تحقيق عسكري

مديرية الهندسة: مخزن الطاقات والقدرات وورشة لا تهدأ
إعداد: ندين البلعة خيرالله

مديرية الهندسة بهيكليّتها المتكاملة التي تضمّ عدّة مصالح ومشاغل هي قطعة مستقلّة تابعة لقيادة الجيش - أركان الجيش للتجهيز. هذه المديريّة تقوم على العلم ومواكبة التطور في مختلف الاختصاصات الهندسية المدنية والميكانيكية والكهربائية. مهمّاتها الواسعة التي تشمل التخطيط والتنفيذ والصيانة والمراقبة... تجعل منها مخزنًا للطاقات والقدرات، وورشة لا تهدأ تتوزّع خدماتها على كل القطع وكل العسكريين.


العلم وحماية البيئة
يصف مدير الهندسة العميد الركن فؤاد القسّيس المديرية بأنها وحدة عِلم وإنتاج، لا يمكن أن ينتسب إليها سوى ذوي الاختصاصات المحدّدة والشهادات ذات الصلة، نظرًا لطبيعة العمل الذي تضطلع به. ويشدّد على أن النظافة والحفاظ على البيئة هما هاجس هذه المديريّة، التي ترتكز مشاريعها على أسس بيئيّة سليمة تكفل الحفاظ على النظافة وعلى الموارد الطبيعية، وتعتمد مشاريع صديقة للبيئة أبرزها تلك التي ترتكز على توفير الطاقة. حرم المديريّة ومبانيها يعكسان هذا التوجّه بوضوح، حيث الأحواض والأشجار والنظافة والترتيب.
أنشئت مديرية الهندسة بتاريخ 15 أيار 1977 وتركّزت في مبنى بيضا- عين الرمانة، ثم انتقلت في 20 كانون الثاني 1982 إلى ثكنة كفرشيما، واستقلّت نهائيًا في مبنى خاص في ثكنة يوسف الأسطا- كفرشيما في الأول من تشرين الثاني 1999.
شعار المديرية مستوحًى من أقسامها وطبيعة عملها: فالشعلة ترمز إلى العِلم والمعرفة ومواكبة التطوّر، والسيف هو رمز الحزم والمناقبية العسكرية والانضباط. البرج يرمز إلى مهمّة إقامة المنشآت، والدولاب المسنّن هو رمز الهندسة الميكانيكيّة، والبرق رمز الهندسة الكهربائية.

 

مهمّات بحجم المؤسسة
بتكليف من قيادة الجيش- أركان الجيش للتجهيز تتولّى مديرية الهندسة إعداد الدراسات ووضع دفاتر الشروط الخاصة بالورش قبل تلزيمها، كما تتولّى مراقبتها وتسليمها إلى المستفيدين. يُضاف إلى ذلك مهمات أساسية أبرزها تنظيم المواصفات الفنيّة للعتاد الداخل في قيود الجيش، واستلامه وتسليمه وخزنه وإدارته وصيانته، واستدراك حاجات المؤسسة السنوية منه. وهذه المهمّة تتضمّن الكشف على المكيّفات ومساعفتها، تركيب الشبكات الكهربائية ومساعفتها، ومساعفة الآليات الهندسية في الجيش والآليات العائدة للمديريات التابعة لأركان الجيش للتجهيز.
كما تقوم المديرية بمراقبة فواتير العدّادات الكهربائية العائدة لمؤسسات وزارة الدفاع الوطني وتصفيتها، وتسهر على العقارات الموضوعة بتصرّف الجيش من الناحية الفنيّة، وتقوم بتحقيق وتنفيذ أشغال بالفاتورة تتعدّى قيمتها السنوية مليارَي ليرة لبنانية، إلى جانب مهمّات روتينية أخرى.

 

