سلامتكم تهمنا

يواجه المواطن مشاكل كثيرة ومعقدة في تنقّله على الطرق في لبنان، يعود بعضها الى قدم الشبكة وعدم تجهيزها بالمطلوب لملاءمة العصر والسيارات الحديثة السريعة، (وهذه مسؤوليات الدولة)، ويعود بعضها الآخر الى جهل المواطن، أو بالأصح، تجاهله أنظمة السير وعدم احترامه نفسه والآخرين، مما يزيد أزمة السير ويفاقمها. ما هي المشاكل؟ وما هي الحلول لهذه الأزمة التي توصف بالمستعصية؟

المشاكل ذات الصلة بشبكة المواصلات وبوضع الطرق

إن عدم قدرة شبكة الطرق القديمة على استيعاب ازدياد حركة السير، وسوء حالها، هي من المشاهد المألوفة. ولولا انجاز بعض المشاريع الحديثة على امتداد الخط الساحلي أو ضمن مدينة بيروت وضواحيها، لكان المشهد مرعباً. فإذا كانت الشبكة القديمة صالحة ذات يوم لتأمين السير وسلامته واستيعاب حركته، إلا أنّها لم تعد تفي بمتطلبات الواقع الناتج من النمو السكاني المتزايد ونشوء تجمعات سكنية كثيفة في ضواحي العاصمة وازدياد عدد السيارات ازدياداً كبيراً، بحيث باتت الحاجة ماسة الى صياغة رؤية جديدة غير تقليدية لتنظيم السير في لبنان.

. الطرق والشوارع داخل المدن والضواحي:
- تحسين وضع الطرق والتقاطعات وفقاً لأولويات تنطلق من نسبة حوادث السير التي تحصل عليها وفظاعتها، وتحديد السرعة القصوى (وبالتالي تأمين سلامة السير).
- تهدئة السير (Traffic calming) بواسطة الوسائل التقنية التالية: اعتماد الممرات المتعرجة (Chicanes) بحيث يرى السائق أمامه مشهداً ملتوياً (Zigzagged Road) بدلاً من خط واضح ومستقيم (Straight Road).
هذا التغيير المفاجئ يجبره على تخفيف سرعته الى ما دون ال30 كلم في الساعة؛ واعتماد ما يسمى ب Speed Tables، Speed humps وSpeed bumps وهي، وبدون الدخول في الفوارق التقنية بينها، عبارة عن مطبات (Raised Surfaces) مصنوعة من اللبن الأحمر الساطع (Bright Red Brick) أو من الاسفلت (Asphalt) تمتد بين طرفي الطريق وتجبر السائق على تخفيف سرعته الى ما بين 25 و40 كلم في الساعة؛ ويمكنه ايضاً اعتماد ال Bulbouts وهي حافات (Curbs) تدخل الطريق  (Juts into the Street) من أجل تقليص عرضه وفقاً لأشكال محددة، وهي ترغم السائق على تخفيف سرعته الى حدود 25 كلم في الساعة. يضاف الى ذلك اعتماد ما يسمى Traffic Circles وهي مستديرات مزينة بالأزهار عادة تؤدي الى تخفيف السرعة إلى ما بين 25 و40 كلم في الساعة، أو ال Traffic Islands وهي عبارة عن جزر تؤدي الى تجميل الطرق والى خفض السرعة الى ما بين 15 و25 كلم في الساعة.
- تحديد خطوط سير السيارات والمركبات الآلية في بعض الأحيان وبقدر الإمكان.
- تحديد خطوط أو إنشاء أمكنة للمشاة والدراجات الهوائية.
- تأمين صيانة منظمة للطرق خلال السنة ووضع تدابير السلامة في الخدمة مثل، استعمال وسائل التحذير الالكترونية (Electronic Warning Devices) وتدريب عمال الطرق على نظم السلامة بغية حمايتهم، وحماية رواد الطرق وتأمين مرورهم بسلامة في مراكز الأشغال.

