الجيش والمجتمع

يوم طرابلس الطبي: شكرًا جيشنا

يشكو العم يوسف من آلام المفاصل المبرحة، وهو بالكاد يستطيع الخروج من منزله، أما زوجته المصابة بالسكري فلم تزر الطبيب ولم تجرِ أي فحوصات منذ سنتَين وأكثر. حالهما كحال كثر من اللبنانيين وخصوصًا القاطنين في مناطق فقيرة الذين حرمتهم الأزمة حقهم في الرعاية الصحية. لهؤلاء كان اليوم الطبي الذي نظّمته مديرية التعاون العسكري – المدني بالتعاون مع مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي في المدرسة الثانوية الأورثوذكسية، في منطقة القبة – طرابلس.

عسكريون من مختلف الرتب وأطباء وممرضون من الجيش وآخرون من المستشفى قدّموا جهودهم خلال نهار كامل خدمة لأهل وطنهم، وخدماتهم لم تقتصر على المعاينات الطبية، بل شملت إجراء الفحوصات والصور الشعاعية أيضًا التي باتت كلفتها تتخطى قدرات معظم المواطنين. 

مبادرة اتحدت خلالها مؤسسستان، الأولى عسكرية والثانية مدنية، فكان على أرض الواقع أكثر من ٢٠٠ طبيب واختصاصي وممرض ومساعد وضعوا خبراتهم في خدمة أهل المنطقة الذين توافدوا بكثافةٍ، ففاق عدد المعاينات الـ٢٠٠٠.

 

مديرية التعاون العسكري المدني دائمًا في الخدمة

مسيّر أعمال مديرية التعاون العسكري - المدني العميد الركن إياد العلم أوضح أنّ هذا النهار يندرج ضمن مجموعة نشاطات تنفّذها المديرية لتوفير ما أمكن من مقومات الأمن الإنساني للبنانيين. وبالنسبة لليوم الطبي تحديدًا، ثمة تجربة سابقة في العام ٢٠١٩ في منطقة بعلبك، وقد وقع الاختيار هذه السنة على منطقة طرابلس، التي يفتقد فيها المواطنون إلى أدنى مقوّمات العيش. كذلك لفت العميد الركن العلم إلى كثافة الإقبال، مؤكدًا أنّ الكادر الطبي حاول معاينة أكبر عدد ممكن من المواطنين وتغطية الاختصاصات والخدمات الأكثر طلبًا.

وأوضح أنّ اليوم الطبي ركّز على المعاينة والتشخيص الوقائي، وأنّ عددًا كبيرًا من الذين خضعوا للمعاينة سوف يحتاجون للمتابعة عند الأطباء الاختصاصيين. ولهذا الغرض، كان اتفاق بين الجيش وإدارة مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي على استفادة المرضى الذين خضعوا للمعاينة في هذا النهار المجاني من حسم معيّن عند التقدم للعلاج في المستشفى المذكور. 

وشكر مسيّر أعمال مديرية التعاون العسكري-المدني كل من وضع ثقته بالجيش، وطرق بابه في هذا اليوم وحضر للمعاينة، كما شكر الأيدي المجهولة التي ساهمت في إنجاح هذه المهمة الطبية الإنسانية.

 

شركاء في خدمة الوطن والإنسان

المدير التنفيذي للمستشفى الدكتور مروان نجار قال إنّ لإدارة المستشفى الشرف في خدمة الجيش والوطن، وأضاف: «الناس محتاجة إلينا في هذا الوقت، وعلاقتنا بالجيش قديمة. تشاركنا مع المؤسسة العسكرية سابقًا في العام ٢٠١٩ في منطقة بعلبك في يوم طبي مماثل، ولن يكون يومنا هذا الأخير. لنا فخر المشاركة مع الجيش في كل ما يخدم اللبنانيين. اخترنا بالتنسيق مع الجيش الاختصاصات التي يحتاجها المواطنون اليوم وأكثرها إلحاحًا، ومن بينها: السكري، ضغط الدم، الكشف المبكر للسرطان الكبدي، الطب النسائي، الكشف المبكر لسرطان عنق الرحم والثدي، فحص ترقق العظام، فحص القلب وتخطيطه، الأمراض الجلدية، التغذية وأمراض السمنة، تخطيط السمع، التثقيف الصحي حول سرطان القولون، الصحة العامة، الجهاز الهضمي، أمراض الرأس والعمود الفقري والأعصاب، أمراض الرئة، الفحص الطبي لأمراض البروستات، تخطيط الأوردة والشرايين، العناية بالجروح المزمنة، والأمراض النفسية».

