- En
- Fr
- عربي
قضايا معاصرة
التوجّه نحو الإعلام الإلكتروني طريق لا بدّ منه
إثر ظهور الراديو والتلفزيون في خمسينيات القرن الماضي، تراجعت نسبة قرّاء الصحف، ومع ظهور الإنترنت في بداية التسعينيات استطاع الإعلام الإلكتروني أن يفرض واقعًا مختلفًا. فقد انتشرت المواقع والمدوّنات الإلكترونية، وظهرت صحف ومجلات إلكترونية، إضافة إلى المواقع الإلكترونية الخاصة بمحطات التلفزة والإذاعة. والدمج بين كل هذه الأنماط وتداخلها، أفرز قوالب إعلامية متنوّعة ومتعددة، بما لا يمكن حصره أو التنبؤ بإمكاناته.
وإزاء هذا الواقع يمكن القول إن الصحافة الورقية باتت في خطر داهم، ناهيك عن الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي قد تكون المسمار الأخير في نعشها.
ماذا يقول أهل الإختصاص وأصحاب الشأن عن مستقبل الصحافة الورقية في لبنان؟ وهل يعوّض الإعلام الإلكتروني عن غيابها؟
نقيب الصحافة
يؤكد نقيب الصحافة في لبنان عوني الكعكي أن «أزمة الصحافة اللبنانية قديمة العهد، بحيث أن عدد الامتيازات الصحفية يبلغ 110 (59 جريدة و51 مجلة)، ولا يصدر منها سوى عشرة في المئة فقط».
ويضيف: «إن مشكلة الصحافة الورقية هي مشكلة عالمية، فالتحوّل إلى الصحافة الإلكترونية واقع جديد علينا جميعًا مواكبته، لأن مقتضيات العصر والتطور التكنولوجي يفرضان ذلك».
وعن الدور الذي يمكن أن تؤديه نقابة الصحافة بهدف الحفاظ على استمرارية عمل الصحف اللبنانية، ولا سيّما أن لبنان كان «صحيفة العرب»، قال الكعكي: «لا يمكننا النوم على أمجاد الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فقد باتت المجتمعات العربية تملك إعلامها المتنوّع».
وأضاف: في المقابل لن نستسلم إزاء الواقع الأليم للصحافة الورقية في لبنان ونحن نعمل على إقرار مشروعي قانون:
الأول: يتضمن مجموعة من المطالب (15 مطلبًا) قد تساهم في تخفيف الأعباء عن الصحف اللبنانية، مثل تسعير الإعلانات الرسمية، وكذلك الإشتراكات، الإعفاءات من الضرائب، إضافة إلى دعم بعض المؤسـسات الرسمية كالمصرف المركزي وشركة طيران الشرق الأوسط...وسنقوم بجولة على المسؤولين لإقناعهم بجدوى إقرار هذا القانون في مجلسي الوزراء والنواب.
أما المشروع الثاني فما زال قيد الدرس، ويندرج تحت خانة الاستعانة بالمواهب الشابة ضمن مشروع مبتكر حول التطبيقات الإعلامية الإلكترونية، وذلك بالتعاون مع البنك المركزي الذي يشجّع الإبتكار والإبداع ويدعمهما. وعن المواقع الإلكترونية التي تنافس بمعظمها الصحافة الورقية، قال، «إن شريحة كبيرة من اللبنانيين لا تعرف شيئًا عن هذا العالم الجديد المتخصّص، وبالتالي فهي تحتاج إلى التطوير والتأهيل. المهم أننا نسير في هذا الطريق، ومعظم الصحف والمجلات أنشأت مواقع إلكترونية خاصة بها، وقد أصبح قانون الإعلام في مراحله النهائية، وهو بانتظار إقراره في المجلس النيابي». وأكد الكعكي أن « الصحافة الورقية اللبنانية هي في مرحلة الخطر الكبير بسبب الركود الإقتصادي، وتراجع نسبة الإعلانات وتوزّعها على نسبة كبيرة من المؤسـسات الإعلامية. كما أوضح أن كل مؤسـسة تحاول الصمود بطريقتها وبدعم من مصادرها الخاصة.
