لوحة الحدود

لوحة الحدود
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

تعتبر الحدود الدولية ظاهرة بشرية حديثة نسبياً، ولم تكن الحاجة تدعو إلى تخطيط الحدود مع مطلع التاريخ البشري إلا، اللهم، إقامة الأسوار القوية العالية بقصد الحماية وليس تحديد مناطق النفوذ. ثم تطّور الانسان واخذ يترك مناطق محايدة بينه وبين جيرانه عرفت بالتخوم وأقيمت في بعض الأحيان دول حاجزة صغيرة كمانع للصدام بين دولتين كبيرتين.

ومن الأسباب المهمة لإقامة الحدود، الدفاع عن الدولة وتوفير الأمن للشعب وحماية الإنتاج الاقتصادي بفرض الضرائب الجمركية، وتنظيم التبادل الاقتصادي ومراقبة انتقال الأفراد الأجانب وتنظيمه.

وحده الكيان الصهيوني شذّ عن كل ما سبق. فهو الدولة الوحيدة في العالم التي لا حدود محدّدة لها، وعلى الرغم من ذلك قبلت عضواً في الأمم المتحدة.

 ولكن، وفي واقع الحال، بنيت الحدود بين وطن عريق متجذّر في التاريخ هو لبنان، ودولة عدوّة طارئة، هي إسرائيل، بنيت على الأطماع والمؤامرات، ونشأت على الاحتلال والتوسع، بحيث أقدمت على فعل كل شيء، إلاّ على رسم خريطتها والدلالة إلى حدودها، فكلّ ما يجاورها هو في حساب قادتها تابع لها، ويشكل مدى حيوياً لكيانها، وإلى أن تحصل عليه، وتضمن ابتلاعه واستيعابه، لا تنفكّ تعدّ العدّة لاحتلاله، وتتقدّم نحو أرضه، وتستغل مياهه، وتتوغّل في أجوائه. وفي مقابل ذلك تشكو وتتظلّم وتستمطر القرارات الدولية المنحازة إليها، وإذا ما أتت تلك القرارات على غير قياس مصالحها،  فإنها تحاول أن ترمي بها في البحر الميت.

 

بالمقابل، تقوم لجان عسكرية لبنانية متخصصة منذ وقت غير قصير، بضبط الحدود ورسمها وتوثيقها، معتمدة على الشرائع والأصول الوطنية والدولية، ومستندة إلى الحق والعِلم، والتاريخ والجغرافيا، والى محبة التراب الوطني، المغروسة في النفوس، والتي تشير بشكل واضح إلى كل حبة تراب، وإلى كل حصاة، وكل نبتة تطلب النّور والحياة في بلاد الأرز.

 

ولكننا بكل ذلك لا نحدّد حدود العدو، بل نرسم حدودنا، مع المطالبة باستعادة ما هو محتل من أرضنا، ونشحذ الهمم في الوقت نفسه للمحافظة عليها والدفاع عنها، إيماناً بقدسيتها واقتناعاً بغناها وجمالها. أما حدود العدو بالنسبة إلينا، فهي ألاّ يعتدي علينا، ولا ينتهك حرمة أجوائنا، ولا يتطاول على أي موجة في مياهنا. وحدوده هي ألا يستمر في السعي لمد شبكات العمالة والتجسس في ديارنا، وأن يعترف بحق العودة للأشقاء الفلسطينيين المقيمين عندنا لاجئين منذ سنين، فالحدود الحقيقية الكاملة تكون في الخارج وفي الداخل على السواء، إنها ليست خطوطاً وهمية لمضمون مضطرب تجتاحه الريح ساعة تشاء، وتمنع عنه الهدوء والاستقرار، من هنا فنحن نرسم خريطة حدودنا كاملة، وما يتم تحديده في الجنوب يعني المواطن في الشمال أيضاً، كما أنّ أي قطعة أرض صغيرة تمرّ بها اللجان تعني مالكها المقيم بشكل مباشر، وتهم أي مواطن آخر بشكل غير مباشر، فمجموع الخطوط يشكل لوحة شاملة هي لوحة الوطن، والوطن هو لجميع مواطنيه.