تحت الضوء

2016 غول الإرهاب... والمصير المحاصر بالضباب!
إعداد: جورج علم

اثنان يصنعان التاريخ: القدر والبشر. أمّا العناصر الأخرى، فهي من المؤثرات أو المستلزمات.
واثنان يصنعان الخير العام: الإرادة الصادقة، والجهد الهادف، وما بينهما فهو من التفاصيل.
يطوي الزمن صفحة الـ2016، ويسدل الستارة الدهريّة لتدخل بهدوء النفق الأزلي، وتتدحرج شيئًا فشيئًا من حضن الذاكرة إلى حضن النسيان.
ويستقبل العالم الـ2017، على أمل كبير في أن يكون الأفضل، ولكن الأريحيّة الشعرية هنا تبقى أكثر صدقيّة في توصيف الواقع: وما نيل المطالب بالتمنّي    إنّما تؤخذ الدنيا غلابا


المعادلة الذهبيّة
تمددّ شبح الإرهاب طويلًا خلال 2016، فاض عن الساحات الإقليميّة المشتعلة، تخطّى الحدود المرسومة، ليحطّ رحاله في العديد من المدن والعواصم الدوليّة التي كانت تعتدّ بأمنها، واستقرارها. وتمكّن لبنان المنفلش على تخوم جوار ملتهب، من أن ينعم بالهدوء، بفضل العين الساهرة في الداخل، وعلى طول الحدود، والهمّة العالية الحريصة على سلامة الوطن والمواطنين، والمتوثبة في هجعة الليل، كما في فوعة النهار لاستئصال الورم الخبيث قبل أن يصبح قاتلًا، من خلال «حرب استباقية» أسفرت عن إنجازات ضد الخلايا الإرهابية الناشطة والنائمة على السواء.
لقد فرض الجيش الثلاثيّة الذهبيّة: «الهيبة، والمهابة، والتهيّب». هيبة استمدت ملامحها، وتقاسيم وجهها من الإنجازات، وقد دوّنت السنة المنصرمة في مفكرتها الأمنيّة الكثير من العناوين، منها - على سبيل الذكر لا الحصر – العملية النوعية في 10 آذار ضد مواقع لـ«داعش» في جرود رأس بعلبك، وكانت النتيجة، شهيد للجيش، و5 قتلى في صفوف الإرهابييّن. ثمّ النيل من «أمير داعش» السوري نايف الشعلان، الملقب بـ«أبي الفوز» في وادي الحصن في 28 نيسان. وإنجاز عمليّة نوعيّة في 3 آب، في عرسال، وتوقيف عنصرين من «داعش»: سامح البريدي (الذي توفي لاحقًا متأثرًا بجروحه)، وطارق الفليطي الذي أخضع للتحقيق. أعقب ذلك أيضًا إنجاز نوعي بتوقيف أمير داعش في عين الحلوة عماد ياسين (22 أيلول)، في عملية مُحكمة. وفي 25 تشرين الثاني نفّذ الجيش عملية استثنائية خاطفة قضى خلالها على واحدة من أخطر خلايا «داعش» في جرود عرسال، حيث أسر 11 عنصرًا بينهم أمير هذا التنظيم في عرسال. أضف إلى ذلك، إنجازات كثيرة في العديد من المواقع المترامية على طول الحدود اللصيقة بالجوار المشتعل، فضلًا عن المتابعة الدقيقة لتنقلات الظلامييّن، وتحركاتهم، وتجمعاتهم، واستعداداتهم، ومخططاتهم. حصلت مداهمات، وكان الصيد ثمينًا في كلّ الظروف والأحوال، بفضل الحنكة، والفطنة، والذراع الطويلة، والعين المتيقظة، والمدركة، فنوّهت أعمدة الصحف بالمؤسسة العسكريّة، وارتاحت أعصاب المواطنين.