النقابة تدعم بالقدر المستطاع، وثمّة دعم بسيط تقدّمه الدولة، ولكن الأزمة الحالية صعبة جدًا».
وختم بالقول: على الرغم من كل ذلك، لا يمكننا إلا القول «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»، فالصحافة اللبنانية لن تزول، ثمّة الكثير من الصحف الأميركية والأوروبية توقّفت عن الصدور ورقيًا ومن ثم عادت.
نقيب المحررين
توقّف بعض الصحف عن الصدور بالنسخة الورقية، يخلّف وراءه مئات الإعلاميين والموظفين العاطلين في العمل، وهذا الأمر يتطلب دعمًا من الدولة ومن نقابة المحررين، التي تسعى جاهدة إلى تأمين الدعم اللازم لهم، وفق ما يؤكد نقيب محرّري الصحافة اللبنانية السيد الياس عون. وهو يضيف: «لسنا مع التحوّل إلى الصحافة الرقمية، لأننا لم نعرف خيرها من شرّها حتى اليوم، وثمّة الكثير من الصحف العالمية التي تحوّلت إلى رقمي بالكامل ومن ثم عادت إلى الصدور ورقيًا».
ويقول عون: «المشكلة في لبنان هي مادية بحتّة، ولا سيّما أن نسبة الإعلانات قد انخفضت كثيرًا في السنوات القليلة الماضية. أما بالنسبة إلى المحررين فقد أُقفلت الأبواب في وجههم ولا سيّما العربية منها، ولم يبقَ سوى ممّر دبي الذي بات لا يستوعب الكثير، في حين تّم الاستغناء عن المهارات اللبنانية، وأصبح العرب في حالة الاكتفاء الذاتي. وعلى الرغم من الأوضاع المالية الجيدة للمؤٍسـسات الإعلامية العربية، فإن الدولة في الكويت والسعودية مثلاً تدعم الصحف التي يفوق عدد صفحاتها الـ 60 صفحة، أما الدولة اللبنانية فتدعم نقابة المحررين بمبلغ زهيد جدًا، (نحو 500 مليون ليرة لبنانية سنويًا)، وبالتالي لا يمكن للنقابة دعم نحو 1500 محرر منتسب، في حين أن الدولة يمكنها المساعدة من خلال تعيين ملحقين إعلاميين في السفارات اللبنانية في العالم أسوة بالملحقين العسكريين».
ويضيف: من الضروري إعادة النظر بواقع جميع الاختصاصات في لبنان، بما يتوافق مع سوق العمل التي تشهد طفرة من الخريجين في مختلف المجالات، مثلاً تخرّج كلية الإعلام - الجامعة اللبنانية سنويًا نحو 800 – 900 إعلامي، ولا يمكن لسوق العمل اللبناني استيعابهم. يضاف إلى ذلك أن هؤلاء يواجهون منافسة شرسة من قبل خريجي كليات الآداب والعلوم السياسية، والعلوم الاجتماعية وحتى كلية الحقوق. وفي هذا الإطار أعتقد أنه من الضروري تعديل بعض مواد كلية الإعلام، كي يتسنّى للخريج مزاولة مهنة أخرى غير الصحافة، في حال عدم تمكّنه من ذلك.
أما في ما خصّ مواقع الإعلام الإلكتروني في لبنان، فيعتبر عون أن «ثمّة فوضى حاصلة في ظلّ غياب قانون ينظّم عمل هذه المواقع، ولا سيما لناحية سرقة المواد المدرجة على منصّاتها، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، إضافة إلى العمل من دون حسيب أو رقيب». وفي هذا المجال أشار إلى أن مشروع قانون الإعلام (المرئي، المسموع، المقروء والإلكتروني) الموجود في مجلس النواب، يأخذ بعين الاعتبار التطوّر التكنولوجي الذي فرض على الإعلاميين اكتساب مهارات عديدة.
أخيرًا أعرب عون عن تفاؤله معتبرًا أن الصحافة الورقية لن تموت، ولا يمكن للإعلام الإلكتروني أن يحلّ محلّها فلكل منهما خصائصه وقراؤه.
