تربية وطفولة

من أضراره خلل دائم في نمو الدماغ البشري
إعداد: ريما سليم ضوميط


العنف اللفظي ضد الأطفال سلوك
مرفوض يجب حذفه من قاموس التربية

ما بين الواجبات الأسريّة والأعباء الحياتيّة ومسؤوليّات العمل، يجد الأهل أنفسهم منهكين ومحبطين، وقد يفجّرون غضبهم وإحباطهم انتقادات لاذعة ونعوت مدمّرة، تنطلق كالرصاص باتجاه أطفالهم «العزل» وتترك جروحًا قد لا تندمل أبدًا.


نقد وتحقير وسخرية
يشير الاختصاصيون في التربية إلى وجود عدة مظاهر للعنف اللفظي الموجّه ضد الأطفال، ويعرضون أبرزها على الشكل الآتي:
• الشتائم والتحقير، والنعوت المسيئة (أنت ولد غبي، أنت طفل فاسد وعديم الفائدة). وهو أسلوب يحطّ من اعتداد الطفل بنفسه وينتقص من كبريائه.
• الرفض والتهديد بالهجر (أتمنى لو أنك لم تولد! أرغب بترك المنزل كي لا أراك بعد اليوم). هذا النوع من الإساءة اللفظية يخلق شعورًا لدى الطفل بأنه غير محبوب وغير مرغوب به داخل أسرته.
• الانتقادات غير المباشرة، مثل تحقير الطفل أمام الزوج (إبنك لا يحتمل، فهو مشاكس وعديم المسؤولية). وهذا النوع من النقد لا يقل أذى عن النقد المباشر لأن الطفل في كلا الحالتين يسمع الإهانة ويشعر بها.
• الصراخ والتهديد بالأذى الجسدي (سأضربك بالحزام إلى أن تسيل دماؤك). وتؤكّد الدراسات التي قامت بها جامعة هارفرد ارتباط التهديد اللفظي بالعنف الجسدي، إذ أظهرت أن الأهل الذين يصرخون ويتوعّدون هم في الغالب ممن يضربون أولادهم. وتضيف الدراسات أنه حتى لو لم يعمل الأهل بالتهديدات العنيفة، فإن مجرّد التفوّه بها يربك الطفل ويخيفه ويعرّضه لأن يفقد الثقة بهما.
• استخدام الطفل كبشًا للمحرقة وإلقاء اللوم عليه (أنت السبب في خلافي المستمر مع الجيران... لولا أنانيّتك لما اضطررت لشراء لعبة جديدة لأخيك...). هذا الأسلوب يدفع الطفل إلى التفكير بأنه إنسان سيّىء لا يستحقّ السعادة والاهتمام.
• عدم الاحترام والسخرية (برافو، لقد أوقعت الحليب على كتابك المدرسي!). إن التفوّه بتعبير ساخر كهذا قد لا يبدو مؤذيًا كونه لا يحمل نبرة عنف، ولكن الطفل يملك ما يكفي من الإدراك ليفهم الإهانة الموجّهة إليه.

 

