التوافقي»، هل انت محسوب على فريق 14 آذار؟
- أنتم أدرى. قيل انني مرشح المعارضة ثم مرشح سوريا السرّي، واستمر هذا الكلام حتى بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود. ثم أعلن ترشيحي من «قوى 14 آذار» ولا أعتقد ان هناك خلافاً حقيقياً على هذا الموضوع بين الفريقين. انا رددت على بعض الانتقادات الموجهة اليّ، والتي دعتني الى ترك السياسية لأكون عسكرياً، متناسين أنني مضطرّ الى أن أؤدّي دوراً سياسياً لأغطي تحرّكات الجيش، وهذا ما قلته: لا يمكن ان نقود جيشاً من دون سلطة سياسية، فوجدت نفسي مع قيادتي مضطراً الى تغطية تحركات الجيش وخطواته الكبيرة والتاريخية في هذه الظروف، واجتزنا أصعب محطات في تاريخ لبنان. ألا يحتاج كل ذلك الى غطاء سياسي وخطوط حامية مع هذا وذاك، معارض وموالٍ، وسوري وأجنبي وغير ذلك؟ وإلا فمن يغطينا؟

 

لبنان يجب أن يكون على صورة الجيش
• ولكن الانقسام حاد اليوم بين 14 و8 آذار، فما هي رسالتك؟

- هي رسالة الجيش اللبناني، الذي يجب ان يكون لبنان على صورته ويتصرف مثله. ولا يمكن للبنان ان يكون إلا هكذا وإلا فقد قيمته. نحن فخورون بجيشنا، يسألني مسؤولو الدول كيف حافظنا على الجيش ووحدته في هذه الظروف وبالرغم من الأحداث والسياسات المختلفة، والمحطات التاريخية التي عشناها من عودة الجيش الى الجنوب بعد 35 سنة والحلول محل الجيش السوري بعد 30 سنة والتظاهرات الكبرى الى حرب البارد والأمن. ألم يردّد كثيرون انه بعد رحيل الرئيس لحود سيختلف اللبنانيون في ما بينهم؟ هذا لم يحصل. نحن نقدم في الجيش نموذجاً كبيراً، واذا كان هناك من شخص انا او غيري قادراً على نقل هذا النموذج الى المجتمع والوطن فهذا امر جيد، وهو مطلوب، وإلا فلا قيمة للبنان.


• قلت مرة انه اذا حصلت إشكالات بين موالين ومعارضين في ظل الفراغ الذي تعيشه البلاد فإن الجيش سيبقى على الحياد...
- أبداً لم اقل ذلك. تحدثت عن الحياد الإيجابي عكس ما كان سائداً العام 1975 عندما عاد الجيش الى الثكنات. انا عشت مرحلة الـ75 وتعلمت منها وقلت انه لا يمكن للجيش ان يلزم الثكنات. هناك الحياد الإيجابي ويعني اننا لن نكون مع فريق ضد آخر ولا مع الحكومة ضد المعارضة، والجيش طبعاً يجب أن يقف مع الحكومة، لكننا سنكون مع المواطن في ظل الأوضاع السيئة. وهذا ما قلته لديفيد ولش منذ تسعة اشهر وأثار تعجّبه. ودورنا هو حفظ الأمن بتكليف من الناس. مهمتنا هي حق للمواطن وتكليف وطني، ولا يقولنّ احد ان علينا إعلان حالة الطوارئ، سنفعل ما علينا فعله.


• منذ خمسة اشهر تقريباً، اعتبرت ان ما يحصل من حوادث هو استنزاف للجيش وإنهاك له. أليس الوضع اليوم أسوأ؟
- نعم هي انهاك للجيش، وهذه هي القنبلة الموقوتة التي تحدثت عنها. استهلاك الجيش بطول المدة والكثرة والتكرار يؤدي الى انهاك العناصر. فهؤلاء اناس ويتعبون ويحتاجون الى التدريب والى الراحة واعادة التنظيم وان يتعلموا القانون والانضباط، لكنهم في المقابل موجودون في الشارع منذ ثلاث سنوات. من قبل كان هناك 50 الى 60 في المئة من الجيش على الارض والعناصر الأخرون احتياط، وهذا لم يعد ممكناً اليوم، بحيث ننقل عسكرياً من مكان الى آخر، ومن الدلفة لتحت المرزاب. والجنود يتعبون لأن المهمات التي كلفنا به متعدّدة وكثيرة.


• ألم تدع السياسيين الى الهدوء في هذه الحالة وشرحت لهم الوضع؟
- بلى، ولمست منهم تجاوباً ولكن الأرض تتفلت منهم أحياناً وهناك انقسام سياسي حاد ينعكس على الناس.


• ماذا قال لك الأمين العام لجامعة الدول العربية في زيارته الأخيرة؟
- كان يحاول تقريب وجهات النظر وتوفير اتفاق على تركيبة الحكومة واستمزج رأيي. فقلت له ان لا مانع لدي في شيء اذا اتفق الفريقان، لانني لست ساعياً الى حصة، بل الى مصالحة الفريقين، ولدي طروحات في هذا المجال. ولتكون هناك مصالحة، يجب اما إعطاء الرئيس أدوات تمكّنه من تنفيذ سياسته، والا ليتصالحوا هم ويتفقوا على نقاط، ولا فرق لدي لأن الأهم هو ان نصل الى انتخاب ومن بعد ذلك تبدأ العملية الديموقراطية.


• قيل ان الرئيس العتيد حضر فريقه الوزاري وعدّته...
- أبداً، لأن هم الجيش عندي أكبر بكثير من اي هم آخر. ثم كيف أعدُّ الفريق اذا لم أعرف عدد الوزراء ولا الطوائف ولا الحقائب ولا حجم الوزارة. يعني تحضير الاسماء «تجليطة».