هيكليّة تواكب التطوّر
«الهندسة اختصاص علمي يتطوّر باستمرار وبشكلٍ سريع»، لذلك فإن المديرية وفق ما يفيدنا العميد الركن القسّيس، «هي بصدد إعداد دراسة واسعة حول كيفيّة تطوير هيكليّتها مع الأخذ بعين الاعتبار التقنيات الحديثة وحاجات الجيش الملحّة، بهدف التوسّع ضمن الإمكانات المتاحة.»
تتألّف المديرية من قسمَين، إداري وتقني، بالإضافة إلى قسم التأليل. وتندرج ضمن هذه الأقسام أربع مصالح هي: مصلحة الدروس، مصلحة عتاد الهندسة، مصلحة المشاغل ومصلحة الممتلكات. وفي إطار عمل المديرية على تطوير هذه المشاغل استحدثت مشغلاً لتعبئة المطافئ، وتتمّ دراسة إمكان تطوير مشغل آخر للآليات الهندسية الثقيلة، ومشغل ميكانيك لهذه الآليات. كما برزت حاجة ملحّة إلى إنشاء قسم البحث والتطوير وهو القسم المعني باقتراح المشاريع والخطوات الملائمة لتوسّع المديرية من حيث عدد المهندسين والفنّيين ومختلف الحاجات والاختصاصات التي تُعنى بها.
يتمّ أيضًا العمل على تطوير المواصفات الفنيّة للعتاد الهندسي الذي تحققه المديريّة، وذلك من خلال التزام المعايير التي تحدّدها مدرسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (Libnor- Lebanese Standards Institution) التابعة لوزارة العمل. وتسعى المديريّة إلى إدخال معايير جديدة تأخذ بعين الاعتبار صحّة اليد العاملة في المشاغل وسلامتها، كما تقوم بوضع مخطّط لاستغلال المساحات التابعة لحرم المديرية ومبانيها مع التزام معايير الترتيب والنظافة.
وفي ما يتعلّق بالمشاريع الحديثة، التي تندرج ضمن السياسة التطويريّة لمواكبة التكنولوجيا والعصر، تعمل المديرية على إدراج مصادر توفير الطاقة في كل التصميمات والمباني الجديدة، وتحديثها في المباني القديمة التابعة للمؤسسة العسكرية. بالإضافة إلى دراسة إمكان تنفيذ مشاريع «المباني الخضراء» (Green buildings)، بحيث يتابع ضباط من المديرية دورات ودروسًا معمّقة في هذه المجالات العلمية المتطوّرة.
 

مصلحة الدروس: مكتب هندسي عسكري
بداية جولتنا في أرجاء المديريّة كانت لقاءً مع رئيس مصلحة الدروس العقيد المهندس جورج الجمل، الذي يصف هذه المصلحة بأنها ورشة لا تنتهي. فهي شبيهة بأي مكتب دراسات هندسية وتُعنى بعدّة مهمّات تندرج تحت عنوانَين: إعداد دفاتر الشروط الفنيّة لمصلحة الأبنية والمنشآت العسكرية التي تنوي القيادة تلزيمها أو إنشاءها، وإعداد الدراسات. وتتفصّل هذه المهمّات كالآتي:
?دراسات هندسية وكشوفات لمختلف قطع الجيش ووحداته، وتنظيم الملفّات والدراسات الفنيّة التي تُكلَّف بها مديرية الهندسة بالتنسيق مع المصالح المختصّة.
?مسك وتجديد دفاتر الشروط الفنية العامة والبطاقات التقنية للمواد.
?إعداد المخططات التوجيهية لثكنات الجيش، وإعداد الخرائط الإنشائية والمعمارية والميكانيكية والكهربائية للمشاريع التي تُكلَّف بها المديريّة.
?الإشراف التقني على الدراسات والمخطّطات التي قد تكلّف بها مكاتب الدراسة الخاصة.
ودفتر الشروط الفني هو الدراسة الهندسية التي يعدّها المهندسون، يضمّ جداول بكميات الأشغال، والمواصفات الفنية والخرائط الهندسية، وتتداخل في إعداده مختلف الاختصاصات الهندسية من الهندسة المعمارية إلى المدنية والميكانيكية والكهربائية، بالإضافة إلى التأليل وشبكات أجهزة المراقبة. يُطلب دفتر الشروط بموجب اقتراح من المستفيد أو من قيادة الجيش أو من المديرية على أثر كشف. يلي ذلك إعداد دراسات أولية للحصول على موافقة المستفيد، ومن ثم تصديق القيادة، قبل أن تقوم المديرية العامة للإدارة بتلزيم الأشغال إلى متعهّد. يستمرّ التنسيق بين مديرية الهندسة والمديرية العامة للإدارة حتى ما بعد التلزيم، إذ تؤدّي الهندسة دورًا استشاريًا وتدقّق بالخرائط التنفيذيّة التي يضعها المتعهّد، كما تهتمّ بالنشرات الفنية للمعدات والتجهيزات المَنوي تركيبها، وبالتالي فهي تؤدّي دور المراقب الفنّي لهذه الأشغال بعد تلزيمها.
تقوم مصلحة الدروس بإعداد ما بين 24 و 30 دفتر شروط في السنة وتُقدَّر قيمة الأشغال بما بين 40 و 45 مليون دولار. هنا يُشار إلى أنه وبحسب تسعيرة نقابة المهندسين، يتقاضى مكتب الدراسات المدني كبدل أتعاب لمهندسيه، ما بين 3 إلى 4% من كلفة كل مشروع يقوم بدراسته، وبالتالي فإنّ العمل الذي تؤدّيه مديرية الهندسة يوفّر أموالاً طائلة.
نفّذت المصلحة في الآونة الأخيرة عدّة مشاريع مهمّة أبرزها قسم الطوارئ في المستشفى العسكري المركزي، وتقوم حاليًا بتحضير دفتر شروط فني لمشروع يشمل كل أرجاء المستشفى. كما تتابع أيضًا تنفيذ بناء ثكنة جزّين وهي قامت بإعداد دراسات مبنى الشرطة العسكرية في بيروت، وثكنة مغاوير البحر في عمشيت.