تدمير الذات وتعطيل الإبداع
على عكس العنف الجسدي الذي تظهرآثاره للعين مباشرة، فإن العنف اللفظي لا يمكن مشاهدة جروحه، ومع ذلك فإنها تترك ندوبًا في النفس قد لا تمحى طوال العمر.
من آثار العنف اللفظي على الطفل تدنّي مستوى تقدير الذات وانهيار الثقة بالنفس، ما يمكن أن يؤدّي إلى محاولة تدمير الذات عبر إيذاء النفس جسديًّا، وقد يظهر بعض الأطفال سلوكًا عدائيًّا تجاه غيرهم من الصغار يتمثّل بالضرب أو الشجار. إضافة إلى ذلك، يؤدي العنف إلى إعاقة النمو العاطفي للطفل، الذي يشعر بأنه غير محبوب داخل أسرته، كما يسبّب تعطيل طاقاته الإبداعيّة، وذلك نتيجة شعوره المضطرب واقتناعه بأنه إنسان فاشل. وفي هذا الإطار تشير الدراسات إلى وجود ارتباط وثيق بين تقدير الذات والتحصيل الدراسي، فالطفل الذي يفتقد إلى الثقة بالنفس يخاف من المبادرة بأي عمل أو إنجاز لأنه يخاف الفشل والتأنيب، لذا تراه متردّدًا وعاجزًا عن أن يبرع في أي مجال، كما أن شعوره بالضعف وعدم القدرة على تحمّل المسؤوليّة يمكن أن يمنعه من الاندماج في نشاطات داخل المجموعة، ويمكن أن يودي به إلى السلوك العدائي أو إلى الإنعزال عن المجتمع.
الجدير بالذكر أن تداعيات العنف تستمر وترافق الإنسان إلى مرحلة النضوج، حيث أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين تعرّضوا لعنف لفظي في طفولتهم معرّضون بنسبة أكبر للإصابة بالاكتئاب والانطواء على الذات، إضافة إلى التصرّف العدائي والقلق واضطرابات النوم، مع ارتفاع نسبة الوقوع في فخ الإدمان على أنواعه، وإلحاق الأذى بالنفس.
أما أبرز أخطار العنف اللفظي فهو تسبّبه بضرر دائم في تركيب الدماغ البشري ونموّه وتطوّره، وذلك بحسب ما أكّده الباحث مارتن تاتشر وزملاؤه في كلية الطب في جامعة هارفرد، حيث تبيّن لهم نتيجة دراسات وأبحاث أن العنف اللفظي والنفسي يؤديان إلى أضرار دائمة في طريقة تكوين الدماغ تبقى مدى الحياة كجروح وندوب فيه. فالعقل البشري يتكوّن وينمو ويتطوّر بعد الولادة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشخصية والقدرات الإدراكية والمهارات، فإنها تأخذ عقودًا للتطوّر، وهي تتأثّر بالبيئة والتربية والتجارب التي يمر بها العقل في أثناء الطفولة، فإذا كانت التربية عدوانيّة يتأخر نمو الدماغ ويتعطل. وقد أكد الباحثون في هارفرد أن هذه الجروح والندوب الدائمة في الدماغ والتي تعوق نموّه بطريقة سليمة يمكن مشاهدتها بالوسائل الحديثة للتصوير الدماغي.
من هنا يؤكّد الخبراء على ضرورة احتواء الطفل ومنحه الشعور بالأمان في كنف عائلة محبّة، مع تشجيعه المستمر وتزويده الإهتمام اللازم لنمو عاطفي سليم.

 

ممارسات يجب تصحيحها
من الممارسات الخاطئة التي يقوم بها الأهل تجاه أبنائهم وتصب في خانة العنف اللفظي، والتي يجب تصحيحها واستبدالها بالسلوك السليم:
- تعنيف الولد وانتقاده عند وقوعه في خطأ ما، الأمر الذي يشعره بالنقص والمهانة، والصواب هو تنبيهه إلى خطئه برفق وهدوء، مع إظهار جانب الخطأ وكيفيّة تصحيحه أو تفاديه في المستقبل.
- تأنيب الطفل أمام رفاقه، وهو ما يؤدي إلى شعوره بالخجل وتراجع ثقته بنفسه، كما يفقده ذلك الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه. لذلك يجب محاسبة الولد على أخطائه (برفق) بعيدًا عن أعين الآخرين وسمعهم.
- اللجوء إلى العقاب القاسي والطويل الأمد، هذا النوع من العقاب يولّد العدائية ويؤدي إلى عكس المطلوب منه. يجب أن يكون العقاب عادلًا طالما أن الهدف منه توعية الطفل ومنعه من تكرار الخطأ.
- اللعب على مشاعر الطفل من حيث حمله على الإحساس بالذنب والخجل من نفسه، فهذه المشاعر تخلق نظرة سلبية تجاه الذات وتشعر الطفل بأنه لا يستحق التقدير. على العكس يجب أن يفهم الطفل أن الأخطاء واردة في كل عمل يقوم به الإنسان، وأن من لا يخطئ لا يتقدّم في المجتمع.
- تعليم الطفل ضرورة الاعتذار عن أخطائه في حين أن الأهل لا يعتذرون عن أخطائهم بحقّه. والأصح أن يقدّم الأهل المثل الصالح لأولادهم فيعتذرون عند فقدانهم السيطرة على أنفسهم والتفوّه بألفاظ جارحة تجاه الطفل.