• من هو رئيس حكومتك الاولى؟
- هناك استشارات نيابية ودستور لا نتخطاه، ولا يحق لي تسمية الرئيس خارج هذا الإطار.

 

أعمل بالسياسة لكي أغطي الجيش
• فريقا النزاع اتفقا على اسمك رئيساً للجمهورية. فهل تصدق فعلاً أنّ الأزمة هي مجرد خلاف على وزير بالزائد ووزير بالناقص، أم أن الفريقين يناوران؟

- في رأيي هناك جو كبير من انعدام الثقة بين الطرفين. وكان كل همي منذ ثلاث سنوات الى اليوم ترميم هذه الثقة الى حد ما لكي أحافظ على وحدة الجيش. الجو رهيب. وانا ليس لدي وظيفة سياسية، بل أعمل بالسياسة فقط لكي أغطي الجيش، وجهدي منصرف للجيش.


• لكن جنرال، هناك من يقول ان العهد المقبل هو عهدك، وأي حكومة ستأتي ستكون محسوبة عليك خصوصاً أنها حكومة العهد الاولى...
- ليس عهدي بل هو عهد الناس، وعندما يكون الرئيس توافقياً يصبح العهد ملكاً للجميع وليس مميزاً، ليس عهد اليمين او اليسار. واذا كانوا فعلاً يسعون الى التوافق عليهم القبول بالتوافق والتخطيط للمصالحة. وقد قلت لهم: إما ان تكون للرئيس الوسائل في العدد الوزاري لإرساء المصالحة او يتفق الأطراف بعضهم مع بعض.


• هل يعني ذلك انك مع حصول المعارضة على ثلث عدد الوزراء؟
- لا رأي لدي. اذا اتفقوا هم بين بعضهم على الموضوع فلا مشكلة عندي.


• هل لمستَ تراجعاً لدى المعارضة عن دعم ترشيحك؟
- كلا.


• ماذا عن كلام الوزير السابق سليمان فرنجية الأخير؟
- ضرب الحبيب زبيب.


• البعض يرى فيك حبة الدواء المُرّة للموالاة والمعارضة في مسألة علاج الأزمة؟
- الدواء مر دائماً. والإناء ينضح بما فيه. انا لدي أسلوبي في العمل السياسي والعسكري والوطني. فإذا جاء مراً نكون فشلنا واذا حلواً عال.


• زرتَ العديد من الأطراف السياسيين قبيل إعلان ترشحك. فهل أعطيت ضمانات لأي من الفريقين في ما خص قانون الانتخاب مثلاً ليقبل بك؟
- لمَ يطلبون مني وهم يعلنون على الشاشات وفي وسائل الاعلام انهم يريدون الانتخاب على أساس القضاء؟ انا لا أرى خلافاً أساسياً بين الطرفين على الأمور الكبيرة. وللتوضيح، عندما زرت بعض الاطراف السياسيين لم أكن في وارد الترشح بل على العكس كان الامل مفقوداً من تعديل الدستور، وقد أُبلغت هذا الأمر. وعندما أجريت الزيارات كنت أخشى مسألتين: الأمن أي الخلل الامني والتظاهرات، والانتخاب بالنصف زائداً واحداً. لم أكن أعمل في السياسة ولا كنت في وارد الترشح. وعاد الكلام عن تعديل الدستور بعد يومين على انتهاء عهد الرئيس لحود، وكنت انتهيت من جولتي التي تناولتها وسائل الاعلام خلافاً لرغبتي. وهناك كثيرون لم أزرهم بعد، وكان العديد منهم زارني في زيارات عديدة معلنة وغير معلنة في القيادة وخارجها. وانا لا أزور أحداً عادة، ولكن في تلك الفترة كنت اخشى انفلات الوضع وكان الكل في صورة انه إذا رحل الرئيس سيتفلت الشارع. وأنا لدي عسكر في الشارع. فقلت في نفسي سألعب ورقتي مع كل الاطراف.


• في حال استمرار الازمة هل تقبل بانتخابك بالنصف زائداً واحداً؟
- «ما حدا ماشي بالنصف زائداً واحداً».


• لكن خلال جولتك على المسؤولين حذّرت من الانتخاب بالنصف زائداً واحداً؟
- انا قلت ان الجيش في تلك الفترة لا يحتمل الانتخاب بالنصف زائداً واحداً.

 

الوطن مستهدف
• هل الجيش كان مستهدفاً؟ وكيف أثّرت حوادث مار مخايل على الجيش؟

- لا أعتقد ان الجيش مستهدف. ولكنني أعرف انه كلما نزل الناس الى الشارع وأنزل الجيش قبالتهم لا بد ان يحصل شيء ما في يوم ما، إما عن طريق الخطأ من الجيش او من رعونته او من رعونة المتظاهرين او أي طرف ثالث. والمشكلة تبدأ بكلمة. حصل الحادث وكنت أنبّه اليه قبل ايام ونبهت اليه كثيراً من قبل. اعتقد ان الوطن مستهدف وليس الجيش. الأخير مستهدف بوحدته، وقد استهدفته اسرائيل عندما ضربته في تموز 2006. فهل تصدّق اسرائيل فعلاً ان الجيش أعطى «حزب الله» إحداثيّات الصواريخ؟ الا تعرف انه لا يمكن اعطاء معلومات برادار الا اذا كانت الرادارات مرتبطة ببعضها؟ لقد ضربت الجيش لكي تقسمه لتعيد مشهد العام 1975 اذ كان هناك من يريد دخول الحرب ومن يرفض ذلك، وشاع كلام عن ان قوة لبنان في ضعفه مقابل كلام آخر عن ان قوة لبنان في قوته. انقسم اللبنانيون بين مؤيد للفلسطيني المسلم وآخر للكتائبي المسيحي. وها هي اسرائيل تكرر حالياً الامثولة نفسها. فضربت الجيش في ظل الانقسام اللبناني بعد اغتيال الرئيس الحريري وخروج الجيش السوري لكي يبدأ الخلاف في صفوف الجيش على موضوع المقاومة وينفرط عقد الجيش، وتصبح الدولة دولة فاشلة أو دولة متلاشية. وهذا ما قاله غسان تويني في تموز 2006، وفي العرف الدولي يصبح لبنان تحت وصاية المجتمع الدولي وفي التطبيق يختلف الناس. أمّا أول متضرّر بعد الدولة فهي المقاومة التي تخسر عندها حجة الدفاع عن القضية.


