مؤتمر

مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية في الجيش في مؤتمره الأول
إعداد: جان دارك أبي ياغي

«القضايا الإقليمية الناشئة: التحديات والرؤى المستقبلية»

 

«القضايا الإقليمية الناشئة: التحديات والرؤى المستقبلية» هو عنوان المؤتمر الاقليمي الأول الذي نظمه مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني، وشارك فيه نحو مئة باحث وأكاديمي من لبنان والدول العربية وتركيا وإيران وقبرص والولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، وذلك في فندق مونرو- بيروت.


الحضور
أقيم المؤتمر برعاية قائد الجيش العماد جان قهوجي وقد حضر الإفتتاح، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الوطني الأستاذ الياس المر ممثلاً فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، النائب علي بزي ممثلاً دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، الوزير محمد رحال ممثلاً دولة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، الدكتور مصطفى أديب ممثلاً دولة الرئيس المكلف الأستاذ نجيب ميقاتي، قائد الجيش العماد جان قهوجي، رئيس أركان الجيش اللواء الركن شوقي المصري، مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، مدير عام أمن الدولة العميد جورج قرعة، مدير عام الأمن العام بالإنابة العميد ريمون خطار ممثلاً بالمقدم كمال صفا والملازم شادي حنا، مدير المخابرات العميد الركن إدمون فاضل، وحشد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والأكاديمية والثقافية  والإعلامية.
بعد النشيد الوطني اللبناني، ألقى  مدير التعليم في الجيش، رئيس اللجنة العامة للمؤتمر العميد الركن خالد حمادة كلمة الإفتتاح، ومما قاله: «إذا كان تحقيق التوازن أو التفوق العسكري من حيث امتلاك التقنيات الفائقة الحداثة غير متاح لكسب الصراعات من منطلق فائض القدرة والقوة، فإن فهم التهديدات والتحديات وتحليل البيئة الحاضنة لها والتعرف الى ديناميتها وآليات عملها وارتباطاتها من خلال تطوير العمل البحثي، ربما يكون أمضى وأفعل في درء اخطارها والسيطرة عليها».


قائد الجيش: نتمنى أن يتحقق حلم الجميع في شرق أوسط آمن مستقر ومزدهر
إستهلّ العماد قهوجي كلمته بتوجيه الشكر إلى الحاضرين والمشاركين في المؤتمر، وقال: «في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، وبمنطقتنا العربية على وجه الخصوص، والمترافقة مع أحداث أمنية واضطرابات تنتقل من بلدٍ إلى آخر، وفي ظل تحوّل العالم إلى قرية كونية صغيرة، بفعل ثورة الاتصالات والمواصلات والتكنولوجيا المتطورة، بات من الضروري على المؤسسات الدولية والمحلية والنخب الفكرية في المجتمعات، التوجه نحو بحث معمق لأسباب تلك الأزمات، وفق أسس علمية وواقعية ومنهجية، وبالتالي إيجاد الحلول الناجعة لها على المستويات القريبة والمتوسطة والبعيدة، إذ إن استمرار الوضع على حاله، لن تقتصر أضراره على وطن من دون آخر، بل ستطال الجميع وإن كان بدرجات متفاوتة، وذلك نتيجة العولمة والتداخل الإنساني بمختلف أشكاله».
وأكّد الأهمية التي أولتها القيادة لهذا المؤتمر، «أولاً، لما سيتناوله من قضايا إقليمية شائكة تمثّل جوهر النزاعات القائمة في المنطقة، وثانياً، للموقع العلمي والأكاديمي للباحثين والمحاضرين المشاركين فيه، وانتمائهم إلى جنسيات مختلفة وبلدان تكاد تغطي جهات العالم الأربع، وثالثاً، لانعقاده في لبنان، الوطن النموذج في رسالته الإنسانية، وتنوعه الثقافي والحضاري، وطاقات شعبه الفريدة، والوطن الذي قدّم أمثولة للعالم في صموده الأسطوري أمام العدو الإسرائيلي، وفي مكافحته الإرهاب والتطرف، وفي تمسك شعبه بوحدته الوطنية على الرغم من التجارب القاسية التي تعرض لها خلال عقود من الزمن.
إضافة إلى ما سبق، نعتبر مبادرة الجيش اللبناني إلى تنظيم المؤتمر، تجسيداً لمبادئه وثوابته الوطنية الجامعة، وتتويجاً لإيمانه بالقيم الإنسانية العليا وبثقافة السلام والانفتاح والحوار، كما نعتبرها بمثابة إسهام منه في تعزيز مناخ الاستقرار على الصعد المحلية والإقليمية والدولية».
وأضاف قائلًا: «مع إدراكنا التام حجم المشاكل التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط، وصعوبة إيجاد حلول سريعة لها، بسبب استمرار الصراع العربي - الإسرائيلي، وانعكاسه على استقرار المنطقة ككلّ، وبسبب الأوضاع الإنمائية والاقتصادية المتردية، والبيئة السياسية والاجتماعية والثقافية المعقدة، إلى جانب اختلاط المواقف والمفاهيم من المسائل المطروحة، وتشابك المصالح الدولية تجاه الموقع الاستراتيجي للمنطقة وما تحويه من ثروات طبيعية ضخمة، فإننا نأمل أن يشكّل هذا المؤتمر شمعة وسط الظلام، وخطوة في اتجاه توحيد الإرادات والجهود لمواجهة هذا الواقع الخطر، الذي من شأن استمراره أن يؤدي إلى مزيد من الفوضى والاضطرابات التي تتهدد الإنسانية جمعاء.
ختاماً، أكرر شكري إلى الحاضرين معنا اليوم، والقيمين على المؤتمر، تنظيماً وإدارة ومشاركة، متمنياً أن يتحقق حلم الجميع في شرق أوسط آمن مستقر ومزدهر».