 

مصلحة المشاغل: هنا التنفيذ!
مصلحة المشاغل هي عبارة عن ورشة عملٍ مستمرّة والحركة فيها لا تهدأ، يتحدّث عنها رئيسها العقيد المهندس روجيه طانيوس. أنشئت هذه المصلحة لتأمين حاجات الجيش من أعمال الصيانة والمساعفة للأعتدة الكهربائية والميكانيكية، وهي تقترح المواصفات الفنية المطلوبة للأشغال التي تتعلّق بهذه المجالات والواقعة ضمن صلاحيّتها.
تقوم هذه المصلحة باستدراك الحاجة من المواد الأولية اللازمة لتسيير عمل المشاغل بالتنسيق مع مصلحة عتاد الهندسة، كما تهتمّ بتركيب التجهيزات وتشغيلها وإعادة فكّها وصيانتها عند الحاجة، بالإضافة إلى صيانة مطافئ الحريق في قطع الجيش وتعبئتها، والتأكّد من تنفيذ كل هذه الأعمال بصورة فنيّة صحيحة.
تتوزّع أعمال الصيانة والمساعفة على ثلاثة مشاغل هي:
?مشغل إلكتروميكانيك، يكشف على كل التجهيزات الكهربائية في مختلف الوحدات والمنشآت العسكرية، ويعمل على مساعفتها أو ترميمها أو استبدالها. بالإضافة إلى وضع الدراسات اللازمة لإنشاء شبكات كهربائية جديدة وتأمين الحمايات من الصواعق، والتدقيق بالفواتير الكهربائية لدى مختلف قطع الجيش، وتأمين الاشتراكات والعدادات الكهربائية اللازمة بالتنسيق مع مؤسسة كهرباء لبنان.
?مشغل التدفئة والتبريد، يقوم بصيانة أجهزة التبريد والتدفئة على اختلاف أنواعها في مختلف قطع الجيش ووحداته.
?مشغل الآليات والنقل، يتولّى مساعفة الآليات الهندسية في مختلف قطع الجيش، بالإضافة إلى تلك التابعة لمديريات الهندسة والقوامة والعتاد.
يُذكر أنّ مصلحة المشاغل تقوم أيضًا بتدريب القسم النوعي لعناصر مكاتب الدراسة في اختصاصَي الكهرباء وتكييف الهواء، وتنفّذ دورات تمرّس في هذين المجالَين.
تحاول مصلحة المشاغل مواكبة العصر من خلال الإطّلاع على كل جديد في مجال الهندسة الكهربائية والميكانيكية، وبخاصة من خلال متابعة ضباطها العديد من الندوات العلمية بالتنسيق مع شركات ومؤسسات مدنية كبرى متخصّصة.

 

مصلحة الممتلكات: العين الساهرة على عقارات الجيش
يشرح العقيد المهندس جورج رشوان رئيس مصلحة الممتلكات في مديرية الهندسة، أن هذه المصلحة تضمّ كل ممتلكات الجيش وتديرها وتؤرشفها لاستثمارها بالشكل المناسب. وتتفصّل مهمّاتها على الشكل الآتي:
?تنظيم مخططات إجمالية مفصّلة لممتلكات الجيش وتحديد موقعها على مخططات لبنان، وحفظ مستندات العقارات التي يستعملها الجيش.
?تنظيم مشاريع مراسيم الاستملاك وقرارات المصادرة وعقود التخصيص بعد تأمين الوثائق الرسمية المتعلّقة بها، وتنفيذ مضمون آلية الاستملاك وكل آلية تتعلّق بالعقارات.
?العمل على إظهار حدود عقارات الجيش ووضع لوائح مفصّلة بالعقارات الواقعة ضمن مناطق حرم الثكنات العسكرية والعمل على تبليغها إلى المراجع العقارية المختصّة.
?العمل مع الدوائر العقارية ودوائر المساحة والتنظيم المدني ومديرية الشؤون العقارية بهدف تنفيذ المراسيم والقرارات والعقود العائدة للمؤسسة العسكرية.
?تنظيم مخطّطات مفصّلة ومصغّرة للثكنات مع مختلف الأبنية التابعة لها، والتنسيق مع الأرهاط الطوبوغرافية المكلّفة مسح حدود عقارات الجيش وإظهارها.
?رفع مساحي للمنشآت التي يشغلها الجيش مع ترقيم المباني ضمن مختلف الثكنات لتسهيل عملية تخصيصها لمصلحة المؤسسة.
?تركيز مختلف المنشآت التي ينفّذها فوج الأشغال المستقلّ.
?رفع مساحي لعدد كبير من عقارات الجيش لمصلحة المشاريع ودفاتر الشروط الموكلة لمصلحة الدروس.
?التدخّل في حلّ نزاعات وخلافات على عقارات بين مدنيّين وعسكريّين، وإبداء استشارات تطلبها الدولة من المصلحة حول الأملاك العامة والتعديات عليها.
كما تُعنى هذه المصلحة بتحديث الخرائط وأرشفتها. وتعمل بشكل مستمرّ على مواكبة التطوّر من خلال تأليل مختلف أعمالها لتصبح متاحة بشكلٍ سهلٍ مع توفير الوقت والجهود، بالإضافة إلى العمل على أرشفة الخرائط القديمة بشكل منظّم، وتخصيص لجان تُعنى بتنظيم العمل والتماشي مع المعايير المدنية وصولاً إلى أعلى المستويات مقارنة بالشركات الكبرى في هذا المجال، وكل ذلك ضمن الإمكانات المتوافرة.

