سياحة في الوطن

مزيارة
إعداد: باسكال معوض

تستحق أكثر من زيارة بلدة القصور والحدائق والمعالم الجميلة

مواطن اخترع عيداً للبلوط فخلّف للبلدة أسواراً من السنديان

 

بيوت غريبة الأشكال و"فيللات" تضاهي أفخم القصور في العالم؛ أحراج السـنديان الكثيفة والحـدائق المنسّقة بذوق رفيع؛ هذه مزيـارة التي أصبحت بفضـل جهـود أهلها منطقـة سياحـية مميـزة، هـي قـبـلة أنظــار الجمــيع من حولـها، حـيث جمعت في هوائهــا وأرضـها وأبنيـتهـا كل مـا يتمــناه الإنسـان مـن بلـدتـه الأم.

 

مزيارة والزيارة!

حاول باحثون رد اسم مزيارة الى اللغات السامية القديمة منطلقين من جذرين ساميين: "زور" و"زير"، فالأول يفيد الإنحراف والميل، والثاني يعني الضغط والكبس، ومنها في عامية لبنان "زيّره" أي أوقعه في شدة وضيق.

وفـي بحـث آخـر جاء أن أقرب تحليل لاسم مـزيارة هو ذلك القـائل: "انه في الغابة التي أنشـئت فيها الـبلدة مغـارة صـخرية حوّلت من قبل الأهـالي الى مـزار للسيدة العـذراء، وراحـوا يقصدونهـا بشـكل دائـم للتعـبّد وإضـاءة الشموع فإذا سئـلوا من أيـن يأتـون، أجابـوا: "مـن الزيـارة".

ومع الأيام وككل اللهجات الشعبية تطورت اللفظة وتغيّرت فصار اسم المنطقة "مزيارة".

وقـد قيـــل أيضـاً إن اللفـظة هـي من جـذر "زار" الذي يعـني الإحـاطة والتـسوير، ما يعـني أن المـكان اتخـذ اسمه من موقـع البـلدة الجغرافي فهي تكاد تكـون محصنة ومسوّرة بالجـبال والوديان، ومـن الطبيعي أن يطلق على مكان يتميز بهذه الخاصة الطبيعية اسم مسوّرة وهذا ما تعنيه لفظة مزيارة في الآرامية.

 

الموقع والمميزات

تقع مزيارة في قضاء زغرتا وترتفع عن سطح البحر نحو  750 متراً، ما يجعل مناخها معتدلاً إجمالاً، إذ قلّما تتجاوز درجة الحرارة صيفاً حدود  33 درجة مئوية ونادراً ما تتدنى الى حدود الصفر.

تروي البلدة ظمأ أهاليها من نبع "عين المطران" الذي ينبع من مرتفعات حرج إهدن، أما بالنسبة لإنتاجها الزراعي فهي تشتهر بالتفاح والإجاص والعنب والحبوب على أنواعها، وجميعها للاستهلاك المحلي.

أما أبرز أنواع الأشجار والنباتات التي تنبتها أرض مزيارة فهي: السنديان والصنوبر والشربين والسرو والخرنوب. وقد عملت المجالس البلدية المتعاقبة والجمعيات الأهلية في البلدة على غرس عدد لا بأس به من أشجار الكينا والصفصاف والميموزا بهدف إغناء التنوّع النباتي وزيادة المساحات الخضراء.

وتتواجد في أحراج مزيارة وكرومها النباتات والأعشاب المعروفة في قرانا اللبنانية، ومختلف أنواع الزهورات التي تجفف للاستهلاك شتاء.

وككل بلدة لبنانية، يقيم المزياريون في تجمعات سكنية متلاصقة تسمى حارات ومنها في مزيارة القديمة: حارة "التحتا"، "المعلّقة"، "حارة اللوز"، "العربة" إضافة الى محيط الكنيسة وساحتها. ونتيجة لازدياد عدد السكان، ظهرت حارات جديدة منذ أواخر الأربعينات وهي "حارة الجديدة" و"الضهر" و"القلع".