• كيف يمكن لجيش دولة إرساء علاقة مع تنظيم مسلح يتهم بأنه خارج على الدولة ويعتبره البعض دولة داخل الدولة؟
- العلاقة محدّدة في البيان الوزاري، وموضوع السلاح يناقش في طاولات الحوار ومع استكمال التحرير.


• كيف ستتعامل مع السلاح اذا اصبحت رئيساً للجمهورية، هل سيكون هناك سلاح غير سلاح الجيش؟
- أتعامل معه كما تقتضي مصلحة الوطن، وهذا شأن سياسي يقرّر في البيان الوزاري وفي الحوارات التي تمهِّد لهذا العمل. وكانت هناك طاولة حوار قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال.


• لكن الحوار فشل.
- فشل ولكنه سيعود. ومن الضروري ان يعود الحوار وهو يمهد للمصالحة.


• في حوادث مار مخايل تحدث البعض عن مؤامرة لإدخال الجيش في المشكلة لأهداف سياسية، والبعض الآخر رأى ان الجيش وضع في مواجهة فريق سياسي أي المعارضة؟
- الى اليوم لم تشر التحقيقات الى صحّة هذا الكلام، علماً انها اصبحت في مرحلة متقدّمة، بل أشارت الى حادث أمني.


• في موضوع مقتل المسؤول في حركة «أمل» كان هناك ادعاء على مجهول. من يمكن ان يكون هذا المجهول؟
- ربما يكون قتل من طريق الخطأ. ولم يظهر الى الآن ان هناك طرفاً ثالثاً او طابوراً خامساً.


• هل كان المدنيون مسلحين؟
- كلا، لم يظهر ذلك في التحقيق بعد. على الأقل لم يكن هناك مسلحون على مرأى من العسكر والتحقيقات ستكشف اذا كان هناك سلاح بعيداً عن انظارهم.

 

المساءلة «مرجلة» في هذا الوقت
• للمرة الاولى نرى تحقيقاً يجريه الجيش علناً وينشر نتائجه في العلن. فهل هذه خطوة لاستيعاب شارع المعارضة؟
- هل تذكرون أحداث 7 آب؟ لم يكن هناك من قتلى ولا جرحى. حتى المحامي زياد أسود لم ينل تقريراً طبياً. وبالرغم من ذلك اجريت تحقيقاً وفرضت عقوبات وكان ذلك موضوع انتقاد لي من قبل السلطة في تلك الفترة. لكنني قلت انه يجب ان تكون هناك مساءلة، فأجريت تحقيقاً داخل السلطة وأخذت تدابير في حق المسؤولين عن الارتكابات، على الرغم من ان هناك أطرافاً عديدة متورطة في الموضوع. وأوقف العسكريون الذين أخطأوا. انا أؤيد المساءلة وهذه «مرجلة» في هذا الوقت، وفي تلك الفترة لم يكن القرار عندي وحدي. انا لا أتّخذ قراراً وحدي بل لدي فريق عمل يصنع القرار. وفي هذا الجو المشحون سياسياً حيث كل طرف يتهم الطرف الآخر، فإن الطريق الافضل هو اللجوء الى الحق. فليعرف من اخطأ. الصدق ينجي، وينقذ الوطن.


• ألا تخشى ان يؤثر ذلك على معنويات الجيش؟
- التوقيف ربما يؤثّر، لكننا نداوي. ونقول للجيش انه مصدر فخر جديد لأنه يقرّ بالخطأ ويتحمّل المسؤولية. وليتفضّل السياسيون بدورهم ويقرّوا بأخطائهم. نحن مستعدون ان نحاسب، لأن من يضحي بدمه يقبل الإقرار بالخطأ في تطبيق التعليمات.


• هل تعتبر ان هناك من حاول جرّ الجيش من داخل المؤسسة او ان هناك خطأ في التقدير؟
- ليس خطأ في التقدير، الحادثة حصلت من دون تخطيط، كما ان التظاهرة حصلت فجأة، وهي كانت في الواقع تحتاج الى ترخيص، لكي يتسنى للقوى العسكرية التحضير في الشكل والرسالة والموقف والقرار. وعندما تحصل التظاهرة فجأة فإنها تخلق أموراً غير متوقعة. كلا ليس هناك من مؤامرة، ولا أحد يحاول «تزحيط» الجيش لغاية الآن. واذا ظهر العكس، فهذا يحدّده القضاء وأنا لا أتدخّل في شؤونه. والتحقيقات لم تنته بعد.


• ماذا عن مسألة نقل الألوية من موقع الى آخر؟
- هذا تدبير روتيني. فاللواء الخامس كان في البارد منذ وقت طويل، وكان يجب نقله لمصلحة الجميع ولتنظيمه وإعادة ترتيب أموره بعدما سقط في صفوفه عدد كبير من الشهداء والجرحى، ولمصلحة إراحة الجو في المخيم الفلسطيني. استغرق الأمر وقتاً، ولم تنته الاحداث. فنقلناه الى بقعة قريبة من مركزه الاساسي في صربا. اطلاق النار على المتظاهرين ليس غاية، هو خطأ وشاذ. ممنوع علينا اطلاق النار على العزل. الحادث يقع والعسكري إنسان يخاف ويتعب.