 

هيبة.. ومهابة
فرضت الهيبة المهابة، فإذا بالجيش، وتضحياته، وإنجازاته موضع إعجاب وتقدير يبدأ من الدوائر السياسيّة، والدبلوماسيّة، لينتهي تنويهًا من قبل عواصم دول القرار، ووعودًا بتقديم الدعم والمؤازرة.
ومن مظاهر المهابة أنّ زائر بيروت، لا تكتمل زيارته، إلاّ إذا قصد المؤسسة العسكريّة، والتقى قيادتها، واطّلع منها على حقائق مسلوخة من تجاربها المتناسلة المتلاحقة في مكافحة الإرهاب.
كثيرون هم زوّار لبنان في الـ2016، جاؤوا من الشرق والغرب، من دول شقيقة، وصديقة، كسروا حواجز الصمت، بعضهم جاء بصفة موفد خاص من جلالة ملك، أو فخامة رئيس، بعضهم الآخر بصفة الخبير المجرّب، أو صاحب الاختصاص، والغالبية كانت مكلّفة بمعالجة ملف الإرهاب، والنازحين من سوريا، وكانت وزارة الدفاع المقصد للبحث، والنقاش، ومطارحة الأفكار، والحلول والمخارج. ولم تكن هذه الدينامية مجرّد نزوة، أو ترف سياسي، بقدر ما كانت لصيقة بالدراسات، والخطط، التي أعدها التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وكانت الزيارات ملزمة للتعبير عن ارتياح المجتمع الدولي لفعالية الجيش اللبناني، والإنجازات التي حققها في مكافحة الإرهاب، والمواجهات المكلفة التي خاضها، وقد عجزت عنها جيوش دول أكثر عديدًا، وتسليحًا، وإمكانات.

 

... فتهيّب!
تحوّلت المهابة إلى تهيّب فرض نفسه على ملف النزوح الذي شكّل، ويشكّل مجتمعًا وافدًا يتمتع بكامل المواصفات المشبعة بالتحديات الأمنيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والمعيشيّة الملقاة على كاهل المجتمع اللبناني. وسجّلت الـ2016 نقاشات مستفيضة داخل الحكومة، وخارجها، وما بينها وبين العديد من حكومات الدول الصديقة، والمرجعيات الدوليّة المختصة، بهدف توفير شبكة أمان للمجتمع الوافد، والأصيل معًا، إلاّ أنّ التهيّب اختصر المشهد المرتكز على قاعدة الاستقرار الأمني، وأفضت خلاصات كل ما تقدّم، إلى حقيقة واحدة: «الجيش هو الضمانة، وعليه الاتّكال».

 

ألوان متناقضة!
كانت الـ2016 حديقة زاهية بالألوان المتناقضة، سنة الفراغ، الانتظار المملّ، وسنة الحوار إن على المستوى الوطني بين قادة التيارات والأحزاب، أو على المستوى الثنائي والثلاثي. وكانت سنة النفايات وتراجع الخدمات، كما كانت سنة التظاهرات والاحتجاجات التي قادها الحراك الشعبي. وكانت سنة الخيبات، كما كانت سنة الانتخابات التي أفرزت مجالس بلديّة واختياريّة في عموم المناطق والمدن والقرى والبلدات. محطات عدّيدة، عبرها قطار الـ2016، لكن الخيبة كانت الحاضر الوحيد في معظمها، إلى أن انبلج فجر جديد في 31 تشرين الأول مع انتخاب رئيس للجمهوريّة، وإنهاء الفراغ.
لقد تمكّنت حكومة «المصلحة الوطنيّة» برئاسة الرئيس تمام سلام، من أن تشقّ العباب، لكن البحر كانت تتحكم به العواصف العاتية المتأتية من الداخل، والمحيط، وبلغت الأمواج الأمنية والسياسيّة والاقتصاديّة مبلغًا من الارتفاع، بحيث كانت المجازفة خطرة، لا بل محظورة في الكثير من الأحيان، فكان التطبيع مع الأمر الواقع سمة المرحلة.
وكانت أيضًا سنة الانتظار المملّ في السياسة. 45 محاولة، على مدى 45 جلسة انتخاب، ولا نصاب، ولا رئيس، بل الفراغ، والمزيد من الفراغ إلى أن أنجبت التفاهمات استحقاقًا في الجلسة 46، بتاريخ 31 تشرين الأول، وانتُخب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة، لتنطلق مسيرة الأمل من جديد.
أيضًا، كانت سنة الانتظار المملّ على الصعيد الاقتصادي إلى حدّ أن الفعاليات والهيئات الاقتصادية «بدأت تخرج من جلدها»، ورفعت الصوت عاليًا خلال المؤتمرات والمنتديات، محذّرة من هول الكارثة. كان البلد من منظارها يترنح، وعلى أهبة السقوط.
صمد القطاع المصرفي من دون أدنى شك، وشكّل صمّام الأمان، وبارقة الأمل في الليل المدلهم، لكن القطاعات التجارية، والصناعيّة، والزراعيّة، وحتى السياحية كانت تشكو من القحط، والبوار، وانسداد الأفق، وربطت مواعيد انفراجاتها الاقتصاديّة، بمواعيد الانفراجات السياسيّة، التي تأخرت مواسمها، وإن تكومت على بيادرها أخيرًا قناطير الغلال؟!
ومع انتخاب الرئيس، انطلقت مسيرة بناء المؤسسات، وشكّلت حكومة ثلاثينيّة برئاسة الرئيس سعد الحريري، وودّع اللبنانيون العام 2016، بهيبة، ومهابة، وتهيّب. سايروا التقليد العام المتّبع. انخرطوا في فرح اصطنعوه. تجمهروا في الساحات. فلشوا الأنوار. أطلقوا المفرقعات. قرعوا الطبول. أطلقوا العنان للأهازيج. ضجّت الأمكنة بالموسيقى الصاخبة. تبادلوا الأنخاب على أمل تغيير ما قد يأتي محمولًا على أكفّ الـ2017؟!