وزير الدفاع:الجيش يشكّل الضمانة للبنان في مواجهة التحديات وتحمّل المسؤوليات
وزير الدفاع الياس المر أشار في كلمته إلى ارتباط الأحداث بين بلد وآخر ومنطقة وأخرى، وقال:  «لقد أثبتت الأحداث أن ما يجري في بلد يؤثر في بلدان أخرى، وأن ما يجري في الشرق الأوسط يؤثر في أمنه وأمن أوروبا والعالم.
أمّا لبنان، فيقع ضمن دائرة التجاذب، ما رتّب ويرتّب عليه تداعيات ومسؤوليات، ليست خافية على أحد.
إن القضايا الإقليمية محددة ومعروفة، أما الرؤى المستقبلية للتصدي لها، فلا بد أن تكون على مستوى التحديات الكبرى والتحولات الإستراتيجية التي يستحيل تجاهلها. من هنا يمكن اقتراح مجموعة أفكار للمناقشة، أبرزها:
• أولاً: تعزيز دور جامعة الدول العربية وإمكاناتها على كل المستويات، لخلق إطار إقليمي، حقيقي وفاعل، للمعالجات والرد على التحديات التي تتجاوز الأطر المحلية لكل بلد.
• ثانيًا: على الدول العربية مجتمعة، أن تعالج مسائل الحدود، والنفط، والأمن الإقليمي، والإرهاب، بشكل مسؤول، يأخذ بواقعية بكل التهديدات المطروحة بعيدًا من الأفكار المسبقة، ويفتح مجالات التعاون، لأن الزمن هو زمن التكتلات الكبرى والمفاهيم الشاملة.
• ثالثًا: يجب التركيز على التنمية المستدامة وحقوق الإنسان وإعطاء الأولويات للعدالة الاجتماعية والحريات والانفتاح، وتداول السلطة. وهذا ما تطالب به الشعوب اليوم أكثر من أي يوم مضى، وتنتفض وتثور في سبيل تحقيقه.
• رابعًا: يجب تحديد علاقات الدول العربية بالقوى والدول الفاعلة على قاعدة أخذ المصلحة العربية في الاعتبار، وفق قواعد ثابتة ومفاهيم جامعة، تنأى بالتوترات ما بين الدول العربية وتحترم سيادة كل دولة وخصوصيتها.
• خامسًا: على الدول العربية، ومن خلال الجامعة، أن تقدم رؤية لمسألة الأقليات تؤكد على وجودها العضوي ضمن المجتمع العربي.
• سادسًا: يجب تحقيق العدالة الدولية وتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن».
وختم الوزير المرّ كلمته متمنيًا للمشاركين «النجاح في أعمال هذا المؤتمر الرائد، مثمناً حضوركم، ضيوفًا أعزاء إلى لبنان».
كما نوّه بمبادرة «مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية» في الجيش اللبناني، «هذا الجيش الذي يشكل الضمانة للبنان في مواجهة كل التحديات، وهو مثابر على العطاء والتضحية بقيادته الجريئة والحكيمة».
 