 

مصلحة العتاد الهندسي: ...بدءًا من البرغي
«مصلحة العتاد الهندسي هي المموّن لباقي المصالح، فمهمّتها استدراك وإدارة حاجات الجيش من العتاد الهندسي، بدءًا من أصغر برغي وصولاً إلى المكيّفات والبرّادات وغيرها». ويعرض رئيس المصلحة العقيد الركن توفيق زغيب، المهمّات التي تُعنى بها هذه المصلحة كالآتي:
-استدراك حاجات الجيش السنوية من العتاد والمواد والتجهيزات الداخلة في ترقيم مديرية الهندسة (حوالى 14000 صنف).
-تسلّم وتسليم التجهيزات والأعتدة الهندسية، واستردادها، وإبدالها وطلب تصليحها، من مكيّفات وبرّادات وحراقات ومطافئ ومواد تسييج وبناء، وتجهيزات كهربائية وصحية.
?تصنيف المواد والأعتدة والتجهيزات الداخلة في ترقيم مديرية الهندسة وخزنها وتأليلها.
?تحديث أساليب الخزن والترقيم والتأليل، وإدارة المخزن المركزي وتأمين التوزيعات الظرفية وفق الحقوق وحاجات الورش والمشاغل.
?تعهّد العتاد والتجهيزات المخزونة بصورة دورية ومنظّمة، ومعالجة المصادرات والهبات ذات الطابع الهندسي.

 

القسم التقني: العروض والتلزيمات
يتحدّث رئيس القسم التقني العقيد المهندس طارق غصن عن هذا القسم الذي يعمل على استدراج عروض وتلزيمات وفضّها لتنفيذها. بالإضافة إلى ذلك، يقوم هذا القسم بتصفية السلفات وتلزيم الأشغال وشراء العتاد الكهربائي الخاص، ويقدّم اقتراحاته حول المواد والمعدات أو يقوم بتعديلها. كما يجري هذا القسم تفتيشًا دوريًا على الورش القائمة ويضع تقارير التفتيش التي تشمل النواحي العملانية والمالية. إلى ذلك يراقب حسن سير الورش واستخدام المواد والعتاد والآليات، ويقوم بإدخال مواد ومعدات جديدة ضمن الأشغال وفق ما يقتضيه التطوّر التكنولوجي.
يُضاف إلى هذه المهمات افتتاح دورات مختلفة في مديرية الهندسة لتحسين أداء الضباط المهندسين في مختلف المجالات الهندسية، وتطوير نظام تأليل عمل القسم وبرمجة السلفات ومسكها.
تسعى المديرية بشكلٍ مستمرّ إلى تطوير الوسائل وزيادة القدرات، وعلى الرغم من القدرات المحدودة تنفّذ كل ما يوكَل إليها من مهمّات هندسية. وهي على استعدادٍ دائمٍ لتلبية النداء والدفاع عن منشآتها والمشاركة في المهمات الأمنية عندما تدعو الحاجة لذلك.


بالأرقام

يتمّ سنويًا تنفيذ دراسات ودفاتر شروط لأشغال هندسية قيمتها حوالى 45 مليون دولار أميركي، تُقدّر كلفة إعدادها في المكاتب الهندسية حوالى مليون و500 ألف دولار أميركي وفق جدول الأتعاب الذي حدّدته نقابة المهندسين في لبنان.