د. بشير: المحتوى الصحافي هو الثروة وقنوات النشر متعدّدة
من جهته يرى أستاذ دراسات المعلومات وتكنولوجيا الإعلام في الجامعة اللبنانية، الدكتور عماد بشير أن ما يثار الآن في لبنان حول توقّف بعض الصحف عن الصدور ورقيًا، أمر لم يكن مستبعدًا، لا بل كان متوقّعًا ومرغوبًا به من قبل بعض الناس.
ويوضح أن «معظم الدراسات الإعلامية التي تناولت الصحافة الإلكترونية، أو تطوّر بثّ المحتوى الصحافي، توقّعت اختفاء الصحافة الورقية في العالم، لكن الأمر سيختلف من دولة إلى آخرى، وذلك وفق الثقافة والتقاليد والعادات الاجتماعية لكل منها. فقد بات واضحًا أن العالم يتجّه اليوم نحو اللاورقي، في ما يخصّ النشر بمختلف أنواعه. وبالتالي، ليس بالأمر المستغرب أن يأتي يوم تعلن فيه جميع الصحف اللبنانية أو بعضها عن عدم توافر المحتوى الذي تنتجه على ورق لقرائها، ولكنها ستتابع تقديمه من خلال قنوات أخرى، قد تكون موقعًا إلكترونيًا أو تطبيقًا إلكترونيًا يتمّ تحميله على الهواتف الذكية أو الحواسيب اللوحية أو حتى عبر شاشات التلفزة، ما يعني أن التوقّف عن توصيل المحتوى إلى القراء ورقيًا، ما هو إلا توقّف لقناة من قنوات النشر. فالقول إن الصحافة الورقية سوف تتوقّف شيء، والقول إن العمل الصحافي سيتوقف شيء آخر، إذًا ثمّة أزمة محتوى وليس أزمة ورق يُتلف أو يُهدر».
ويروي د. بشير في هذا السياق حادثة حصلت معه، فيقول: أثناء إدارتي لكلية الإعلام زار الكلية رئيس تحرير إحدى الصحف اللبنانية، ووجهّت إليه سؤالاً عن عدد الصحف التي يملك، أجاب: «صحيفة واحدة» فأردفت معترضًا: «لديك صحيفتان، الأولى ورقية والثانية إلكترونية، ومع الوقت سوف تنسى الصحيفة الورقية، وتلتفت أكثر إلى الصحيفة الإلكترونية».
وأضاف: «قد تلجأ أي جريدة إلى التوقّف عن الصدور ورقيًا، إذا رأت أن عدد النسخ الموزّعة ليس كبيرًا، وأن الناس تتّجه إلى القراءة الإلكترونية. وسوف يتيح هذا التدبير أمامها فرصة التطوير في مجالات أخرى. لذلك فإن التركيز على بثّ المحتوى رقميًا
والاستثمار فيه بشكل كبير، سيوفّر للقرّاء فرصًا كبيرة جدًا، تمكّنهم من الوصول إلى المعلومات وتلقيها بأكثر من طريقة، وباستخدامها بأكثر من مكان وزمان، وبسرعة فائقة، وهذا الأمر يفرض على المؤسـسة الإعلامية تطوير تقنياتها المستخدمة في النشر الإلكتروني، كما يفرض على أي دولة التعامل بجدية أكثر مع هذا الموضوع، من خلال تأمين متطلبات الإعلام الرقمي، من تقنيات وتشريعات، تتيح العمل في هذه البيئة الرقمية الجديدة».
ورأى الدكتور بشير أن «قنوات البثّ وإيصال المحتوى إلى القراء، تختلف باختلاف رغباتهم. قد تفرض الظروف على بعض الصحف، التوقّف عن الصدور الورقي، ولكن وفق الحاجة، تعاود الصدور ورقيًا، تمامًا كما حصل مع بعض الصحف والمجلات العالمية. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنه يمكن طباعة أي صحيفة عالمية يرغب المرء بقرائتها، بواسطة شركة خدمات صحافية مراكزها منتشرة في معظم أنحاء العالم، علمًا أن هذه الخدمة تتيح للقارئ خيار انتقاء صفحات معيّنة».