. الطرق بين المدن والقرى:
أما بالنسبة الى الطرق التي تربط المدن والقرى، فإن الإجراءات التالية ضرورية:
- إزالة عناصر الخطر عن بعض الطرق أو تخفيضها.
- تحديد خطوط سير مختلفة لكل من أنواع السيارات والمركبات الآلية، ووضع حواجز أمان في الأماكن الخطرة.
- تلبيس الطرق مواداً تمنع الانزلاق، ومواداً عاكسة للضوء في الليل لتحسين الرؤية.
- الحد من إمكان التجاوز في بعض المواقع، خصوصاً في الأماكن الخطرة.
- القيام بأعمال الصيانة على مدار السنة.
- اعتماد المستديرات (Roundabouts) لتحل محل التقاطعات في بعض الأماكن.
- إنشاء ما يسمى ب اArrestor Bedsب للتخفيف من خطورة حوادث سير الآليات الثقيلة التي فقدت السيطرة عليها.

المشاكل ذات الصلة بالعنصر البشري

المشاكل ذات الصلة بالعنصر البشري هي من العوامل التي لم تولَ حتى الآن الاهتمام الضروري والكافي بصفتها أحد الأسباب الرئيسية لهذه المشاكل. إن مراقبة ولو سطحية لسلوك السائق تظهر مؤشرات في غاية الخطورة وتدل على عمق تجذّر قسم كبير من المشاكل في هذا السلوك. فالتذمر الدائم من حالة الطرق هو في موقعه من دون شك، إلا أن معالجة مشاكل السير في لبنان لا يمكن أن تقتصر فقط على تحسين شبكة المواصلات وتحسين وضع الطرق.
في هذا السياق أمران لا بد من الإشارة إليهما:
. إرتباط السائق اللبناني بسيارته:
إن ارتباط السائق اللبناني بسيارته الخاصة واعتماده عليها وسيلة لنقله لأسباب قد تتعلق بعدم تطور شبكة وسائل النقل العام في الوقت الحاضر، أو قد تنتج من أسباب ودوافع شخصية واجتماعية تتمثّل في نظرته الى ذاته والى تقييم هذه الذات من خلال اقتناء السيارة والتنقل بها مما يشعره بالتمايز عن سواه. ان معالجة صحيحة لهذا الواقع تبدأ باعتماد نظام نقل عام فعّال ومتطور ومتعدد الوسائل من شأنه أن يحرر المواطن اللبناني من تبعيته لسيارته الخاصة ويؤثر بالتالي بنسبة عالية في حل بعض مشاكل السير.
. سلوك السائق:
يتمثل الأمر الثاني بسلوك السائق. فمن المألوف ملاحظة توقف سائقي السيارات والمركبات الآلية على خط السير فجأة وبدون سابق إنذار، أو توقيف هذه المركبات عشوائياً خصوصاً قرب المدارس والتقاطعات، أو إقدامهم على الالتفاف أو الانسحاب الى مخارج الطرق العامة والخاصة من دون إعطاء أية إشارة مسبقة، أو تغيير وجهة السير، أو سلوك الطرق بعكس اتجاه السير، أو إقحام المركبة في أية فسحة ممكنة بين السيارات خلال أوقات ازدحام السير، أو تجاوز السيارات الأخرى على جهة اليمين، أو القيادة بسرعة فائقة وبدون مسؤولية خصوصاً بين السائقين الشبان أو سائقي الشاحنات. تعود هذه المشاكل في جزء منها الى جهل قواعد قيادة السيارات أحياناً وأصولها، والى تجاهلها أحياناً أخرى، وفي كل الأحوال الى إنعدام الشعور بالمسؤولية وبالانتماء الاجتماعي والتصرف بالتالي بوحي الأنانية المفرطة.

