متاحف في بلادي

من أعماق البحار والبراري إلى جعيتا:
إعداد: جان دارك أبي ياغي


متحف للحياة البحرية والبرية فريد من نوعه في الشرق الأوسط


على بعد أمتار من مغارة جعيتا الطبيعية الشهيرة، إجتمعت الحياة البرية والبحرية في متحف فريد من نوعه في لبنان والمنطقة العربية. يضم المتحف الذي تأسس في مدينة صور(العام 2002)، أكثر من ألفي نوع من الحيوانات البحرية والبرية المحنطة، التي جمعها طبيب الاسنان جمال يونس. المتحف انتقل هذا العام إلى مبنى تم تشييده في جعيتا وسط واحة خضراء، وتتصدر واجهته سفينة فينيقية تبحر بالزائرين إلى أعماق البحار.


قصة ولادة متحف
منذ طفولته، بدأ الطبيب جمال يونس (إختصاصي في تقويم الأسنان) يكتشف أعماق المياه، فيغوص فيها مفتشًا عن المخلوقات البحرية والمجموعات النادرة. هو من مواليد صور ومنزله في أحضان البحر الذي جذبه إلى عالمه باكرًا، فراح يمارس هواية الصيد في أعماقه، في الصيف كما في الشتاء، في الليل كما في النهار. جمال الكائنات البحرية ولّد لديه هاجسًا: كيف يمكن أن تبقى حيّة أمام الأجيال القادمة قبل أن يجتاح شواطئنا التلوث. لكن الطبيب الشغوف بأعماق البحار، حالفه الحظ عندما سافر إلى رومانيا للتخصص، هناك تعلّم مبادئ عملية التحنيط على يد محنط محترف قبل أن يعود إلى الوطن ليبدأ تجاربه مسلحًا بشهادة.
تحنيط الحيوانات المائية البحرية عملية دقيقة وهي تتمايز عن عملية تحنيط الكائنات البرية، يوضح الدكتور يونس الذي عمل بشغف في المجالين، ومع الوقت، باتت مجموعته النادرة والمنوعة أكبر متحف للحياة البحرية والبرية في لبنان والعالم.
وعربون امتنان لعمله الشاق المفعم بالتحدي، تلقى الدكتور يونس من مؤسسة «ناشيونال جيوغرافيك سوسيتي» الأميركية، التي تمنح اسمها للأعمال الكبيرة، رسالة تعلن فيها عن نيتها تصوير فيلم عن المتحف. كما تلقى رسالة أخرى من مدير متحف موناكو البحري ميشال دوفران يعلن فيها دعمه الكامل لهذا المشروع واستعداده للمساعدة في ما خص طريقة عرض الحيوانات والمحافظة عليها. كذلك تلقى مساعدة من وكالة التنمية الأميركية  (في العام 2004) لتجهيز المتحف وتحسينه.

 

في فم القرش
من فم القرش العملاق (مغارة اصطناعية)، ندخل إلى المتحف برفقة الدليل السياحي حسنين ابن الدكتور جمال يونس. الطابق الأول صالة للتذكارات المصنوعة من الصدف البحرية وغيرها،  لنبدأ النزول على عمق 13 مترًا داخل الجبل حيث غرف المتحف الست التي بنيت على شكل مغاور وهي تمتد على مساحة حوالى 4500 متر مربع.
تجتمع في متحف «الحياة البرية والبحرية» مكونات الطبيعة اللبنانية، ببرها وبحرها. حيوانات محنطة تبدو كما لو أنها تستكمل حياتها بين الأشجار أو في البحار. نحو ألفي قطعة محنطة، البعض جمعها وحنطها الدكتور يونس خلال أعمال الغطس في بحر صور في جنوب لبنان،  والبعض الآخر اشتراه على مدى حوالى 30 عامًا.
الغرفة الأولى مخصصة للحيوانات البرية التي تعيش في لبنان، مثل: الضبع والثعلب والذئب والخنزير البري والنيص والنسناس وأبو غرير والقنفذ والسنجاب والواوي وغيرها...

تشكل الغرفة الثانية غابة تضم مجسمات لأشجار عملاقة وتحتوي على جميع الطيور البرية والبحرية العابرة والمستوطنة، كالعقاب والبجع والصقر والنسر والبومه والباشق والببغاء. كما نجد فيها أيضًا الغزال والقرد والتمساح.

تتجمع في الغرفة الثالثة جميع أنواع الحشرات والزواحف: أفعى سوداء أخرى برشاء وال Boa (أفريقية) وكوبرا (هندية) وبركيل (أبو قرع)...