• ما رأيك في مسألة انتشار السلاح بين الناس واطلاق النار ابتهاجاً؟ من المسؤول؟
- هذه مسؤولية وزارة الداخلية اساساً ولكننا كلنا مسؤولون. في لبنان سلاح ولا احد يعرف اذا كان مرخصاً ام لا. الترخيص ليس وحده المشلكة. لا ننسى ان هناك مخيمات فلسطينية مسلحة منذ اتفاق القاهرة والسلاح منتشر فيها بكثرة. طبعاً هناك مقاومة لكن المقاومة تضبط سلاحها بعكس ما يحصل في مخيمات اللاجئين. والموضوع يحتاج الى معالجة كاملة والى توعية وطنية كي لا يطلق المواطن النار في المناسبات.

 

لا حرب
• هل تخشى من عودة الحرب؟

- كلا، اطمئن الشباب الى ان لا حرب، ولكن هذا لا يعني اننا لن نشهد حوادث أمنية. ولكن يمكننا تجنّب الحوادث التي لا طعم لها.


• الى اين وصل التحقيق في اغتيال العميد فرنسوا الحاج؟
- التحقيقات مستمرة. ولدينا صور ولم نصل بعد الى نتائج.


• مجلة «الانتقاد» التابعة لـ«حزب الله» نسبت الى خبير امني فرنسي ان اغتيال الرائد وسام عيد يمكن ان يكون خرقاً داخلياً من مؤسسة قوى الأمن. هل من خرق في الجيش ادى الى اغتيال العميد الحاج؟
- لا اعتقد ان هناك خرقاً في مؤسسة قوى الامن الداخلي، والرد على السؤال من اختصاصهم هم، ويجب ان يوجه اليهم. ولكن أؤكد ان لا خرق لدينا على الاطلاق في الجيش.


• ما ردك على كلام الوزير السابق سليمان فرنجية الذي تحدث ان من الذين يعرفون ان العميد الحاج مرشح لتولي منصب قيادة الجيش هم انت والوزير الياس المر ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع؟
- أنا لم أقل اي كلام عن الموضوع، لكن الناس كانوا يشعرون ان العميد الحاج سيصبح قائداً للجيش. وبعد اغتياله صار الكل يعرف، وفوجئت في ما بعد ان عائلة العميد الحاج كانت تعرف انه سيصبح قائداً للجيش ولم أكن قد أبلغته بذلك. وانا لم اقل شيئاً لأنني لم أعتقد أصلاً انني سأصير رئيساً للجمهورية. ثم هذه الامور لا تحكى عن الاشخاص مسبقاً، لأنك اذا سميته للمنصب ولم يكن لك اليد الطولى في ذلك سيأتي من يسمي غيره.


• قيل انه بعد اغتيال الحاج صار هناك فراغ في المؤسسة ولذلك زاد التمسَك بك في موقعك كقائد للجيش؟
- أنا اعرف اللواء الحاج ضابطاً كفوءاً وناجحاً ويعمل بأمر كامل من قيادته، وقد ترك فراغاً كبيراً، ولكن ليس من طبيعة المؤسسات أن تتعطّل بوفاة شخص فيها، ونجاحها يكون في المحافظة على نجاحات أفرادها أيضاً. وهذا ما يحصل.


• هل ان دوره في حرب البارد سبب في اغتياله؟
- ربما.


• أين صار شاكر العبسي؟
- لا أعرف، هرب.
 
من دون حصانة سياسية سيخترق الارهاب الدولة
• هل تنظيم «القاعدة» موجود في لبنان؟

- نعم «القاعدة» موجودة والارهاب موجود ولا يظنن احد ان الارهاب انتهى. فالارهاب لا ينتهي في مكان واحد بل يتلاشى بعد ان يصاب بالضعف. والدول التي تحصن نفسها سياسياً وامنياً تخفف من اضراره. ومن دون هذه الحصانة سياسياً سيخترق الارهاب الدولة. ونحن غير محصنين سياسياً منذ ثلاث سنوات. وهذا لا يكتمل من دون سلم اهلي. فرجل الأمن لا يمكنه ان يجترح العجائب. يجب في الاساس ان تكون هناك سلطة واحدة تدير الامور.


• ماذا عن دعم الجيش؟
- دعم الجيش أمر كبير وتوضع له برامج. منذ أكثر من 15 سنة لا نسلح الجيش وفجأة نقرِّر الأمر، علينا ان نبدأ من البابوج للطربوش، يعني تدريب وتطويع العسكري واستقدام السلاح والتدرّب عليه، وكلها أمور تحتاج وقتاً، والأهمّ من كلّ ذلك أنّه «لا يحكّ جلدك كما ظفرك»، فمهما أعطينا من مساعدات وأسلحة للجيش فهذا يسدّ جزءاً وحاجة معينة، ولكن علينا نحن أن نضع خطة لتسليح جيش على شكل هبات ونعمل لها، قد تمتدّ على 5 سنوات أو 10 أو حتى أكثر، ولكن أن نستمرّ في «الشحادة» فنضع لائحة تبضّع ونرسلها الى الدول ونستعطي، فهذا لن ينجح.


• هل المسؤولية سياسيّة؟
- طبعاً. طالبنا بذلك عدة مرات ورفعنا لوائح بالمطالب والمستلزمات ولكن أخذوها ليسوّقوها عند الدول بمعنى ماذا ستعطوننا، هذا جيد ولكن ليس كافياً.