 

مزيارة في التاريخ

يفيد ما ظهر من بقايا أثرية في محيط بلدة مزيارة، أن المنطقة قد شهدت أنشطة لشعوب قديمة قبل تاريخ نشوء البلدة الحالي.

وفي منطقة ريشطعموت القريبة من البلدة، توجد أهم تلك البقايا الأثرية وهي ترتبط بها تاريخياً، وهي عبارة عن نواويس وأبنية تعود الى العهود السامية القديمة. واسم ريشطعموت آرامي يتألف من مقطعين: "ريش" وتعني رأس و"طعموت" وهو جمع تأنيث لجذر فينيقي "طعم" والذي يفيد "المأكل والغذاء" ومنها كلمة "طعام" العربية، فيكون المعنى المجازي للاسم "رأس الغلال". ما يعني أن تلك المنطقة كانت زراعية في العهود الفينيقية، وأنها كانت تنتج غلالاً وفيرة ما دعا لتسميتها بهذا الإسم.

وفي منطقة السواقي بقايا أثرية مماثلة، من شأنها أن تفيد عن أن شعوباً آرامية وفينيقية قد مارست فيها أعمال العبادة والتحطيب والتعدين. وفي دراسة أسماء هذه الأمكنة ما من شأنه أن يفيد عن أن الشعوب التي أطلقتها كانت تتكلم الآرامية والفينيقية.

وهذه التسميات العريقة في القدم تدل على أن محيط مزيارة قد عرف نشاطات للشعوب السامية القديمة، الكنعانية ­ الفينيقية الآرامية. غير أن المنطقة لم تشهد سكناً مستقراً ودائماً قبل تاريخها الحالي.

 

عيط البلوط و"صخرة" مزيارة

في القرن السابع عشر، وقعت خلافات بين الأهالي ومشايخ البلدة حول ملكية الأراضي، فهاجر عدد من المزياريين الى البرازيل بهدف تأمين الأموال لاسترداد الأراضي التي خسروها على أثر حكم غيابي قضى بملكية الأراضي للمشايخ. أما أحد أبناء البلدة، ويدعى يوسف الياس الخوري الملقب بـ"أبو حنا"، فراح يستدين من متمولي طرابلس ويدين "آغوات الضنية"، الى أن جاء وقت عجز فيه هؤلاء عن تسديد الديون نقداً فسددوها أراض وعقارات، ومنها مزرعة بشنّاتا التي أصبحت مصيفاً للمزياريين؛ ومن "بلّوط سنديان بشنّاتا"، فرض يوسف الياس الخوري على كل مزياري أن يملأ جراباً ويزرعه حول البلدة، وعيّن يوم الأحد من كل موسم "عيداً" لزرع البلوط، ومن تلك "الأعياد" أحاطت بمزيارة غابات السنديان الخضراء.

وبعد أن عاد المزياريون الى بلدتهم، دفعوا وتملكوا الأراضي وتوسّعوا في جوارها. وتجدر الإشارة الى أن بعضاً من عائلات مزيارة قد اضطر بسبب قساوة طبيعة الأرض الصخرية الى شراء بساتين زيتون في منطقة ساحلية مجاورة لقرية "دير نبوح"، وكانت هذه العائلات تقيم هناك طيلة موسم قطاف الزيتون نظراً لصعوبة المواصلات بين مزيارة والساحل، مما أدى مع الوقت الى نشوء قرية "صخرة" التي سكنها الأهالي بصورة دائمة، وهي اليوم تابعة عقارياً لبلدة مزيارة.

 

المغتربون يعمرون بلدتهم

أول إحصاء يذكر بلدة مزيارة بعد الحرب العالمية الأولى، يعود تاريخه الى سنة 1932، وقد جاء فيه أن عدد بيوت "مزيارة" و"صخرة" في ذلك العام بلغ  185 بيتاً. وقد لعب المغتربون من أبناء مزيارة دوراً أساسياً في إعمار البلدة منذ ما قبل الحرب الأولى: فالمغتربون الى افريقيا ساهموا بشق "بولفار نيجيريا" وهو شارع رئيسي في البلدة، وبفضل عدد كبير من المشاريع الإنمائية غدت مزيارة مكتملة التجهيز ترتدي حلة مجددة تبرز من خلالها، دور حديثة فخمة ومجموعة "فيللات" أنيقة الى جانب البيوت القديمة المرممة بذوق.