 الجلسة الأولى
 خصص المؤتمر أولى جلساته لمناقشات عامة، وقد عقدت بحضور السفيرة الأميركية مورا كونيللي والسفيرة البريطانية فرنسيس ماري غاي وفاعليات عسكرية. تكلم في الجلسة مدير مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش العميد الركن ميشال المير، ومدير مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية السفير جيمس لاروكو، والوزير السابق دميانوس قطّار.
العميد الركن المير شدّد في كلمته على أهمية موقع لبنان الجغرافي والثقافي والحضاري وما يتمتع به من حريات عامة، جعلت منه منتدى لبحث مشاكل المنطقة. كما عرض لدور مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية وأهمية تعاونه مع الجيش اللبناني.وعن مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية في الجيش اللبناني قال إنه تأسس العام 2007 لكن الظروف أخّرت إطلاق عمله.

 

السفير لاروكو: الفرص وفيرة من أجل خلق شرق أوسط جديد والعمل من أجل السلام
مدير مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية السفير جيمس لاروكو، استهلّ كلمته معربًا عن تقديره لمنظمي المؤتمر، مشيرًا إلى أنه يتحدث بصفته الأكاديمية ولا يمثل رأي الإدارة الأميركية أو الحكومة الأميركية أو وزارة الدفاع أو جامعة الدفاع الوطني.»
وقال إن الولايات المتحدة حكومةً وشعباً تواكب التطوّرات الحاصلة في المنطقة مع الكثير من الاهتمام والإعجاب بشعبي تونس ومصر اللذين انتفضا وحقّقا تغييرًا ديمقراطياً وتمكّنا من إرساء الحريّة.
وأضاف قائلًا: سوف أتطرّق اليوم إلى موضوع الانتقال من «الحريّة من» إلى «الحرية لأجل».
نسأل أنفسنا: إلى أين تقودنا التغيّرات التي تحصل في المنطقة؟ نحن كأميركيّين علينا أن ندرك كيف نكيّف الدراسات السياسيّة والاقتصاديّة، ولكنّنا لا نملك الأجوبة فلا أحد يمكن أن يقدّمها باستثناء شعوب المنطقة وقادتها، وهؤلاء لم يقدّموا أيّ جواب حتى الآن.
سوف أركّز على الحريّة على أنّها المفتاح للتوصّل إلى هذه الحلول.
على مدى التاريخ، ركّزت الثورات على «الحريّة من». الأمر نفسه يحصل في الشرق الأوسط اليوم. الأمور التي ثارت شعوب المنطقة ضدّها واضحة ومعروفة ولكن يجب أن نعرف ما الذي تثور من أجله.
ما الذي يريده قادة هذه المنطقة وشعوبها لأنفسهم وللأجيال القادمة؟ أنا رجلٌ غريب أتيت برأيي المتواضع ولا يسعني سوى أن أقدّم إطارًا متواضعًا يمكن أن يُؤخذ في الاعتبار.

 

• الحريّة من أجل الفرص الاقتصاديّة: أعتقد أنّ هذا ما يريده الناس وبخاصةٍ الشباب الذين يريدون الحصول على المزيد من الفرص. يريدون التخلص من تحكّم قلّة معيّنة بالاقتصاد، ويريدون القضاء على الفساد. إلاّ أنّ إزالة السيطرة الأحاديّة على الاقتصاد والقضاء على الفساد لا يؤدّيان بالضرورة إلى خلق الوظائف وإرساء النمو والازدهار، وهذه هي أسس الأمن في كلّ البلدان. لقد حان الوقت لكي يبحث قادة المنطقة وشعوبها في عناصر إقتصاد جديد سيحقّق لهم «الحريّة من أجل»، إقتصاد مشرق في المستقبل. يمكن للمنطقة أن تجتذب الاستثمارات وتوسّع تبادلاتها التجاريّة وتخلق ملايين الوظائف من خلال التخطيط الاستراتيجي، ولكنّ ذلك يتطلّب من الحكومات أن تعمل على توقيع اتفاقيّات تجاريّة واستثماريّة مع شركاء في الخارج. ويجب أن تضع الدول قوانين وقيودًا معيّنة تجتذب الشركات المحليّة والأجنبيّة بغية تنظيم الاستثمار والتجارة والسياحة، وتشجيع تنظيم المشاريع على الصعيد المحلي، وتشجيع الإبتكار، وإنشاء مؤسسات تدعم هذه الأهداف وتقدّم تعليمًا وتدريبًا رسميّين لإنشاء قوّة عاملة قادرة على المنافسة على الساحة الدوليّة.
 