• كانت هناك شكوى دائمة من موازنة الجيش، هل السبب ماليّ أم إنّه عدم الرغبة في تسليح الجيش؟
- الاثنان معاً ولكن هذا مفهوم خطأ، حالياً عملية إعادة إعمار مخيم نهر البارد تكلّف أكثر من تسليح الجيش. سابقاً كانت تحكم مقولة «قوّة لبنان بضعفه» وبعدها مع سقوط هذه المقولة ومع وجود الجيش السوري، كانوا يقولون إنّ الجيش السوري يُساعد الجيش اللبناني، اليوم ذهب الجيش السوري فمن يساعد الجيش اللبناني. كانوا يقولون لنستغن عن الطائرات هناك الطائرات السورية، ونستغني عن الصواريخ هناك صواريخ الجيش السوري. حسناً ولكن ماذا نفعل الآن؟

 

العقيدة القتالية والعلاقة مع سوريا
• تقول إن مقولة «قوة لبنان في ضعفه» سقطت، هل يمكن أن تُستعاد مجدّداً مع وصولك الى الرئاسة؟

- معقول؟؟! هل أكون خوري ولا أؤمن بالقداس. على العكس، من كانوا يرفعون هذا الشعار أسقطوه.


• في المرحلة الاخيرة طالب بعض القوى السياسية بتغيير العقيدة القتالية للجيش، التي ترى سوريا بلداً شقيقاً واسرائيل عدوًّا، في حين ان السلطة السياسيّة اللبنانية تجاهر بعدائها لسوريا، فما هو موقفكم؟
- هل هناك من يقول هذا الكلام من القوى السياسيّة؟


• «القوات اللبنانية» تحدثت عن تغيير العقيدة القتالية، فيما قال رئيس هيئتها التنفيذية «البحر من أمامكم والعدو من ورائكم» كذلك النائب وليد جنبلاط والنائب سعد الحريري؟
- العقيدة تخضع لإرادة وطنية جامعة، ليس في إمكان أي كان أن يغيّرها، هذا أمر يخضع لإرادة الشعب اللبناني وهو من يملي إرادته في هذا الأمر.


• في حال وصولكم الى سدة الرئاسة كيف ستكون العلاقة مع سوريا؟
- جيدة. يجب ان تعاد العلاقة الى طبيعتها، وان تكون اكثر من جيدة. يجب ان تكون ممتازة. ولا احد يقول غير ذلك. للبنان دور وحرام الاّ يستعمله. ودوره ناتج من تركيبته، التي تشكّل احياناً نقمة، ونعمة في حال عرفنا إدارتها. من أفضل منّا يشهد لتعايش الثقافات والحضارات؟ عندما تزورني البعثات الأجنبية أفخر بنفسي أمامهم، على الرغم من اننا جيش ضعيف، وهم يتعجّبون ويسألون أسئلة نشعر أنّها بدائية عن التعامل في الجيش.


• الجميع يشعر بالخوف. اللبنانيون يبحثون عن الهرب بالهجرة وترك البلد، ما هو مشروعكم في حال وصلتم للرئاسة؟
- المشاريع كثيرة، هناك حكومة تقترحها وتدرسها. لا شكّ للرئيس خطه وتوجيهاته وحضوره. ما استطيع ان أعد به هو أن أنقل التجربة الناجحة في مؤسسة الجيش الى الوطن، واعتقد انّها ستكون انطلاقة جيدة لتحقيق الكثير.

 

الجيش ليس بعيداً عن الديموقراطية
• ألا تخشى من تكرار تجربة فشل العسكريّين في الحكم؟

- لا أريد ان أقوّم تجربة الآخرين، أنجحوا أم فشلوا، ولكن مكوّنات الجيش، وممارسة القيادة في الجيوش المعاصرة، لا تبتعد ابداً عن الديموقراطية، بل العكس فالجيوش التي تشبهنا والتي ينجح قائدها في ادارة مختلف انواع الناس ومختلف ميولهم السياسية، هو أقرب بكثير الى الديموقراطية. وما حصل معنا منذ ثلاث سنوات حتى الآن هو الديموقراطية في عينها، لأنها تحتاج الى عدالة ومساواة وحرية تفكير وإرضاء طموحات الشباب في الجيش. فهؤلاء اذا لم يكونوا مقتنعين بأن طموحاتهم وطموحات عائلاتهم وبيئتهم ومذهبهم وخلفيتهم السياسية متوافرة في الجيش لا يبقون بعضهم مع بعض كلّ هذه الفترة. ألم يقل منذ لحظة استشهاد الرئيس الحريري ان الجيش سينقسم، ثم عندما انسحب الجيش السوري ألم يقولوا ان الجيش سينقسم وكذلك خلال العدوان الاسرائيلي في تموز 2006، او عندما أُرسل الجيش الى الجنوب، او خلال معارك مخيم نهر البارد، او في 23 و25 كانون الثاني العام الماضي؟ كل اسبوعين يقولون ان الجيش سينقسم وقد برهن الجيش بأنّ قيادته من خلال ممارستها في قيادة العسكريين، من خلال المبادئ الإنسانية، انه الأقرب الى الديموقراطية. فالعسكري الصحيح أقرب الى الديموقراطية، لانّ الذاهب الى الموت في سبيل وطنه هو الذي يتجاوب مع القيم الإنسانية المعروفة في العالم وحقوق الإنسان والحريات ورفع الظلم.


• هل ستحمل هذا الفكر معك الى رئاسة الجمهورية؟
- أنا أمارس هذا. وطبعاً في حال نجح أحد في أمر ما لا يتخلّى عنه.


• هل سترضى بأن تكون في حال وصولك للرئاسة مجرد مدير للأزمة؟
- انا لا أرى الرئاسة حالياً، جهدي منصب بالكامل على قيادة المؤسسة العسكرية. هذا الجيش الذي حافظنا عليه في السنوات الثلاث الماضية بأفضل ما يمكن. هناك تجربة اكتسبناها، انا والقيادة التي أعمل معها، وصرنا نعرف ما الذي يفيد وما الذي يضر، وعندما يعرف الشخص الخطأ يقوم بالصح.


• ما موقفك من المحكمة الدولية، هل تؤيدها؟
- طبعاً، لأنه لا سلطة لأحد على أرواح الناس.