 

الشرفة الإقليميّة والدوليّة
يودّع العالم الـ2016، منهوك القوى، مضرّجًا بالدماء، مسكونًا بالهواجس الأمنيّة، والاقتصاديّة، والمعيشيّة. إختلّ التوازن العام، خلا المسرح إلاّ من الجنون، وعادت القوميات تنتج العصبيات، والعصبيات تنتهك الديموقراطيات، لم يعد اليمين المتشدد مجرد شعار في التوصيف السياسي، بقدر ما هو قبضة عنصريّة- ثوريّة مرفوعة في الهواء، تتقدم في الانتخابات واستطلاعات الرأي لتحتل مقاعد الحكم في الكثير من الديموقراطيّات الغربيّة.
انطلق نهر الغضب جارفًا من هذا الشرق الحزين المثقل بالجراح، من سوريا النازفة، إلى العراق المشظّى، إلى اليمن الجريح، إلى ليبيا الثكلى، إلى سائر الأنظمة والدول المترامية على خط الزلزال العنيف الذي يضرب جغرافيّات المنطقة، ويغير في معالمها، ويسجن شعوبها في ملاجىء الخوف والقلق على المستقبل والمصير.
وينطلق نهر الحقد حانقًا مستأسدًا. لقد تعطلت تجارة الحرير، وحلّت مكانها تجارة الاستثمار بالإرهاب، والمستثمرون كثر يضيق بهم خطّ الحرير. فالكل هنا. الكل يهرول، يدفّش، ويتزاحم تحت شعار مكافحة الإرهاب... وإذ بالإرهاب يكافح الجميع، وينقل أشرعته وصواريه إلى موانىء الأرض قاطبة، ويضرب الضربات الموجعة في الساحات التي بنت أمجادها على مبادىء العدالة، والحريّة، وحقوق الإنسان.
ماذا حلّ في باريس، وبروكسيل، وأنقرة؟ من يذكر استهداف المنتجع السياحي في أبيدجان في 13 آذار، وسقوط 14 قتيلًا بينهم لبناني من النبطيّة؟ من يذكر مجزرة فلوريدا، عندما دخل ذلك الأفغاني تحت جنح ظلام، ليل 12 حزيران إلى نادي للمثليييّن، وراح يطلق النار، لتكون المحصلة غير النهائيّة 50 قتيلًا، و53 مصابًا؟! من يغفل اغتيال النائب في حزب العمال البريطاني السيدة جو كوكس المؤيدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي؟! من يتجاهل مجزرة القاع عندما اجتاحت قوافل «الداعشيين» هدوء البلدة، ووداعتها، وسكينتها فجر 27 حزيران، وكانت المحصلة 5 شهداء، و17 جريحا؟! أينسى الضمير الإنساني شاحنة نيس وهي تدهس الأبرياء العزل في 15 تموز، وتترك وراءها 80 قتيلًا، و20 جريحًا. أو مسلح ميونخ الذي يردي في 22 تموز 10 قتلى و17 جريحًا، أو ذبح ذلك الكاهن المسالم العجوز يوم 26 تموز، داخل الكنيسة في النورماندي. أو تفجير العرس في غازي عنتاب الكرديّة عند الحدود السورية يوم 21 آب، وترك 51 ضحية تتخبط بدمائها على الأرض. أو قصف مجلس العزاء في صنعاء، يوم 8 تشرين الأول، والقضاء على 700 مشارك ما بين قتيل وجريح. أو تفجير كنيسة الأقباط في القاهرة؟!... وكيف ينسى هذا الضمير شاحنة برلين التي اخترقت الشارع المكتظ بالمحتفلين لمناسبة الميلاد، وسحلت ما سحلت تحت عجلاتها من أطفال أبرياء... ومن يمكنه أن يتعامى عن الإرهاب الذي يضرب في تركيا، ونجيريا، و... ؟!. إن غول الإرهاب لفظيع؟!...

