العوافي يا وطن

في معاني الشرف ومن يستحقه
إعداد: د. إلهام نصر تابت

تفيدنا معاجم اللغة بأنّ كلمة شرف تشير إلى الموضع العالي الذي يُشرف على ما حوله. ويُعد شريفًا من كان معظّمًا بين قومه، ذا مكانة ونسب، نبيلًا، خلوقًا، أبيًا، فاضلًا، نظيف الكف. ولئن كان لقب الشرف يُكتسب من النسب أحيانًا، فإنّ استحقاقه لا يكون إلا لمن ينتهجون في حياتهم مبادئ تنبع من معاني الشرف، ويلتزمون القيم التي يمثلها. فكم من شريف نسب وضيع النفس، وكم من متواضعي نسب شرّفوا قومهم وبلادهم...

يأتي هذا الكلام من وقفة تأمل في معاني الجندية الحقة، وفي كيفية تجسيد جيشنا للشرف بوصفه الكلمة الأولى في شعاره، والقيمة التي تتربى في أحضانها التضحية، ويزهر في شمسها الوفاء. 

يعيش العسكريون أكثر من سواهم تحت وطأة الضغوط المتأتية من قسوة الحياة الجندية بحد ذاتها، ومن الأزمة التي تعيشها البلاد. مع ذلك يظلون ثابتين في موقع المشرف على أحوال الوطن وشجونه، مدركين لحجم مسؤوليتهم حيالها، مبادرين إلى ما هو أكثر ما يتطلبه الواجب.

على الحدود وفي أعالي الجرود، لا ينال من هممهم صقيع أو حر، ولا تؤخرهم عن الواجب قسوة الطبيعة بصخرها ووعرها وتضاريسها. 

حيث تزدهر مواسم السياحة والمهرجانات، نراهم مدججين بعرقهم وتعبهم، ليوفروا الأمن والطمأنينة، وليهنأ الفرحون بفرحهم. هكذا ينتشرون في المدن والقرى، في السواحل والجبال، وينشرون الأمان.

حيث تقسو الظروف على المواطنين، نراهم ساعدًا قويًا ويدًا ممدودة للعون، أيًا كان نوع المساعدة المطلوبة. خدمات طبية، وأخرى زراعية، شق طرقات، إنارة، مساعدات، واللائحة تطول وتطول.

وحيث ينشط تجار الموت والمجرمون، نراهم يقتحمون أوكار الخطر ملتزمين شرفهم العسكري الذي يدعوهم إلى المخاطرة بدمائهم حفاظًا على الأبرياء، هذا ما حصل في أماكن عديدة، وتواريخ مختلفة. فلا يكاد يبرد دم شهيد، حتى يرتفع آخر إلى المصاف نفسه، نتيجة مواجهات مع تجار المخدرات ومصنيعها.

أبعد من حفظ الأمن وتقديم الخدمات، ينطلق جيشنا في ميادين جديدة، حافظًا للتراث الوطني، عاملًا على حماية المباني الأثرية، وقد بات له في هذا المجال باع طويل ومكانة عالمية نتيجة الجهد والخبرة والسعي إلى اكتساب المزيد من المهارات. وغير بعيد عن هذا المجال يأتي العمل على مستوى البيئة والحد من مخاطر التلوّث عبر مبادرات كثيرة، وقد تقدم خطوة كبيرة مع وضع حجر الأساس لمركز معالجة النفايات الطبية في اللواء اللوجستي.

في ما سبق ذكره وفي ما لم يُذكر وهو كثير كثير، يذهب عسكريونا إلى أبعد من الواجب، إنّهم في صميم الشرف الذي اعتنقوه مذهبًا، واختاروه طريقًا، ويا له من طريق صعب خصوصًا في الظروف التي نعيشها!

إنّه الطريق الصعب الذي لا يستطيع سلوكه سوى الشرفاء العزيزي النفس، النظيفي الكف، والمتمتعين بنعمة الإباء في زمن الفساد، والخنوع، والطمع.

بوركتم يا من ارتقت مكانتكم إلى أعلى مراتب التقدير والاحترام ، إلى الشرف، لا بفضل الحسب والنسب، وإنما بفعل الإباء والعزة والدم المراق والتعب والالتزام.

بورك العرق المتساقط من جبين أصغركم، وبورك الغبار الذي يعتلي نعالكم أيها الشرفاء.

بكم يليق الشرف بأعلى مراتبه. ولكم يُقال كل يوم، بل كل لحظة: العوافي.

العوافي يا جيشنا.

العوافي ياوطن.