• هل ستعملون في حال وصلتم الى الرئاسة على استرداد الجنود والضباط اللبنانيين الذين اختطفوا في 13 تشرين العام 1990؟
- كل المواضيع المطروحة ليست سراً على أحد، هناك الكثير من المواضيع والمشاريع والأفكار الموجودة على الطاولة. من ينجح في إنجاز 30 في المئة منها «كتّر خيره». كل هذه المواضيع ستطرح وهي في حاجة الى متابعة وصدق وإخلاص ولكن اي قضية ستنجز فهذا بحث آخر.


• هل عندك معلومات عن هذا الملف؟
- في الحقيقة لا.


• ما الذي سمعته من الرئيس السوري في اتصالك الأخير معه؟
- كلام جيد ودعم.


• هل دعم ترشيحك للرئاسة؟
- نعم. انا لم أتكلم معه في السياسة، ولكن هو تحدث عن دعم وأكثر. هناك اتصالات دائمة بين الجيشين السوري واللبناني وبيني وبين قيادة الجيش السوري.

 

لا وقت للخوف
• هل تخاف على نفسك؟

- (يضحك) ليس عندي الوقت لأخاف. يخاف المرء عندما يرتاح كثيراً ويصبح يريد «شم الهوا» يخاف أكثر. أنا في عملي أذهب في المساء الى بيتي وهو على مقربة من وزارة الدفاع، ولا أفكر في هذا الخطر. لكن هذا لا يمنع ان الأذى موجود ومحتمل، بقصد التخريب وليس بقصد شخصي. أنا رئيس مؤسسة وقد تكون هناك صعوبة في الوقت الحالي الاتفاق على غيره، ممّا يعني ان قتله قد يؤدي الى بلبلة. قتلوا اللواء فرنسوا الحاج وقد يقتلوني فيما لو استطاعوا. ولكن صراحة لا أعيش هاجس الخوف لكثرة انشغالاتي وقلة خروجي.


• هل تأثرت تحرّكات الضباط الآخرين من بعد اغتيال اللواء الحاج؟
- ابداً. سعى البعض للقول إن الضباط انزووا في بيوتهم بعد اغتيال اللواء الحاج. وهذا كلام غير صحيح اطلاقاً. بدلاً من أن نحمي الجيش، نتناقل الأخبار غير الصحيحة التي تضعف معنويات العسكريين. على الإطلاق لم يتغير شيء.


• هل سيستمر الوضع على هذه الحال، بتنا نشعر وكأننا في العراق؟
- يبدو انه كانت هناك رغبة عند البعض ليصبح لبنان كالعراق. هناك نماذج ولكن لم يتحوّل لبنان عراقاً وان شاء الله ننجح في ترميم وضعنا. البداية تبدأ بالتوافق، وهذا لا يعني إلغاء الموالاة والمعارضة وانما بإنتاج سلطات دستورية معترف بها، اي ان يكون المرء معارضاً ولكن يعترف بالآخر أو أن يكون موالياً ويعترف بالآخر، ولا يجوز منطق التخوين.


• كيف تنظرون الى هذه الحالة؟
- مزرية جداً وتؤثر على معنويات الشباب. عليهم ان يجردوا الكلام الذي يسمعونه من أي مصلحة شخصية لأي طرف، ويفكّروا في الأساس والمنطلقات. المشكلة اننا نبني خطأ على خطأ. ننجح في المؤسسة العسكرية بإبعاد العسكريين عن هذا الجو. أجمعُ الضباط وأُعمّم محاضر خطية تصل الى كل عسكري لنبتعد من هذا الجو. ليتنا كنا نستطيع أن نوجّه الشباب، هذا الأمر يحتاج الى تربية وعمل في الوزارات والإعلام.


• ولكن بالنتيجة العسكريون هم شباب. وهذا الشاب هو ابن بيئته ويتأثّر بطوائفه ومناطقه، الى أيّ مدى هناك صعوبة في استيعابه بالمؤسسة العسكرية؟
- عندما يدخل الشاب الى الجيش ويخضع للتنشئة الوطنية، يجده سهلاً ويقتنع بأفكارنا، وعندما يبدأ بالخروج الى بيته ويعود يبدو متأثراً بالعاطفة. هذا يبكي وآخر يصرخ وهذا يقول تعاملوا مع اسرائيل، وآخر يقول هؤلاء عملاء لسوريا، وآخر يقول هؤلاء عملاء لأميركا فيتأثر. نحن نعتمد التوعية ولدينا برنامج توعية دائمة لنسحب العسكري من الأفكار والمفاهيم الخاطئة. وأقول إننا نجحنا. قد لا يكون النجاح بنسبة 100 بالمئة، فهناك من يشكّك، وإنّما المحصلة على الأقلّ نمنعه ان يقوم بأداء نتيجة ما يسمع ويبقى في أدائه وطنياً.


• هل كنت مع إلغاء خدمة العلم او ما كان يسمّى تداولاً التجنيد الاجباري؟
- كنت أسمّيها تجنيد طوعي للوطن ارتضاها الشباب من خلال نوابهم الذين قرروا خدمة العلم، لأنه ليس هناك قانون إلاّ من خلال النواب. انا معه للحاجة وللتوعية الوطنية. اعتقد الآن انهم اذا سئلوا لقالوا ايجابيات كبيرة نتجت من خدمة العلم. جدّدنا خدمات البعض منهم (حوالى 15 الفاً). يجب ان نعيد خدمة العلم بطريقة معينة قد تكون اختيارية في مقابل راتب او بشكل تنشئة للآخرين.


الجيش والحالة الوطنية
• هناك احترام عند المواطنين وقبول للجيش على عكس مؤسسات أمنية اخرى ليس عليها إجماع من اللبنانيين، لماذا؟

- تمثّل الجيوش دائماً حالة وطنية وهذا ليس اختراعي. الرئيس جورج بوش قال بعد 11 ايلول 2001 «الجيش هو ضمانة الحرية». الجنرال ديغول كان يقول ايضاً إنه في دولة كثرت فيها العصبيات والتطرف، ليس هناك من خلاص الا الروح العسكرية. في الجيش هناك روح عسكرية لا أعلم كم هي موجودة في الاجهزة الأخرى، التي ينحصر عملها في ضابطة عدلية وشرطة. الجيش أمر آخر وهو تنشئة مختلفة عن قوى الأمن كي لا نظلمها.