• الحرية من أجل إرساء أنظمة سياسيّة جديدة: أودّ أن أطرح بعض الأسئلة حول هذا الموضوع.  ما الذي تريده شعوب هذه المنطقة من العلاقة بين الحكام والمحكومين؟ ألا تريد نظامًا يقلّص استغلال السلطة والفساد؟ ما هي الطريقة الأمثل التي يمكن للشعب أن يعبّر من خلالها عن مطالبه وحاجاته؟ كيف يمكن للأنظمة القضائيّة أن تضمن احترام حقوق الشعوب؟ يجب توفير الأجوبة على هذه الأسئلة.
 

• الحرية من أجل شراكةٍ إقليميّة وعالميّة: إنّ الذي يحصل في الشرق الأوسط لا يتعلّق بالسياسة الخارجيّة. الشباب يركّزون على المسائل الداخليّة. كلّ الانتفاضات التي حصلت في المنطقة شعبيّة ولقد حان الوقت الآن لكي تقرّر شعوب المنطقة مساعدة من تريد في بناء نظام إقتصادي وسياسي جديد، الولايات المتحدة ستكون جاهزة للمساعدة.
 

• نموذج جديد للسياسة الأميركيّة في الشرق الأوسط: كلّ سياسات الدول ترتكز إلى المصالح والقيم. ليست الولايات المتحدة مختلفة، فنحن نلتزم الحفاظ على قيم الديمقراطيّة وسيادة القانون وحقوق الإنسان وحريّة المبادرة والشراكات من أجل السلام والأمن، وهذه القيم لن تتغيّر. على مدى تاريخ الولايات المتحدة في المنطقة، كان هناك على الدوام صراع ما بين التزامها الحفاظ على هذه القيم مقابل سعيها لتحقيق مصالحها. الولايات المتحدة تفضّل مصالحها على قيمها. ولكنّ هذا يجب ويمكن أن يتغيّر. يجب على أفعالنا أن تكون متلازمة مع أقوالنا من الآن فصاعداً، فلن نحقّق مصالحنا على الإطلاق إذا لم ترتكز سياساتنا إلى قيمنا.
وختم قائلًا: خلاصة القول، الفرص وفيرة اليوم من أجل خلق شرق أوسط جديد وهذا يتعلّق بالخيارات التي يتّخذها كل بلد. الانتقال من «الحرية من» إلى «الحرية من أجل» أمرٌ صعب ولكن يجب على الثورات أن تكون كاملة بحيث تقدّم لشعوب المنطقة وللأجيال القادمة الفرص التي يستحقّونها. لقد قدّمت شعوب المنطقة للولايات المتحدة فرصة أن تكون شريكاً كاملاً في الشرق الأوسط، وهذا يتطلّب تعديل سياساتنا. أنا واثقٌ من أنّنا سنتمكّن من القيام بذلك.

 