 

بصمات لا تمحى
لم تطو الـ2016 مفكرتها على دمعة ساخنة ذرفتها أم مفجوعة على طفلها الذي غرق في بحر النزوح، ولفظته الأمواج على رمال الشاطىء التركي، ولا على غصّة المسنّة التي خرجت للتوّ من تحت ركام منزلها، تجرّ وراءها ذيول الخيبة والنكبة نحو مصير مجهول... كثيرة هي الفواجع والمآسي في الـ2016، ولكن التاريخ لا يهرول وحيدًا أعزلَ، قبل أن يغرف في جوفه وقائع يبقى لها الرنين والصدى على مدار الزمن، وفي ذاكرة الشعوب:
• خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ليس بالأمر السهل، ولا بالحدث العابر، وعندما صوّت الشعب البريطاني بأكثريّة طفيفة يوم 24 حزيران على الخروج، تهيّب الاتحاد الأوروبي الموقف، ورسم العديد من علامات الاستفهام حول مصيره، ومستقبله، وهو يحاول لغاية الآن إيجاد الأجوبة المقنعة على الأسئلة المحرجة.
• لم يشأ الرئيس باراك أوباما أن ينهي سنوات عهده على مدى ولايتين كرئيس للولايات المتحدة الأميركيّة، من دون تحقيق مصالحات تاريخيّة، فزار كوبا في 20 أذار مصالحًا، منهيًا 88 عامًا من القطيعة والعقوبات، والتقى الزعيم الراحل فيديل كاسترو، كما تفاهم مع شقيقه الرئيس الحالي لكوبا راؤول كاسترو، على فتح صفحة جديدة.
وقصد أوباما فيتنام في 23 أيار، ليعيد كتابة التاريخ بين البلدين بحبر المصالحة، والرغبة في فتح صفحة جديدة من التعاون، والتفاهم على تطوير العلاقات التي دمرتها قاذفات القنابل الأميركيّة منذ العام 1965 ولغاية العام 1975، وكانت الأكلاف باهظة، والنتائج كارثيّة.
وقصد هيروشيما / اليابان في 27 أيار، وكان أول رئيس أميركي يزور هذه المدينة التي اختارتها الولايات المتحدة كحقل اختبار لقنبلتها النووية في الحرب العالمية الثانية؟!...
• لم يترك بابا الفقراء فرنسيس سنة 2016 تمرّ، من دون أن يترك بصمة إنسانية هادفة إلى التقارب بين الأديان، فالتقى في هافانا / كوبا، بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل، وصدر في أعقاب الاجتماع بيان رسمي حول مسيحيي الشرق. كما استقبل في 25 أيار شيخ الأزهر، الشيخ أحمد الطيّب، وكان تفاهم على الانفتاح، والتصدّي للعقائد المتطرفة الهدّامة.
وقبل أن تقفل بابها الدهري، وتنزوي، حضنت الـ2016 بين مروحيتها أكثر الانتخابات الرئاسية الأميركيّة إثارة وجدلًا بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والمرشحة الديموقراطية السيدة هيلاري كلينتون، ورافق تلك الانتخابات، جدل واسع، ورهانات، وتوقعات، واستطلاعات رأي، وكانت النتيجة صادمة عندما فاز ترامب داحضًا كل التوقعات.