 

جاهزون لتنظيم النهار

اللواء الثاني عشر كان في جهوزية تامة طوال النهار، ضباط وعسكريون انتشروا لتأمين حماية النشاط وضمان نجاحه، فالمدرسة الثانوية الأورثوذكسية تقع في قطاع مسؤولية اللواء. وقد عبّر قائده العميد الركن فادي بو حيدر عن الاعتزاز بالمشاركة في الجهد الذي بُذل لخدمة المواطنين.

 

خدمة الآخر رسالتنا

مدير المدرسة الثانوية الأورثوذكسية في القبة - طرابلس الأستاذ الياس بيطار اعتبر أنّ اليوم الطبي كان بمثابة يوم فرح ولقاء وخدمة وتعاون وتحقيق لرسالة الكنيسة التي تنتمي إليها المدرسة. وقال: «كلنا واحد وهذا فرحنا». وشكر الأستاذ بيطار المؤسسة العسكرية ومستشفى القديس جاورجيوس على هذه المبادرة مؤكدًا أنّ المؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي ما زالت تمد يد العون لأبنائها بما ملكت من قدرات.

 

عيادات وخدمات بالتصرف

اختصاصي الطب العائلي الدكتور أمين عمر أوضح أنّ الخدمات الطبية التي قُدّمت في هذا اليوم شملت المرضى العاديين، وذوي الأمراض المزمنة. فبعد أن يتقدم كل مريض للمعاينة، كان الطبيب المختص يراجع ملفه والفحوصات الطبية التي أجراها في وقت سابق، ومن ثم يقوم بفحصه سريريًّا. وفي حال تبيّن له أنّ المريض بحاجةٍ لرعايةٍ متخصصة، يحوّل ملفه إلى العيادات المناسبة لحالته حيث يقدّم له العلاج اللازم.

في عيادة مخزون السكري كان الإقبال كثيفًا جدًا، والسبب في ذلك عائد إلى أنّ هذا الفحص غير متوافر في معظم المختبرات والمستوصفات، واتضح أنّ هناك عددًا كبيرًا من المتقدّمين للاستفادة من هذا النهار يعانون ارتفاع السكر في الدم.

في عيادة ترقق العظام كان الإقبال كثيفًا أيضًا، وحسب الاختصاصية سينتيا جبرايل من شركة IYAmed استفادت من فحص ترقق العظام النساء اللواتي تجاوزن الأربعين عامًا. 

 

شكرًا جيشنا

يشيد عبد الكريم أحد المستفيدين من خدمات اليوم الطبي بـ«لفتة الجيش الكريمة» التي أتاحت له فحص مخزون السكري، وقد كان من المفترض أن يجريه منذ ستة أشهر ومنعه تعثّر أحواله المادية من ذلك. وأعربت نوال التي استفادت من فحص ترقق العظام عن امتنانها «لاهتمام الجيش بفئةٍ منسيّة في الشعب اللبناني»، وتمنّت «النجاح والتقدم لهذه المؤسسة الجامعة التي لا تنسى مواطنيها وتقوم بمبادراتٍ طيّبة تجاههم على عدة أصعدة». أما أبو أحمد الذي تقدّم من عدة عيادات وأجرى فحوصات عديدة للقلب والسكري والبروستات، فأشار إلى أنّه غير قادر على تحمّل نفقات هذه الفحوصات ولم يتمكن من إجرائها لولا مبادرة الجيش.

حسين، ماجدة، عمر، سهام، محمد، نزيه، خالد، عماد وغيرهم بالمئات مرّوا تباعًا على العيادات حتى آخر النهار. كلّهم دخلوا سائلين المساعدة، وحصلوا على الاهتمام والرعاية المنشودَين، دخلوا محترمين، وخرجوا محترمين لا خجل ولا «مِنّيّة». درع الوطن جاهز على مدار الساعة ليس في مواجهة الأزمات والتصدي للعبث والتخريب، وحماية الأمن والاستقرار فقط، بل هو قلب ينبض حبًا بشعبه، ومسؤولية بأبنائه، ودعمًا لمواطنيه أيضًا...