 

خطوات للحد من الإساءات اللفظية
يشير البروفسور فيل ماغرو المتخصص في الصحّة الذهنية، وصاحب البرنامج التلفزيوني الشهير «Dr Phil» أنه ليس هناك ما يبرّر فقدان السيطرة على الذات في التعاطي مع الأطفال، مؤكّدًا أن هذا النوع من السلوك غير مقبول، ويجب على الأهل الذين يستخدمون العنف اللفظي إيقافه على الفور. وينصحهم الدكتور فيل اتخاذ بعض الخطوات التي تساعدهم على المواجهة ووضع حد لسوء المعاملة.
أولًا، تحديد أولى مؤشّرات الانهيار: بما أن السلوك العدائي ينتج عن فقدان السيطرة، يجب تحديد أوّل علامة تشير إلى أنك بدأت تفقد أعصابك. قد تكون هذه العلامة جفاف الفم أو احمرار الأذنين أو الوجه، أو الانقباض في المعدة، أو ازدياد خفقان القلب. ولا بد من تحديد هذه العلامة، لأنها تشكّل الحلقة الأولى في سلسلة السلوك الذي اعتدت القيام به، وهي تقودك حتمًا إلى الحلقة الثانية في السلسلة، والتي تتمثّل بالعنف اللفظي.
ثانيًا، إختر المواجهة بوعي: بعد أن حدّدت أولى مؤشّرات انهيارك، بات بإمكانك استخدامها بطريقة إيجابية. فعندما تشعر باقتراب الإنهيار، سارع إلى اتخاذ القرار الواعي لمواجهة الموقف.
ثالثًا، قم بالعمل الصائب: أنت الآن بحاجة لتجاوز لحظة الغضب من دون التسبّب بأضرار. من أجل القيام بذلك، يجب أن تتصرّف بطريقة تضمن من خلالها عدم الإساءة إلى طفلك. ممّا يمكن فعله: مغادرة الغرفة أو حتّى المنزل، أو إغلاق باب غرفتك والاستماع إلى الموسيقى، أو الخروج في زيارة قصيرة عند الجيران، أو في نزهة قصيرة في السيّارة.
رابعًا، تدوين الأفكار الهدامة وتقويمها: خصّص دفترًا لتدوين مشاعرك والألفاظ التي كنت ستتفوّه بها لحظة الغضب، ثم إعمل على تقويم أفكارك الهدّامة بعد هدوء العاصفة، وانظر إلى ما كنت ستنطق به ومدى الضرر الذي كان سيسبّبه لصغيرك. من المؤكّد أنك ستشكر الرب على عدم قوله!
خامسًا، كافئ نفسك عندما تسيطر على أعصابك: الإنسان القاسي تجاه أولاده، هو قاس على نفسه أيضًا، لذلك تجده يلوم نفسه ويحتقرها عندما يسيء إلى الآخرين، فلمَ لا يكافئ نفسه عندما يحسن التصرّف؟
سادسًا، إنتقل إلى مرحلة السلوك الإيجابي: عند زوال الشعور بالغضب، عد إلى الغرفة مع طفلك، واشرح له بمودّة ورفق سوء تصرّفه وتداعياته.