يبلغ عدد أهالي مزيارة المسجلين نحو  4600 نسمة، أما عدد المغتربين منهم، فيبلغ أربعة أضعاف المقيمين وهم ينتشرون في نيجيريا، والبرازيل والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا. وهذا الاغتراب، المزياري، بالإضافة الى كثافته، يتميز بالتواصل المستمر مع مسقط الرأس، وقد عمل المغتربون المزياريون بجهد دؤوب ونشاط لا يعرف الكلل. وقامت أموال المهاجرين بجر مياه الشفة من نبع "عين المطران" الى مزيارة مطلع القرن العشرين، وساهمت في ما بعد بشق الطريق العام المؤدية الى البلدة، ثم شوار ع البلدة كافة وإنارتها، كما ساهمت ببناء ناد رياضي اجتماعي ثقافي ومستوصف خيري وبيت للأخوية وصالة للكنيسة.

 

كنيستان ومزار

بدأ العمل ببناء كنيسة السيدة عام 1894، وتم تكريسها نهار عيد انتقال السيدة العذراء في  15 آب  1905 م.

أما كنيسة القديسة مورا فهي قديمة جداً لكن لا توجد وثائق تدل على تاريخ بنائها، وهي موجودة في منطقة ريشطعموت الأثرية.

وفي قلب غابة السنديان عند مدخل بلدة مزيارة وعلى تلة مشرفة على الساحل والجبل في آن واحد، بني مزار "أم المراحم" الذي يضم الى جانب كنيسة وبرج عال وتمثال للسيدة العذراء، مأوى للعجزة، ومشغلاً لتعليم الفتيات فنون الخياطة والتطريز، وصالة فسيحة للقاءات والحفلات على أنواعها.

عند مدخل المزار الذي يتوافد إليه السائحون من مختلف المناطق والأديان، تصطف عن الجانبين تماثيل السيد المسيح وتلاميذه الاثني عشر، كما أقيم الى يسار المدخل مشهد مصغّر لنهر الأردن ومعمودية يسوع، والى جانبهما وضع جرن العماد من صخور مزيارة حيث يتوافد المؤمنون ليعمّدوا أطفالهم.

ويزخر المزار إضافة الى مشاهد من الكتاب المقدس بالحدائق الغنّاء التي زيّنت المكان بأكمله وأضفت عليه طابعاً جميلاً ومميزاً، ما جعله موقعاً سياحياً يزوره الكثيرون من أهل المنطقة والسياح الأجانب.

 

البلدية

رئيس بلدية مزيارة الأستاذ جوزيف الشدياق حدثنا عن نشاطات المجلس البلدي ومشاريعه الهادفة الى مزيد من التطوّر في مزيارة، فقال:

لقد تم تنفيذ مشروع الإنارة العامة في الشوارع والطرقات الداخلية كما تم تأهيل شبكة الكهرباء في البلدة الى عدد من شبكات الصرف الصحي.

وقد تم تجهيز مبنى البلدية وتأهيله من الخارج، وأعيد تنظيم أرشيفه، مع وضع إحصاءات جديدة بالوحدات السكنية وغير السكنية واللوحات الإعلانية وتنظيم الجباية، وقريباً سينجز مركز للدفاع المدني. ويضيف قائلاً:

اهتمت البلدية بالناحية البيئية بشكل مميز حيث تم غرس أشجار حرجية وأخرى للزينة على جوانب الطرقات العامة، وعيّن ناطور لحرج السنديان في البلدة، كما تم بناء أحواض على جوانب الشوارع تزرع فيها الأشجار والورود، إضافة الى إقامة حديقة عامة. كما أنه ثمة دراسات تجرى لبناء معمل لتكرير المياه المبتذلة.