خصائص الإعلام الإلكتروني
وعن خصائص عمل الموقع الإعلامي الإلكتروني أوضح أن «للصحافة الرقمية خصائص على مستوى إنتاج الخبر وكتابة القصة الصحافية، لناحية الالتفات أكثر إلى «الثبات» في كتابة أسماء الأشخاص والمؤسسات والأماكن...الخ، بالأحرف المعتمدة نفسها في كل المرات Consistency. وكذلك لناحية حجم القصة الصحافية وشكلها ومدة الوقت الذي يستهلكه المستخدم في البحث عنها واسترجاعها. فالعمل من خلال المطبوعة فقط، قد يضيّع المحتوى مستقبلاً، بينما العمل من خلال الموقع الإلكتروني يطوّر استخدام المحتوى القديم، ويسمح بالعودة إليه والربط معه وتوسيع آراء القرّاء وتنويرهم. فمن يقرأ إلكترونيًا تتاح أمامه عدة فرص، منها الإطلاع على معلومات مرتبطة بالموضوع بطريقة أسهل وفي عدّة مواقـع يشتــرط أن يكــون الموقــع الذي يستخدمــه مزوّدًا خاصيتــي الرقميــة والتشعيــب «Hypertex وDigitization».
وأكد أن الإعلام المرئي والمسموع، هما المسبّبان الرئيسان للتراجع في قراءة الصحف الورقية. فالناس لم تعد ترغب بقراءة المطوّلات، لقد أصبح الخبر اليوم مُشاهدًا. ومع أن التلفزيونات تعتمد على الصحافة في الكثير من الأحيان، فإن الموقع الرقمي أو الإلكتروني المُنشأ بطريقة صحيحة، ينافس التلفزيون أيضًا، لأنه ينشر النص المربوط بالصورة وبالفيديو وبالصوت وبنصوص أخرى، ويتيح مجال التعليق على الخبر ومشاركته والتفاعل معه.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن هناك صحفًا إلكترونية لبنانية لا تسمح عمومًا بالتعليق على الأخبار، على عكس ما تدّعي، وكذلك التلفزيونات الفضائية اللبنانية التي هي في الحقيقة محطات تلفزيونية أرضية، ولكنها متوافرة فضائيًا. إن التلفزيون الفضائي، هو التلفزيون الجديد، وهو من وسائل الإعلام التفاعلية الحديثة، حيث يمكننا متابعة نشرة الأخبار في الوقت الذي نريد، ومعرفة تفاصيل أي فيلم، وما وراء الأحداث وأسماء الأبطال، من خلال كبسة زر Text Mode...
الرقمي والورقي
وبالعودة إلى أسباب المشكلة التي تواجه الصحافة في لبنان أوضح بشير أن: «الواقع الحالي ناتج عن انخفاض في نسبة الإعلانات بشكل عام وخصوصًا في الصحافة الورقية. فالمعلن توجّه نحو المواقع الإلكترونية، حيث أن خياراته باتت أوسع وأشمل، ولم تعد محصورة بنشرة أخبار أو بجريدة، بل أنها تشمل محركات البحث وأدلّة المواقع وشبكات التواصل الإجتماعي. ويحقق الموقع الإلكتروتي أرباحًا من الإعلانات التي تُحدّد نسبتها وفق نسبة عدد الزائرين Visitors أو المستخدمين Users، وعدد الزيارات. كما أن محرّك البحث غوغل يدفع مبالغ مالية، لبعض المواقع الإخبارية الإلكترونية في العالم ومنها مواقع لبنانية، نظرًا إلى حاجته لتمرير بعض الإعلانات أو القضايا المعينة عبر منصّاتها».