قطّار: التحولات في المنطقة في بداياتها ولسنا ندري اذا كانت ستحفّز التضامن
الوزير السابق دميانوس قطّار أشار في مستهل مداخلته إلى أنّه سيتطرق إلى التساؤلات والتحديات التي تواجهها شعوب المنطقة، ليطلق بعض الأفكار حول واقع التفاعل السياسي والإقتصادي.
ركز قطار بداية على منطق الاولويّة، متسائلًا: أي اولويّة في عمليّة التغيير الجارية في العالم العربي؟؟
وهل التغيّرٍ في نمط الحياة السياسيّة هو مدخل إلى مأسسة مفاعيل الحرّية؟ عنيت بذلك التوجه إلى نظام ديمقراطي، فيصبح  دافع الضرائب في العالم العربي صاحب حقوق سياسيّة؟!
هل تفككت آليات احتكار الاقتصاد؟؟ وهل يكفي اقصاء زعيم أو عائلته لإحداث نهضة اقتصادية؟
كيف ينتقل الاعلام من موجّه إلى ناقد وصانع رأي عام؟ هل يكفي الـ «فيسبوك»؟
هل الفساد المطالب بأسقاطه هو نابع عن فاسدٍ ام عن مفسدٍ ايضاً ؟؟
هل تصبح حريّة الحركة في الشارع حريّة التحرّك في التعلّم، ويصبح الصوت الصارخ في الشارع صوتاً رائداً في الفكر والأبحاث؟؟
 كيف تنتقل هذه المجتمعات من موجة غضب سياسي إلى «الثقافة السياسيّة المشاركة»؟
هذا لا يتجلّى فحسب من خلال عمليّة الاقتراع بل من خلال مستويات أعلى من الاهتمام السياسي والاعلامي والمعرفة وتكوين الرأي العام والعضويّة التنظيميّة.
أي بمعنى ﺁخر الفعاليّة السياسيّة والمرتكزة على مدماكين لدى المواطنين: الثقة بالنفس والاحساس بالجدارة.

 