بقية الغرف تشكل القسم البحري من المتحف بكل أنواعه، وهي على شكل مغاور، تبدأ  بمغارة الحورية وتضم مجسمًا لها بالحجم الطبيعي، إلى جانب 250 نوعًا من الأحجار الثمينة والشبه ثمينة من كل أنحاء العالم. ومغارة النجوم ( نجمة الشمس ذات ال 11 ذراعًا) والمرجانيات (المرجان الطري والمرجان المتحجر والمرجان الأصفر) والاسفنجيات (ذات الخلايا العديدة) والأصداف البحرية بأشكالها وألوانها (مصدرها المحيطات والبحر الأبيض المتوسط)، وأصداف حلزونية متحجرة عمرها ملايين السنين وجدت في صور البرية. أخيرًا مغارة الأسماك والقشريات والرخويات والثديات البحرية التي تحتوي على أسماك القرش (القرش النمري والقرش الأزرق)... والسلاحف البحرية ومن بينها سلحفاة بحرية - نهرية نادرة النوعية (تشبه الأفعى في رأسها وعنقها ولها أنف شبيه بأنف خنزير بري، ومخالب كمخالب النمر، ظهرها جلد من دون صدفة، وزنها 50 كلغ وطولها متر ونصف المتر).

 

من أعماق البحار
تشكّل أسماك الأعماق نسبة سبعين بالمئة من المتحف وتتوزّع في واجهات زجاجية كبيرة:
في واجهة الأسماك الكبيرة نرى الباركودا( نوع من الأسماك العظمية)، سمكة سيف (يصل وزنها إلى 113 كيلو، ويمتد فكها الأعلى نحو الأمام ليشكل سيفًا)، سمكة السرغوس (أسماك فضية اللون)، السلاطعين (وهي من بحر صور) ويوجد في المتحف اثنين من أغرب أنواع السلاطعين التي تعيش في أعماق سحيقة وتمتاز بذراعين أطول وأكبر من حجم السلطعون نفسه. تأكل السلاطعين الفضلات البحرية وبقايا الأسماك الميتة ويعتبر ذلك مفيدًا للبيئة البحرية. تعيش السلاطعين بين 3 و 12 سنة.
سمكة اللقز، وهي من أشهر الأسماك في فئتها، الدلفين (من الأنواع النادرة والذكية، يزن 500 كلغ وطوله 3 أمتار)، وقد  وقع في شباك أحد الصيادين في صور (عن طريق الخطأ)، سمكة الشمس (يعتقد أنها الأكبر من نوعها في العالم وهي سمكة عملاقة من نوع «القيصانة» أو «سمكة الشمس». يبلغ طولها 120 سنتم ويتجاوز وزنها السبعين كلغ)، الصبيدج العملاق (من الرخويات البحرية التي تعيش على الشواطئ اللبنانية وهي مثل الأخطبوط تطلق صباغًا حبريًا عندما يهاجمها حيوان آخر)، هذا إلى مجموعة كبيرة من الأسماك الأخرى وبعضها مهدد بالإنقراض.
أما الواجهات الأخرى فتتوزع على: سمك الطيار (ذو جوانح)، سمك النفاخات (تنفخ جسمها في الماء للدفاع عن نفسها)، سمك الصنارة (في رأسها صنارة لصيد السمك)، سمكة حمار (من الأسماك النادرة ولها فم شبيه بفم الحمار)... وفي واجهة القشريات والشوكيات نجد التوتياء والقريدس ونجمة البحر...
صدفة الموركس تجد مكانها في المتحف، وكذلك الإسفنج البحري بألوان وأحجام وأشكال عديدة، والأسماك المتحجرة، وقرش الإسكندر ذو القرنين (سمكة نادرة معروفة بقرنيها الكبيرين، طولها حوالى المترين ووزنها 150 كلغ).

 

أنواع انقرضت وأخرى باتت نادرة
يضم المتحف عددًا كبيرًا من الحيوانات التي باتت شبه منقرضة كفقمة الراهب التي جرى ضمها في الآونة الأخيرة إلى مجموعة المتحف عقب تحنيطها بعدما عثر عليها نافقة في منطقة الروشة في بيروت.
ومن بين معروضاته النادرة الجراد العملاق (18 سنتيمترا)، ودجاجة ذات أربعة أرجل وذيلين، والبومة العملاقة، وعجل ذو رأسين،...
 ويؤكد الدكتور يونس أن «مجموعته البحرية التي حازت شهادات من أكبر المنظمات البيئية العالمية (منظمة المحافظة على أسماك القرش في العالم ومنظمة المحافظة على البحر الأبيض المتوسط) تضمّ نحو 40 نوعًا من أسماك القرش و30 نوعًا من النجوم و400 نوع من أصداف البحر الأبيض المتوسط، وهي مجموعة فريدة لا توجد إلا في هذا المتحف من بين جميع دول البحر الأبيض المتوسط».


أرقام قياسية
يسجل المتحف ثلاثة أرقام قياسية عالمية وهي لأكبر مجسم لسفينة فينيقية حربية بطول 40 مترًا وارتفاع سبعة أمتار، ولأكبر مجسم للقرش الأبيض بطول 35 مترًا وارتفاع خمسة أمتار، ولأكبر مغارة اصطناعية تحتوي على كل موجودات المتحف بمساحة تفوق 4500 متر مربع محفورة داخل الجبل.
نشير إلى أن المتحف يفتح أبوابه طوال أيام الأسبوع (من الثامنة صباحًا ولغاية الثامنة مساء)، وهو محطة تربوية لآلاف الطلاب الذين يزورونه. ولمناسبة عيد الجيش في كل عام، خصّت إدارة المتحف أولاد وعائلات شهداء الجيش بزيارة مجانية للمتحف كل شهر آب.