الحلول

يجب التفتيش عن الحلول لمشاكل السير على مستويات عدة: تثقيفي، تدريبي، رقابي.
. المستوى الثقافي:
إن اعتماد التثقيف والإرشاد بالوسائل المتاحة من إعلامية وغيرها وعبر برامج متخصصة أمر ضروري للنهوض من هذا المستنقع. هذه العملية يجب أن تبدأ فوراً وباكراً لتشمل الصغار والمشاة والراشدين من السائقين ومن الأفراد المولجين تطبيق قوانين السير (من عناصر قوى الأمن الداخلي، عناصر الشرطة البلدية وسواهم).
. المستوى التدريبي:
إن التدريب الصحيح على قيادة سليمة يجب أن يتم على أيدي خبراء محترفين ومتمرسين في عملهم، وفي ظروف يؤدي فيها التدريب الغاية المتوخاة منه.
ومرحلة التدريب هذه غالباً ما تمتد في الدول المتقدمة لفترة لا تقل عن ستة أشهر يرافق فيها المدرب الخبير السائق المتمرن في تنقلاته، وقد يخضع فيها السائق لضغوط تمارس عليه لمعرفة ردود فعله.
. المستوى التنظيمي والرقابي:
إن قيام عناصر قوى الأمن الداخلي أو أفراد من الشرطة البلدية بتنظيم حركة السير، خصوصاً في مدينة بيروت وبعض ضواحيها يظهر فعالية ملموسة في تنظيم هذه الحركة، إلا أنه يبقى غير كاف في الوقت الحاضر نظراً الى عدم تجهيز الطرق والشوارع بالإشارات الضوئية تجهيزاً كافياً، مما يلقي بعبء تنظيم السير على عناصر قليلة العدد تحتاج الى دورات تدريبية كثيفة لبلوغ مستويات عالية من الكفاءة في أداء مهماتها. الى ذلك، ان دور عناصر قوى الأمن الداخلي في ضبط مخالفات لا يمكن وصفه بالرادع للفوضى. وتسهيل عمل أفراد قوى الأمن الداخلي في ممارسة أعمال الرقابة وضبط المخالفات يفترض تزويدهم بالأجهزة الضرورية لضبط السرعة، وتوسيع صلاحياتهم لدى قيامهم بضبط المخالفات ولا سيما الكبيرة.

إن الاهتمام بمعالجة فئتي المشاكل المنوّه بها  من شأنه الحد بنسبة كبيرة من مشاكل السير في لبنان. واعتماد الحلول البسيطة وتنفيذها وفقاً للأصول الفنية المفروضة مقروناً بتقيّد السائق اللبناني بقوانين السير وبالأصول التي تحكم العلاقات الاجتماعية، من شأنه أن يشكل معالجة فعالة وغير مكلفة في المدى الزمني المنظور، وهو ما يمكن تلمّس نتائجه بسرعة وبصورة مباشرة. إلا أن معالجة مجمل مشاكل السير لا بدّ من أن تتم من خلال تصور عام يوضع بالتنسيق بين الوزارات والهيئات والجهات المختصة.

المشاكل بشكل عام!

من مشاكل السير، على سبيل المثال وليس الحصر: عدم صيانة الطرق وفق التقنيات والأصول المفروضة قانوناً، وجود الحفريات في الطرق والشوارع - المزروعة أيضاً وعشوائياً بالمطبّات غير المدروسة هندسياً، عدم وجود وسائل هندسية لتخفيف السرعة خصوصاً في الأماكن السكنية والتجارية، عدم الفصل بين مسارات الآليات المختلفة على بعض الطرق، عدم تحديد جوانب الطرق والمسارات في غالب الأحيان، عدم الأخذ بعين الاعتبار الكثافة السكانية المحتملة عند تخطيط شبكة الطرق. يضاف الى ذلك قلة إشارات السير والافتقار الى إشارات تتعلق بسلامة السير، والى إنارة الطرق، وعدم مراعاة المسافات المفروضة لتمكين السائق من رؤية التقاطعات أو العوائق على أنواعها، وعدم تحديد الطرق التي يمنع فيها التجاوز، والحالة السيئة لمسطحات بعض الطرق، وانعدام وجود قنوات تصريف المياه او عدم فعاليتها. معالجة هذه المشاكل لا تثير صعوبات فنية أو عملية خاصة، إنما تقتضي اعتماد الوسائل الملائمة وإتمام عمليات التنفيذ وفقاً للأصول الهندسية والفنية بكل دقة وإخلاص. يضاف الى ذلك:
. وجوب القيام ببعض الإجراءات لتأمين سلامة السير داخل المدن والقرى وفي ما بينها.
. تطبيق القانون بحذافيره أولاً وثانياً وثالثا، وعلى الجميع.