دينامية واعدة
وقال إن التحول نحو «الثقافة السياسية المشاركة» يواجه تحديات عديدة منها:
- إن الشبكة «العرقيّة والقوالب الثقافيّة والامبرياليّة السياسيّة» العالقة في ذهن العربي أو المسلم هي قويّة  جدًا.
- المكونات المجتمعية المتشابكة والمتضاربة في العالم العربي والمتمثلة بترسخ المجتمع القبلي، والمجتمع الأهلي، بينما دور المجتمع المدني الذي يستطيع تكوين أداة لمحاسبة السلطة، محدود. لكن الخبر المفرح أن هناك ديناميّة واعدة من الشباب والنخب المثقفة والطبقة العاملة تتجه نحو المطالبة الثابتة بالحريّة وبحياة أفضل.
وفي ما يتعلق بمعايير نجاح حركات التغيير أعتبر أن لكل دولة تحدياتها، فالواقع القبلي كما المستوى العلمي، والاكتفاء الاقتصادي كما الوقع الديني، كلها عوامل سوف تنتج في كل مجتمع مكوّنات مختلفة عن الاخرى.
وإذ رأى أن البحث لا يمكن أن يكون شاملاً من دون تحديد المقصود بالشرق الأوسط، قدّم توصيفًا قال إنه يختلف قليلًا عن المنظار الاميركي أو الاوروبي أو الآسيوي. فبحسب التجربة والممارسة السياسيّة والاقتصاديّة، نرى الشرق الاوسط ثلاث مناطق متمايزة وربما متباعدة:  المغرب العربي، المشرق العربي، ودول التعاون الخليجي.
 • المغرب العربي ثقافته خاصة ويرتبط بالمشرق العربي عبر مصر.
 • المشرق العربي ذو تراث تراكمي خاص ويرتبط بدول التعاون الخليجي عبر العراق.
• دول التعاون الخليجي لديها تاريخ مختلف عن المغرب والمشرق.
وعلى الرغم من محاولة مأسسة شرق أوسط قبل استقلال الدول العربية وبعده عبر الجامعة العربية، يبقى الاشكال متمحورًا حول ثلاث نقاط:
- النقطة الأولى، سياسية - عقائدية: الصراع  مع اسرائيل وحريّة فلسطين ومستقبلها.
- النقطة الثانية، ثقافية - اقتصادية عبر توجهات هذه المناطق: فتوجهات المغرب هي إفريقيّة - متوسطيّة، وتوجهات المشرق متوسطيّة - شرقيّة، أما توجهات دول التعاون فشرقيّة - آسيويّة.
- النقطة الثالثة، أمنية - اقتصادية عبر تجاذب إقليمي وآخر دولي: فالتجاذب الإقليمي واضح لدول المشرق مع تركيا ولدول التعاون الخليجي مع ايران. أما في ما خص لبنان وسوريا، فالتجاذب مع تركيا وإيران. وهناك تجاذب دولي، اميركي، صيني، روسي لدول التعاون الخليجي.
إن التحولات في المنطقة ما زالت في بداياتها ولسنا ندري إذا كانت ستحفز التضامن والتفاعل أو تؤدي إلى تفكك اكبر.
فنظريّة الدولة – الأمة (Nation - State) تحاصر يوماً بعد يوم وتظهر بقوّة اكبر نظريّة الدولة – المدينة، حيث يسعى المفكرون إلى ابراز أهميّة الالتصاق بالهموم المباشرة للناس والنتائج الملموسة في الأمن والإقتصاد. وهذا المنظار يشكل خطرًا جديدًا في منطقنا إذ يشجع مفهوم الجماعة (Community) على حساب مفهوم المجتمع (Society)، ويدخل العالم العربي في صراع جديد على تحديد مفهوم الأقليّة بالمعنى المجتمعي مقابل المفهوم الشمولي للاسلام.
وفي النقاش الفكري لم يتضح بعد مفهوم الأقليّات ومدى الحفاظ على تعدديّة ثقافيّة وربما إتنية في عالمنا. هل تستطيع الحركات التغييريّة إعادة فرز مفهوم القوميّة العربيّة أم سوف تسعى إلى إرضاء شركاء المستقبل للسلطات المحليّة، فيغدو العالم العربي مكونات  مُدُنيّة مستهلكة ومنتجة في إطار من الحريّات والرخاء! وهل الطموح العربي يتعارض مع الحداثة والتطور؟؟؟  
وقال: إن العقل العربي بحاجة اليوم إلى قوّة الاقتناع وليس قوة الإقناع (كما كان يحصل في الماضي القريب)، بهذا التحول ومنه يتمّ تركيز عصب الثبات. والمقومات الخمس لهذا الثبات هي: الديمغرافيا والجغرافيا والثقافة والتربية والاقتصاد، وهي منطلق العمل للسنوات العشر القادمة. وعرض تصورًا لتموضع كل من القوى الموجودة (القوات المسلحة، الحركات الاسلاميّة، الحركات الاصوليّة، الاطراف العلمانيّة، والاحزاب السياسية) وطريقة تعاملها مع هذه المقومات.
 واعتبر قطّار أنه حتى الآن لم يبرز بعد التسابق الدولي للشراكة مع نتائج التحّول، وتجارب الشراكة السابقة كانت ضعيفة الانتاجيّة (التجربة الأوروبية والتجربة الأميركية). وبعد أن عرض الأسباب التي حالت دون نجاحها، أمل «في ظل المتغيرات الجارية والحراك الدولي أن يتكوّن تحالف اقتصادي استثماري بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة ودول التعاون الخليجي بالتنسيق مع مؤسسة الجامعة العربيّة، للنهوض بمؤسسات فاعلة وشفافة ذات هيكلية صغيرة مرنة تواكب هذه التحولات وتساندها بناء على رغبة كل دولة. كما أمل ألاّ ينحصر اهتمام الدول الكبرى مرّة أخرى بالأمن وبإمدادات الموارد وتدفقها بأمان، مع تغير فقط في قالب إحتضان المصالح من جديد».
وفي الختام قال: بدأ الفرد العربي يشعر بالحرية الفردية لكن الاستحقاق القريب هو في الحريات العامة المشّرعة، وتطور الاقتصاد في عالمنا يبقى التحدي الأكبر. وإذا اعتبرنا أن الاقتصاد يحركه عاملان أساسيان:
رأس المال والموارد أو بحسب المفهوم الأميركي الملخص، الاستدانة والطاقة (Economy is fuelled by debt and energy)، ففي كلا الحالتين على الدول العربية أن تكون هي الأفضل إذا جمعنا مقدّراتها: موارد هائلة، احتياطي مالي ضخم على مستوى الدول، وثروات الأفراد، ومجتمع شاب تحللونه وتقرأون عنه كل يوم.
فأين الأزمة؟ إنها لا تكمن في المقدّرات بل في القُدُرات، على التوصيف، والرؤية، والتخطيط، والتنفيذ، والمحاسبة، وتبادل السلطة سلمياً...