ويؤكد الدكتور بشير أن «النشر رقميًا هو أفضل من النشر ورقيًا، إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية استهلاك الورق، كما أن الحبر يؤدي إلى ضرر في الصحة. وما من شك أن شريحة من الناس ستتأثر بغياب الصحافة الورقية، لأنها معتادة على قراءتها وهي تتلمّس الورق وتشتمّ رائحة الحبر، ولكنها سوف تعتاد مع الوقت على الواقع الجديد وعلى وسائل النشر الأخرى، وسوف تطوّر نفسها، لأن من يحتاج إلى المحتوى سوف يبحث عنه في أي وسيلة. فالقضية الأساسية هي قضية محتوى، والصحيفة لا تقيّم بورقها بل بالمحتوى الذي تتضمنه وبأرشيفها، ولا سيّما إذا كان متوافرًا رقميًّا، فهو يعتبر قيمة بحدّ ذاته، بحيث يعاد إنتاجه وبثّه وتوظيفه بطرق مختلفة».
وفي سياق الحلول التي تلائم الواقع والعصر، قال: «إثر بروز طلائع أزمة تهددّ استمرارية الصحافة الورقية في لبنان، طُرحت عدة حلول، منها ضرورة دعم المؤسـسات الإعلامية لضمان استمرارية عملها، وذلك ضمن عناوين حرية التعبير وحرية النشر».
وفي السياق نفسه أقترح أن تعمل وزارة الإعلام اللبنانية أو نقابة الصحافة، بالتعاون مع شركات الاتصالات وموفري خدمات الإنترنت على تطوير تطبيق إلكتروني، يدمج كل محتوى الصحافة اللبنانية العاملة في لبنان في بوتقة واحدة، ويجعله في متناول القراء يوميًا، بقنوات مختلفة (هواتف ذكية أو حواسيب لوحية...) على أن يتمّ تصنيفه داخل التطبيق على مستوى الموضوع والحدث والمكان، عندها تتعزّز المنافسة من خلال تقديم المعلومة المتنوّعة. والأهم من ذلك، تخزين هذا المحتوى وإعادة إنتاجه وبيعه تحت عنوان «تسليع المحتوى»، وتوزيع الريع العائد من الإشتراكات بهذا التطبيق ومن استخداماته، علــى المؤسـسات الإعلامية. ولهذا التدبير أهميته على اعتبار أن وجود الصحف اللبنانية مجتمعة في مكان واحد، يفرض على المستخدم التعرّف على الرأي الآخر في وسيلة أخرى قد لا يلجأ إليها تلقائيًا. ومع هذا التطبيق وتوفيره لعامة الناس، ربما يجوز الحديث عن دعم وسائل الإعلام من المال العام. فالتركيز اليوم على الاستثمار بالإعلام الرقمي، أهم من الاستثمار بالإعلام الورقي، لأنه تعبير عن رقيّ، وارتقاء إلى مستوى المعرفة، وتأهيل على مستوى المهارات للذين سبقتهم التكنولوجيا.
وأكد أخيرًا أن «لبنان بلد الإعلام والحرية والتعدّدية، واللبناني يطلّ على العالم الخارجي من خلال مهاراته الإعلاميه وقدراته الإبداعية الفائقة في أهم صناعة حديثة مهمة، وهي صناعة المحتوى وصناعة المعرفة في ظلّ اقتصاد المعرفة. والتوقّف عن النشر ورقيًا ليس أزمة، إلا أن الأزمة هي أن يمتنع الصحافيون عن العمل بحرية، وتُحجب حقوقهم وحوافزهم، لردعهم عن متابعة العمل والإنتاج والإبتكار. والأزمة هي أيضًا في انتهاك قوانين القدح والذمّ والتشهير، وعدم تطبيق قانون حماية الملكية الفكرية. والمطلوب اليوم هو تطوير البنى التحتية لشبكة الإنترنت، وتوفير التشريعات الضرورية لتنظيم عمل المواقع الإلكترونية وتطبيق قانون حماية الملكية الفكرية».
