هو وهي

معًا، نسير ونعمل لحياةٍ أفضل
إعداد: ريما سليم ضوميط

يثار الكثير من الجدل في أيّامنا هذه حول ضرورة إعادة توزيع الأدوار داخل الأسرة بين الرجل والمرأة، وذلك بسبب الصعوبات التي تلاقيها الأخيرة في التوفيق بين واجباتها المنزليّة وعملها خارج المنزل، بالإضافة إلى دورها كزوجة وأم. وفيما باشرت بعض العائلات تجارب ناجحة تقوم على التعاون التام بين الزوجين، لا يزال البعض منها متمسّك بموقفه الناتج عن ثقافة ذكوريّة تسود مجتمعنا الشرقي وترى في الرجل بطاقة مصرفيّة بدلًا من أن يكون شريكًا في السرّاء والضرّاء...

 

إعادة توزيع الأدوار ضرورة
يؤكّد الإختصاصي في علم النفس العيادي المؤهّل عمّار محمّد أن التغيّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي طالت مجتمعنا، فرضت خروج المرأة إلى ميدان العمل إلى جانب زوجها لتلبية حاجات الحياة العصريّة، ونتج عن ذلك حتميّة إعادة توزيع الأدوار في المنزل بين الرجل والمرأة بما يتناسب مع متطلّبات الحياة اليوميّة، وذلك لتخفيف الضغوط والأعباء عن جميع أفراد الأسرة. فإذا كان دور الرجل في السابق يقتصر على دعم المرأة وتأمين احتياجات الأسرة الماديّة، إلّا أن الواقع المتغيّر اليوم يفرض أدوارًا ومسؤوليّات أخرى لربّ الأسرة، وفي مقدّمها المشاركة العمليّة في الاهتمام بشؤون البيت ورعاية الأولاد. فقد حان الوقت لتخلّي بعض الآباء عن الوظيفة التي ارتضوها لأنفسهم «كآلة لسحب النقود»، واسترجاع دورهم الأساسي كركنٍ للمنزل يتم على أساسه نجاح بناء الأسرة على مختلف الأصعدة الحياتيّة. وهنا يفترض بالمرأة الوقوف إلى جانب زوجها في توزيع جديدٍ للأدوار يخفّف عنها الأعباء التي ترهقها، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف زوجها المهنيّة والاجتماعية، فلا تثقل كاهله هو الآخر بالضغوطات والمسؤوليات.

 

هل من آليّة معيّنة لتوزيع الأدوار؟
ليس هناك وصفة سحريّة لتوزيع الأدوار تناسب جميع الأزواج وفق ما يوضح المؤهّل محمّد، وإنما هناك تسويات يجب الاتفاق عليها بين الزوجين تراعي ظروفهما واحتياجاتهما الخاصة. فما يمكن تطبيقه على أسرة معيّنة، قد لا يناسب أسرة أخرى، وذلك لأن ظروفًا اجتماعيّة واقتصاديّة أو حتى صحيّة قد تختلف بين عائلة وأخرى، فتفرض بالتالي شروطها الخاصّة. ولكنّه يؤكّد في الوقت نفسه، أن المهم هو الانطلاق من فكرة المشاركة ومن ثم تحديد الأطر المناسبة لها. ويوضح أن المسؤوليّات الأساسيّة التي يجب المشاركة بها هي تربية الأولاد وتدبير أمور المنزل. ويقترح أن يقوم الزوجان بإعداد لائحة تتضمّن في شقٍّ منها المسؤوليّات المتعلّقة بالأولاد، وفي الشقّ الآخر المهمّات المنزليّة، ومن ثم الجلوس معًا للاتفاق على كيفيّة توزيعها بما يرضي كليهما. ويضيف، ليس من الضروري تقسيم العمل مناصفة لكي يكون التوزيع عادلًا، وإنّما المهم تحديد مسؤوليّة كل من الطرفين، بمعنى أن يتحدّد بوضوح من يتولّى ماذا، وكيف، ومتى... وهو يقترح أيضًا أن تتضمّن اللائحة الواجبات اليوميّة كتدريس الأولاد، وتنظيف المنزل، والمهمّات الأسبوعيّة كزيارة السوبرماركت، أو مواكبة الأولاد في نشاطاتهم الرياضيّة، إضافة إلى المسؤوليات الدوريّة كمراجعة الطبيب ولقاحات الأولاد. ويلفت إلى أهمّية مراعاة الوقت في تقسيم المهمّات، فبعض المهام تبدو بسيطة لكن تنفيذها قد يحتاج إلى وقتٍ طويل، مثل إيصال الأولاد إلى النادي الرياضي وانتظارهم إلى حين انتهاء النشاط الذي يقومون به. هذه المهمّة مثلًا، لا تتطلّب جهدًا وإنما تحتاج إلى تخصيص وقتٍ كافٍ لها.

 

إيجابيات الشراكة
يؤكّد المؤهّل عمّار أن فوائد المشاركة في توزيع المسؤوليّات لا تقتصر على تخفيف الأعباء عن الطرفين، وإنّما هي تعزّز المودّة بين الزوجين أيضًا. فقد أظهرت الدراسات أن مشاركة الآباء في العناية بالأولاد تمنح المرأة شعورًا كبيرًا بالرضى والاكتفاء، لأن المرأة تهتم كثيرًا بتمتين الروابط بين الأب وأولاده. في المقابل، يشعر الزوج بالارتياح لعلمه أنّ هناك من يقف إلى جانبه في مواجهة أعباء الحياة، كما يشعر بالرضى الذاتي عندما تقدّر زوجته الجهود التي يبذلها للنهوض بأعباء أسرته.
في الإطار نفسه يشير المؤهّل عمّار إلى أن التعاون بين الزوجين يترك آثارًا إيجابيّة لدى الأولاد الذين يشعرون بالأمان في كنف عائلة يعمل فيها الوالدان يدًا بيد لما فيه خير أسرتهما، وهما بذلك يشكّلان نموذجًا لأولادهما يقتدون به لاحقًا في تأسيس عائلاتهم على مبدأ التعاون والاحترام. وقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين حظيوا بوجودٍ فعّال لآبائهم في سنوات الطفولة، أظهروا مشاكل سلوكيّة أقل بكثير من غيرهم، كما أبدوا تقدّمًا في دراستهم، وأظهروا في مرحلة النضوج تميّزًا في حياتهم الاجتماعيّة.
ويختم المؤهّل عمّار بالقول إن عددًا من الأزواج في مجتمعنا قد نجح في توزيع الأدوار داخل الأسرة بشكل مناسب يرضي جميع الأطراف. وقد أظهرت تجارب هؤلاء نتائج إيجابيّة، أبرزها توافر فسحات من الراحة للزوجين، استفادا منها لتجديد نشاطهما والاستمتاع برفقة بعضهما البعض.
في المقابل، لا يـزال هناك عـدد كبير من الأزواج الذين يرفضون فكرة المشاركة في المهمّـات المنزليّة والأسـريّة، ويدفعون ثمن رفضهم هذا تقصيرًا في الواجبات والمسؤوليّات، إضافة إلى المشاكل والخلافات الناتجة عن شعور أحد الطرفين بالغبن والاستياء، ما يولّد لديه شعورًا بالظلم والضغينة تجاه الآخر.