مجموعات عمل
بعد الجلسة العامّة توزّع المشاركون على أربع مجموعات عمل وجرى في كل منها وعلى مدى ثلاث جلسات متتالية مناقشة أحد المواضيع التالية:
• المجموعة الأولى: «التوتّرات الأمنية في الشرق الأوسط وحقوق الأقليّات ودورها: التداعيات والتحوّلات في ظلّ حالة الغليان في العالمين العربي والإسلامي». وقد تولّى إدارتها القاضي عباس الحلبي رئيس الفريق العربي للحوار الإسلامي-المسيحي، وتكلّم فيها كل من: الدكتور رغيد الصلح، من مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة، والبروفسور كاياهان بارزيغار من مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجيّة في إيران.
• المجموعة الثانية: «تصاعد الحركات الأصوليّة والمذهبيّة والتداعيات على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط ومدى ارتباطها بديناميّات التغيير المستجدّة في العالمين العربي والإسلامي». وقد أدارها السفير عبدالله بو حبيب، من مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة، وتحدث فيها كل من الدكتور سامي حجّار، من مركز NESA والدكتور محمد صالح صدقيان، مدير المركز العربي للدراسات الإيرانيّة في إيران.
• المجموعة الثالثة: «الموارد الجديدة للطاقة في شرق المتوسّط: مصدر للتعاون أم للنزاع في المنطقة». تولّى إدارتها الدكتور شفيق المصري من الجامعة الأميركيّة في بيروت (AUB) وتكلّم فيها الوزير الدكتور علي الدباغ الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية، والبروفسور جاسم عجاقة من الجامعة اللبنانيّة.
• المجموعة الرابعة: «لبنان، العراق وفلسطين: أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة كساحات نزاع إقليميّة». أدارها الدكتور مرهف جويجاتي من مركز NESA كما تكلم فيها اللواء المتقاعد خالد البو عينين، قائد سابق لسلاح الطيران والدفاع الجوي الإماراتي ورئيس مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري في دولة الإمارات العربية المتحدة, بالإضافة إلى الدكتور فؤاد نوهرا من مركز الدراسات الدبلوماسية والإستراتيجية في فرنسا.


تكريم الجهات الراعية والممولة
في ختام المؤتمر أقيم حفل تكريم الجهات التي رعته ومولته ووسائل الإعلام التي شاركت في تغطية وقائعه.
حضر الحفل عن قيادة الجيش، عضو المجلس العسكري اللواء الركن نقولا مزهر ممثلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي، ومدير مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية العميد الركن ميشال المير، ورئيس اللجنة العامة للمؤتمر مدير التعليم العميد الركن خالد حماده، وعدد من الضباط. وعن الجهات الممولة، حضر السفير السابق عبد الله أبو حبيب ممثلاً مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية، ومدير مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية (NESA) السفير جيمس لاروكو، والدكتور مصطفى أديب ممثلاً جمعية العزم والسعادة الاجتماعية، واللواء الركن المتقاعد خالد البو عينين ممثلاً مركز الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري «INEGMA»، كما حضر عدد من المدراء ورؤساء التحرير في وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة.

العميد الركن خالد حمادة كانت له كلمة بالمناسبة قال فيها:
«اليوم نختم أعمال المؤتمر الإقليمي الأول، تحاورنا خلالها بكل حرية وتبادلنا الأفكار والطروحات من دون قيود، وربما نكون قد سجلنا سابقة استثنائية على مستوى عدد المشاركين وتنوعهم وأهمية محاور البحث.
أجل نفخر بأننا تحاورنا فوق الطاولة وأمام الإعلام وبعيدًا عن بيروقراطية الموقع والوظائف. تحاور الخليج العربي بضفتيه الإيرانية والعربية فوق الطاولة وليس فوق مياه الخليج، وتحاور البحر المتوسط  بضفتيه الأوروبية والمشرقية، وتحاورت القيم الأميركية ما بعد الأطلسي مع القيم الشرق أوسطية. لقد قدّم لبنان فضاءً رحبًا للحوار على الرغم من صغر مساحته الجغرافية وخلصنا بتوصيات، ربما اختلفنا ولم نصل إلى قناعات مشتركة، ولكننا كرّسنا إيماننا بالتواصل السلمي الهادئ، وقدّمنا نموذجًا حضاريًا على مستوى ثقافتنا وحضارتنا ودورنا».
وفي ختام كلمته شكر العميد الركن حمادة مديري الجلسات والمشاركين فيها، وجميع من بذل الجهود لإنجاح المؤتمر، من خلال تمويله وتغطيته إعلاميًا، كما شكر إدارة فندق مونرو.