من جهة أخرى تمت إقامة موقع للبلدة على الإنترنت باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، كما تم تقديم هبة الى المدرسة الرسمية تضمنت تجهيزات ولوازم ضرورية لتطبيق المناهج التربوية الجديدة، الى هبة أخرى الى مستوصف مزيارة الخيري. كما زوّدت البلدية المكتبة العامة للبلدة بمجموعة كبيرة من الكتب.

وتعمل بلدية مزيارة على الصعيد الدولي بالتنسيق مع أبنائها وهي تحافظ على علاقات مع مؤسسات أجنبية كثيرة منها: "تجمع البلديات في ليون"، "أندية روتاري" في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية حيث استقبلت وفداً منهم في البلدة، وتلقت زيارة المدير العام الفرنسي لمقاطعة "الكوت دور" السيد جان بول نارجوليه. وتقديراً للأعمال الإجتماعية والإنسانية التي تقوم بها بلدية مزيارة بالتنسيق مع الروتاري، استلمت البلدية وسام "زمالة بول هاريس" من المؤسسة الروتارية للروتاري الدولي.

 

موقع للتحليق الشراعي

حـددت في لبـنان خمسة مواقـع لممارسة هواية التـحليق الشراعي (Parapente) ومـن هذه المواقـع واحد في مزيارة هو الأفضل، حيث يقلع الهواة من أعالي الجبل ويهبطون في سفوحه، أو يعودون للهبوط عليه، وأحياناً يحلقون انحداراً حتى ميناء طرابلس. وقد تعوّد هواة النوع على ممارسة هذه الرياضة بحيث أن مشهد المحلقين في الفضاء قد ألفته عيون الكبار والصغار وخصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع.

 

عائلات مزيارة

يتوزع أهالي مزيارة على العائلات التالية: أسطفان، أيوب، الياس، أنطون، بشاره، بوشديد، بريص، جزّار، حنين، حطّاب، حبيس، خاشيريان، خوري، داوود، دحدح، دعبول، ديب، دينا، رعد، رميا، رمّان، سليمان، سابا، سركيس، شاهين، شدياق، شاغوري، شمشوم، صليبا، طوروسيان، عبد، عبيد، عبّود، عبد الأحد، عبدالله، عكاري، عيسى، غبريال، فاضي، فضّول، كركر، كرم، لحود، مختار، معوّض، ميناس، نعوم، نعمه، نعمان، نصر، نخله، هوّاش، وهبه.

 

قناصل من مزيارة

خاض أهالي مزيارة عباب البحر وهناك، في المهجر، تبوأوا أرقى المناصب، وتخصصوا بالمجالات الديبلوماسية بحيث عيّن الكثير منهم حالياً وفي السابق سفراء وقناصل لدول مختلفة. ونذكر منهم في الخارج وفي لبنان حسب أولوية تعيينهم:

سليم حبيس: قنصل لبنان الفخري في نيجيريا، وعميد السلك القنصلي في شمال نيجيريا.

أنطوان أبطور: قنصل لبنان الفخري في التشاد.

دياب نصر: قنصل التوغو في لبنان.

نبيه شمشوم: قنصل بنين في لبنان.

جوزيف حبيس: قنصل سنغافورة العام وعميد السلك القنصلي في لبنان.

لولو شدياق: قنصل لبنان في بنين.

جيلبير شاغوري: سفير جزيرة سانتا لوتشيا لدى الأونيسكو.

أسعد شاغوري: قنصل لبنان الفخري في بنين.

رولان نبيه شمشوم: قنصل النيجير الفخري في لبنان.

فاديا رولان شمشوم: قنصل النيجر الفخري في لبنان.

رونالد شاغوري: سفير.

 

تصوير: المجند قاسم الطفيلي

المرجع

دراسة اجتماعية لنيل شهادة الدبلوم في علم الإجتماع ­ السيدة حسنا رومية بشارة.