 

مراسم جنازة كاسترو.. وسايكس – بيكو
العلامة الفارقة التي طبعت الـ2016، كانت مرور 100 عام على اتفاقية سايكس – بيكو (16 أيار 1916)، والتي كانت اتفاقًا سريًّا بين فرنسا وبريطانيا (المملكة المتحدة)، بمصادقة «الأمبرطوريّة الروسيّة» (آنذاك)، على اقتسام منطقة الهلال الخصيب ما بين فرنسا وبريطانيا، لتحديد مناطق النفوذ غرب آسيا بعد تهاوي السلطنة العثمانية التي كانت مسيطرة على هذه المنطقة في الحرب العالميّة الأولى.
ومع مرور مئة عام على سايكس – بيكو، تستباح الحدود، وتضجّ الثورات، وتنهار الأنظمة، وتجرف أنهار الدماء سنوات التاريخ المنصرم مع كل ما تحمله من خصائص، وحضارات، وثقافات، وتراث حافل بالأمجاد...
لقد شاخ سايكس – بيكو، وعمّر طويلًا؟!... مئة عام؟!... وجاء «الربيع العربي» بثوراته، وبراكينه، ليشيّعه إلى مثواه الأخير، من دون الاهتداء إلى البديل في ظلّ بحر الهواجس المفتوح على أسئلة بحجم المصير والمستقبل؟!... أي دول بعد الربيع العربي؟ وأي أنظمة، وكيانات؟!... وأيّ سايكس – بيكو جديد سيعيد رسم حدود المنطقة؟!
... وقبل أن تصل الـ2016 إلى بوابة مقبرة التاريخ، حملت معها جثتين تاريخيتين، عظيم كوبا فيديل كاسترو الرمز الشيوعي الأخير، وسايكس – بيكو؟!
والحقّ يقال إنّ الـ2016 نجحت في تحقيق العدالة المنصفة بوجهها السلبي، فكما في لبنان، كذلك في العالم، وكما واجه لبنان بما يملك من طاقات وإمكانات الإرهاب ومواكب النزوح، كذلك فعل العالم الذي كان يسترجع دينه من مصارف الدول المتفجّرة، مع الفائدة، والمفعول الرجعي، إلى أن سقطت أنظمة عرفت بالوسطيّة لتقوم أخرى ذات صبغة يمينية متطرفة كرد فعل على النواقص، والشوائب، التي اقترفها الغرب بشكل عام، والدول المتمكنة بشكل خاص، عندما جاء يدعم الإرهاب متذرّعًا بحجج استئصاله، وجاء يستثمر عن طريق الإرهاب لتركيع المجتمعات، وإذلال حكامها.
لا أحد يريد أن يفتري. ولا أحد يريد النظر إلى الوقائع أبعد من أحجامها وأوزانها، وبمعزل عن التدخلات المريبة، وحجم الاستثمارات النفعية بالدم العربي المراق تحت شعار «الحريّة للشعوب، والتغيير للأنظمة»، دفعت الدول المتورطة، من عافيتها الأمنية والاقتصادية الثمن باهظًا، ومضاعفًا، ولا تزال، وتحولت من دول حصينة، آمنة، إلى ساحات مفتوحة مشرّعة أمام موجات الإرهاب المتدفقة عليها وحولها من كل حدب وصـوب.
ضرب الإرهاب بعنف في باريس، ومناطق أخرى من فرنسا، ضرب في بلجيكا، في ألمانيا، في تركيا، في نجيريا، وفي مناطق أخرى حساسة من العالم.