• هل يخطر لك أحياناً ان أفضل حكم للبنان هو الحكم العسكري؟
- أنا لا أقتنع بالحكم العسكري ابداً، ولا تظنوا ان الحكم المدني أهون من الحكم العسكري. أقرب الناس الى الحرب هم المدنيّون، وهذا في عرف الأميركيين أيضاً الذين يتحدثون عن هيمنة السلطة السياسية على السلطة العسكرية ويدرّسونها في مدارسهم. الأميركيون يعلمون نظرية هيمنة السلطة السياسية على السلطة العسكرية وهذا ما أريده وما سعيت إليه، وانا في حاجة الى تغطية سياسية. ولكن أيضاً يقول الاميركيون ان من يشعلون الحرب هم المدنيون وليس العسكر، لأن العسكري يدرك معنى الحرب والقتلى والمآسي والويلات وانتم ترون في لبنان وفهمكم كفاية. نحن نهدئ ونطفىء وهم يشعلون.


• في الدول المتقدمة هناك ربط بين مؤسسة الجيش والجامعات، هل هذه من الأفكار الواردة عندكم؟

- صحيح، مئة في المئة. هناك أمران أساسيّان في الوطن: الجامعة والجيش. نحن نقيم علاقات مع الجامعات في كل المجالات، ويجب ان تتفعل عندما تتوحّد الجامعة جيداً ويتوحد الجيش اكثر، لتصبح مثمرة اكثر. الأمر يتطلب خطة واسعة، ويجب ان يكون في الوزارات برامج تنشئة على غرار تلك الموجودة في الجيش سواء في وزارة التربية او الخارجية وإنما بأسلوب خاص.


• أزمتنا وليدة صراعات اقليمية ودولية، وكتب جبران تويني في «النهار العربي والدولي» يقول إن الحياد الإيجابي هو الحل للبنان في محيطه وضمان للجيش، هل توافق على ذلك؟
- هذه فكرة من الأفكار الجيدة المطروحة، ولكن كل أمر لا يحوز وفاق اللبنانيين يجب ان نستبعده، الأمر يطرح للإرادة الوطنية اذا كان عليه اجماع يمشي. نحن في بلد صعب، وهو بلد مميز وفخورون بمكوناته ونريد ان نحافظ عليها ولا نريد إبعاد اي من مكوّناته. وعلينا أن نبقى ملتزمين محيطنا العربي وقضاياه أكثر من غيره.


• على الرغم من الاتفاق على القضاء لتقسيم الدوائر الانتخابية هناك اختلاف على التفاصيل بالنسبة الى القضاء بين الأطراف، ما هو موقفكم؟
- هناك اتفاق على تصغير الدوائر الانتخابية وهذا مطلب أساسي وافق عليه الجميع. التفاصيل تدرس في المؤسسات المختصّة، وكلّهم قالوا بالقضاء.

 

معنويات الجيش تأتي من المواطن
• بعد حوادث مار مخايل، هناك تخوف من ألا يستطيع الجيش أن يلعب مجدداً دوره بحرية؟

- كلا الجيش يضبط الامن من دون أن يطلق النار. معنويات الجيش تأتي من المواطن والتكليف المعطى له من الناس. الدور الذي يلعبه هو تكليف وطني وليس لأي جهة. نأمل أن ننجح في المستقبل في ضبط الوضع من دون إطلاق نار وتكون العبرة للجيش وللناس.


• لماذا استعملتم الرصاص مباشرة على المواطنين، بوجود أساليب أخرى كالتفريق بالمياه أو الرصاص المطاط او الغاز المسيل للدموع؟
- لم يكن هناك تحضير للموضوع، عادة يستدعى الدفاع المدني. لو عرفنا قبلاً لكنا تجهّزنا للأمر، القتل لم يكن متعمداً، وانما بقصد إبعاد الناس وتفريقهم عن أماكن اعتبرت خطرة.


• الى أي مدى هناك تنسيق بين الجيش وقوى الأمن؟
- تنسيق كبير، كانوا عندنا منذ قليل في اجتماع، دائماً في الأوضاع الحسّاسة يزوروننا ونوزّع نحن المهمات.


• في البيان الأخير للرئيس إميل لحود لدى مغادرته قصر بعبدا، تحدّث عن ظروف تستدعي حالة طوارئ، لم تحصل والظروف الحالية أكثر صعوبة. هل من الممكن كقائد جيش أن تعلن حالة الطوارئ؟
- كل ما يحتاجه البلد سنقوم به. لو قمنا بإعلان الطوارئ في 14 شباط يعني ممنوع التجمع. في 25 كانون الثاني قمنا بمنع التجوال، وهو أمر غير قانوني، ولكن قمنا به لأن المصلحة تقتضي ذلك.


• بيان الرئيس لحود كان ملتبساً تحدث عن ظروف ولكن لم يدعُ الى حالة طوارئ.
- كان بياناً ذكياً وليس ملتبساً لأنه ضمن القانون والدستور، الرئيس لحود قال قبل يوم خلال زيارتنا له بأنه لن يخالف الدستور.