الحاج
يرى رئيس الصفحة الإقتصادية في جريدة «السفير» عدنان الحاج أن ثمّة عوامل كثيرة تضع الصحافة الورقية في لبنان أمام خطر الزوال، وأهمها: إزدهار عمل المواقع الإلكترونية ورغبة جيل الشباب بالتصفّح إلكترونيًا، الإنكماش الإقتصادي في العالم وتراجع نسبة مؤشراته، إنخفاض أسعار النفط وانخفاض عائدات الإعلانات بنسبة 70 في المئة في السنتين الأخيرتين، تراجع عائدات نسبة تحويلات المغتربين إلى أقل من 7 مليارات دولار في العام 2015 وتراجع الدعم الخارجي للإعلام.
وأضاف: «كان لبنان جريدة العرب، والأول في الإعلان في العالم العربي، ولكن للأسف تقدّمت عليه بعض الدول العربية في هذا المجال ولاسيّما دبي وقطر».
وقد انعكس هذا الواقع على سوق الصحافة الورقية في لبنان، مثلاً كانت صحيفة «النهار»، تطبع 33 ألف نسخة ورقية في اليوم وكذلك «السفير»، وانخفض هذا العدد إلى 14 ألف نسخة يوميًا.
كما أن الفرز السياسي الكبير القائم في لبنان، أثّر كثيرًا على مداخيل الصحف، بحيث أن كل قارىء لحق بفريقه السياسي وبالمؤسـسة الإعلامية التابعة له.
وختم عدنان الحاج بالقول: نحن اليوم أمام أزمة صحافة وأزمة حريات، والمواقع الإلكترونية التابعة للصحف اللبنانية هـي مواقع منافسة لها، علمًا أن هذه المواقع لا تطبّق المعايير المهنية العالمية. وما يزيد المشكلة تعقيدًا هو أن الموقع الإلكتروني لا يحتاج لأكثر من 25 موظفًا، في حين أن إدارة الجريدة تضمّ نحو مئة موظف على الأقل.
الإعلام الإلكتروني وبداياته
نشأ الإعلام الإلكتروني ونما بطريقة عشوائية، إثر تطّور الشبكة المعلوماتية العالمية (الإنترنت) وتزايد استخداماتها. وهو لم يكن نتاج تطوير للإعلام التقليدي أو تهميش له، بل أنه نموذج إعلامي مغاير، سواء في عمل المراسل الصحفي، أو في آليات عمله الحديثة، أو في المحتوى المعرفي...
ويؤكد العالم البريطاني سايمون باينز Simon Baines أن نشأة الإعلام الإلكتروني تعود إلى ظهور خدمة تلتكستTeletext في العام 1976، بين مؤسـستي بي بي سي BBCوإنديبندنت برودكاستنغ Independent broadcasting IBA، بعد عقد إتفاقية تبادل معلومات وخدمة اتصالات وفق نظام خاص. وفي العام 1979 ولدت خدمة ثانية أكثر تفاعلية عرفت بخدمة فيديوتكستVideotext مع نظام بريستل Prestel على يد مؤسـسة بريتيش تلفون أوثوريتي British Telephone Authority-BTA - British ثم تطورت الخدمة في بداية التسعينيات، وأحدثت ثورة على جميع المستويات...
بعد ذلك انتشر الإعلام الإلكتروني ليشمل ظهور عدد من الصحف والمجلات الإلكترونية، والتي شكّلت في حينها ظاهرة إعلامية جديدة مرتبطة بثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما ظهرت المواقع والمدوّنات الإلكترونية التي فتحت عدة آفاق أمام الجمهور، باعتبارها وسائل سريعة الإنتشار ومنخفضة الكلفة. وتعتبر الصحيفة السويدية هيلسينغبوغ داغبلاد Helsingborgs Dagblad الصحيفة الأولى في العالم، التي نُشرت إلكترونيًا بالكامل على شبكة الإنترنت في العام 1990. وعلى صعيد الصحافة العربية أعلنت صحيفة «الشرق الأوسط» في أيلول 1995عن توافر موادها الصحفية اليومية إلكترونيًا للقراء على شكل صور عبر شبكة الإنترنت، تلتها صحيفة «النهار» التي أصدرت طبعة إلكترونية يومية خاصة بالشبكة في شهر شباط 1996، ثم صحيفتا «الحياة» و« السفير» في العام نفسه.