طفولة وتربية

للصغار أيضاً همومهم الكبيرة
إعداد: رويدا السمرا

 مع عودتهم الى مقاعد الدراسة
الضغط النفسي ليس حكراً على الكبار. فالإجهاد الذي يتعرّض له الولد في المدرسة قد يكون كبيراً كما في أي مؤسسة عمل. فهناك المنافسة مع الزملاء وضرورة تحصيل علامات جيدة... الخ.
 ويمكن أن يبدأ الولد بالتعرّض للضغط النفسي منذ سنواته الأولى في الحضانة، كما هي الحال بالنسبة لبعض الأولاد الذين يدخلون المدرسة في سن مبكرة، إذ يكون نضوجهم غير كاف للعيش والتأقلم مع المجموعة، أو التعرّف على وجوه جديدة. ويتعرض الطالب، خلال العام الدراسي بكامله، الى الكثير من المواقف الضاغطة نفسياً، لكن الأهل لا يتنبهون دائماً لهذا الأمر. فكيف نتصرف مع أولادنا حتى نساعدهم على الاحتفاظ بهدوئهم وإحساسهم بالإطمئنان؟

 

هاجس العلامات
 تطـول وتـتنوّع لائحـة المواقـف التي يتعرّض فيها الطالب لضغوطات نفسية في المدرسة. ونبدأ بدفتر العلامات المفصّل، الذي يعطي للأهل من صفوف الحضانة، معلومات كثيرة عن وضع ولدهم في المدرسة، لكنه قد يشكّل في الوقت ذاته مصدر ضغط نفسي كبير. ويقول أحد المختصين في هذا المجال: تصبح العلامات المدرسية موضوع الاحاديث اليومية في العائلة، وتبدو الاجتماعات العائلية بين الأخوة والأخوات، مناسبة "للتنافس".
 ومن الضغـوطات المدرسية الأخرى، هناك أيضاً مرحلة الإنتقال الى صف أعلى في مطلع كل عام دراسي، حيث يكون الطالب غير عارف بما ينتظره: هل سيتواجد مع زملاء صفه القديم، أو مع آخرين جدد؟ هل ستكون المعلمة الجديدة لطيفة أم قاسية؟ كل هذه التسـاؤلات تجـعل الطـالب متـوتراً وغـير مطمئن. وهـناك بالإضافة الى ذلك، المسابقات والعلامات التي تنتج عنها. فهي تشـكل أيضاً مصدر ضغط نفسي، سواء كانت علامات جيدة أم سيئة. فالحفاظ على ترتيب جيد بين الزملاء، أو الإضطرار الى مواجهة الأهل والمعلمين والأصحاب بعلامات سيئة طول الوقت، هي من الأمور التي تسبب التوتر عند الطالب. ولا ننسى بعض المواقف التي تبدو تافهة، إلا أنها تجعل الطالب يعيش حالة من القلق: إلقاء قصيدة شعرية، أو تقديم شرح للنص، أمام كل الزملاء في الصف، وأيضاً التعرّض للتوبيخ من قبل مدير المدرسة أو الناظر المسؤول. وهناك خاصة عامل العنف الذي كثيراً ما يواجه بعض الأولاد في مدرستهم. وقد يكون العنف كلامياً مثل الاستهزاء والشتائم، أو جسدياً كالضرب وغيره.

 

 الأولاد المرهفو الحس
 إذا كان الأولاد يتعرضون للضغط النفسي من حين لآخر في حياتهم المدرسية، فالبعض منهم غالباً ما يتأثر أكثر من غيره. ويتعلق الأمر خاصة، بالأولاد من النوع الخجول والإنطوائي، إذ يكون هؤلاء حساسين تجاه رأي الأساتذة والأهل وغالباً ما يفتقرون الى الثقة بهم. ويتفاعل عادة الولد الحساس مع قلقه النفسي هذا، بردّات فعل جسدية، مثل الأرق وأوجاع الرأس والقلب، والتعب المتواصل والحركات العصبية، أو ردّات فعل سلوكية، مثل الصعـوبة في التركيز أو الحفظ، عدم الاحساس بالنشاط، التراخي والتقلب في المزاج...

 

 النجاح... مهما كلّف الأمر
 لطالما كان التوتر أو الضغط النفسي موجوداً، وهو طبيعي في بعض الحالات، حتى أنه يكون مُثمراً أحياناً. فمن الطبيعي مثلاً، أن يتوتر الطالب قبل الامتحان، ومن شأن ذلك أن يحثه على التفوّق على ذاته وقدراته، للتوصل الى تحقيق هدفه. لكن الضغط النفسي عند الجيل الصاعد اليوم، أصبح كبيراً. فهناك الأيام الحافلة بالدرس المكثّف والعمل المتواصل، والساعات الدراسية، التي تمتد أحياناً على حساب الحصص الرياضية. ويؤثر شعور الأهل بضرورة نجاح ولدهم في المدرسة، على نفسية الولد بشكل غير مباشر. فهم يميلون أحياناً، الى نسيان شخصية إبنهم الجوهرية، والتركيز فقط على العلامات التي يحصلها في الصف. ولا ننسى أيضاً، حُكم المجتمع، الذي يغيّر نظرته الى الفرد، بحسب مستوى تعليمه وشهاداته.

 

المدرسة... والمدرسة فقط
لا يجوز أن يسيطر الضغط النفسي على حياة الطفل، فيمنعه من النجاح بتجريده من إمكاناته وقدراته. فمن شأن ذلك أن يجعل من الطالب، شخصية سلبية عندما يصبح في سن المراهقة، ومن بعدها رجلاً بالغاً دائم القلق والتوتر. من هنا، أهمية التخلص بسرعة من هذه العوارض النفسية. لذلك يجب أن يخفف الأهل من إعطاء الأولوية لنتائج ولدهم المدرسية، وتقييم المزايا الأخرى الموجودة في شخصيته، مثل حسن تدبيره، وذكائه وعلاقاته الاجتماعية إلخ... وإذا كان الأولاد بحاجة الى مساعدة تقنية ومعنوية، لإنجاز عملهم، فمن المهم أن تتم الواجبات المدرسية التي تُعطى الى المنزل، في جو من الاسترخاء والهدوء بعيداً عن كل ضغط أو توتر. ويفيد من جهة ثانية، أن نتحدث مع أولادنا، عن حالة القلق التي يعيشونها، اذ يساعد ذلك في التخفيف من المشكلة ويسمح بالتنفيس عن الضغط النفسي الذي يواجهونه. كذلك لا بد من الانتباه الى نظام الحياة الذي يتبعه الولد: غذاء صحي متوازن، قسط وافر من النوم، القيام ببعض النشاطات الرياضية المرغوبة وأيضاً ممارسة تمارين الاسترخاء مثل التنفس بعمق والتدليك، والترفيه عن النفس عند القراءة، بسماع بعض أنواع الموسيقى الهادئة. وفي النهاية، يجب أن يُبقي الأهل والمعلمون في ذهنهم أن المدرسة يجب أن تكون مكاناً لتحصيل العلم بسرور وفرح.