 

الوطن لا يبنى بإرادة خارجية
• في حال عدم الوصول الى انتخاب رئيس، يتحدث البعض عن تدخّل لمجلس الأمن والتدويل، ما هو موقفكم من الموضوع؟

- ان شاء الله لن يحصل ويجب ان نعمل لعدم حصوله، وقلتُها في بيان أخير، لا يبنى الوطن بإرادة خارجية، هذا عيش مشترك يعني طوائف متعدّدة راغبة في ان تعيش مع بعضها. أصلاً  الدول العادية تتضرّر من التدويل فكيف نحن؟


• فيما لو طال الفراغ، ولم ننجح في انتخاب رئيس قبل الانتخابات النيابية المقبلة (2009) الى أيّ مدى الجيش يستطيع ان يتحمّل؟
- الوضع لا يحتمل، يجب أن نحلّها لا تزال القنبلة الموقوتة «تتكتك».


• من هو خبير المتفجرات؟
- لا أعرف ولكني مستعدّ لدعمه.


• كيف هي علاقتك بالعماد ميشال عون؟
- جيدة جداً.


• ألم تستثنه من الزيارات خلال جولتك على السياسيّين؟
- ابداً على العكس. لم أزر أي أحد قدر زياراتي للعماد عون، حتى رئيس الجمهورية لم أزره قدر زيارتي للعماد عون.


• هل يدعمك للوصول الى الرئاسة؟
- يقول ذلك.


• سمير جعجع؟
 - جيدة ولكن ليس هناك علاقة مستمرة.


• سليمان فرنجية؟
- كتير منيحة.


• حسن نصرالله ؟
- كثير منيحة وقد تكون الأفضل.


• نبيه بري؟
- جيدة وهو رئيس مجلس نواب.


• سعد الحريري؟
- جيدة جداً.


• البطريرك صفير؟
- أيضاً. ولكن هذا لا يعني أنّني اذا كنت جيداً معهم يأتون بي رئيساً للجمهورية. قد يكون هذا الأمر نقطة ضعف.


• هل من الممكن أن نصحو في 26 ويكون هناك رئيس للجمهورية؟
 - حتى الآن أقول لا. الجو لا يزال سلبياً.


• ما الذي سيتغيّر؟
- في حال اتفقوا على البند الثاني المتعلق بالحكومة. ولكن حتى الآن لا يبدو ان هناك اتفاقاً.


• هل اطّلعت على بيان حكومة الظلّ الشبابيّة؟ وهل ستأخذون منه للبيان الحكومي؟
- نعم.

 

على الشباب أن يتفلتوا من الاصطفافات المذهبية الضيقة
• ما هي رسالتك لشباب لبنان؟

- يجب ان يساهموا في الحياة اللبنانية السياسية والاقتصادية والإدارية.
يجب ان يخرجوا من الاصطفافات. ونحن باستثناء النشاط الذي نراه في «نهار الشباب» وهو ليس شعبياً حتى اليوم، لا نرى نشاطات شبابيّة مستقلّة عن الاصطفافات. الوضع الطائفي في لبنان يشكّل عائقاً أمام الشباب. نرى الشباب اللبناني في الخارج أصحاب دور في الاقتصاد وفي كل المجالات، فيما نحن في الداخل غير قادرين على حل أمورنا، ونُحضر أناساً من الخارج حتى يحلّوا أزماتنا. أين شبابنا الذين هم رواد في الخارج، وأعرف الكثيرين ويتّصلون بي، وهم أصحاب قرار حيث هم في الخارج. لا أريد أن أقول إنهم لم يعرفوا كيف يأخذون دورهم في لبنان. قد يكونون في حاجة الى من يشجعهم والى خطة.
ففي غياب الشباب نفتقد الجرأة والتجدّد. القائد الجيّد عندما يكبر يحوّط نفسه بالضباط الصغار في السن، لأنه يجد فيهم الثورة والجرأة والتمرّد والحرية.


• بماذا تعدنا كشباب؟
- أن يكون لكم دور في الحياة السياسية شرط ان تتفلتوا من الاصطفافات السياسية والمذهبية الضيقة.


• ماذا تقول للإعلاميّين؟
- الإعلام خطير، وكل من لديه منبر إعلامي مسؤول أكثر من غيره، لأن كلمة قد تقتل وأخرى قد تُحيي، في البدء كانت الكلمة. القادر على إسماع كلمته مسؤول أكثر من غيره، فاذا قلتُ كلمة مفسدة سأفسد كثيراً من الناس أو العكس. وهنا تبرز مسؤولية رجل الدين الكبير او السياسي الذي يملك منبراً.
أنتم أصحاب كلمة وهي مسؤولية وليس فقط سياسة وارتهان وإرضاء لخط المؤسسة او السياسي، الكلمة الشجاعة يجب أن تكون دائماً كلمة حق.

 

على السياسيين ألاّ يخوّفوا الشعب...
فالوطن شراكة
• ما هي رسالتك للسياسيين؟

- ألا يخوفوا الشعب وليتفقوا على الوطن ويبنوا وطناً. هذا وطن بلا سقف يجب أن نبني وطناً ونتفق. والوطن شراكة، هناك مسؤولية كبيرة. لم ينتخب الشعب مسؤوليه حتى يتباعدوا ويختلفوا. الشباب لم يثوروا بعد. يجب ان يقولوا «لا» للزعماء. ليس معكم حق. علينا ألا نبرر للزعيم أفعاله مهما كانت على خلفية «يأكلها السبع ولا يأكلها الضبع» وهذه الأحاديث. عندما يخطئ الزعيم يجب أن يُجبه.


• هل تؤمن بالمجتمع المدني؟
- برأيكم لماذا التفّ الشعب حول الجيش لو لم يلمس أنّنا معه وعلاقتنا به أكثر من جيدة، وأتحدّى أي جيش في العالم يملك علاقة طيبة مع المواطنين كما في لبنان. في أوروبا وأميركا يدرّسون ما يسمى «الجيش الأمة»، نحن نمارس النظرية في شكل ممتاز ولو اننا لا نعلمها. المجتمع المدني هو الأساس، ويغطي تقصير الدولة عندما يحصل. ربحنا في البارد لوجود الناس الى جانبنا. وأيضاً التفاف الناس أدخلنا الى الجنوب.