دور "الفوضى" والتعقيدات السياسية في الاستراتيجية الأميركية الجديدة: أفغانستان، العراق، الإرهاب، ونشر الديمقراطية

دور "الفوضى" والتعقيدات السياسية في الاستراتيجية الأميركية الجديدة: أفغانستان، العراق، الإرهاب، ونشر الديمقراطية
Préparé par: نزار عبد القادر
عميد ركن متقاعد، باحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية شغل وظائف عسكرية هامة منها قيادة المدرسة الحربية ونيابة رئاسة الأركان للعديد، وملحق دفاع في لندن. يحمل ماجستير في إدارة الأعمال وماجستير في الإدارة العامة، ودراسات عليا في المالية العامة

مع نهاية القرن العشرين احتلت الولايات المتحدة مركزاً مرموقاً في النظام الدولي، لم يسبق ان احتلته اي من الامبراطوريات عبر التاريخ، فالولايات المتحدة تتقدم على كل القوى الدولية الأخرى في المجالات الاقتصادية، والعسكرية والتكنولوجية، والثقافية.

وصف هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الاسبق ما توصلت اليه الولايات المتحدة من قدرات في العقد الاخير من القرن الماضي "بالموقع المتفوق، والذي يجعلها عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه في تحقيق الاستقرار الدولي".

اصبحت الولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على المسرح الدولي على اتخاذ قرارات أحادية بالحرب او بالسلام، وهي ايضاً القوة القادرة على لعب دور الوسيط في عملية السلام في الشرق الاوسط، وهي ايضاً القادرة على أن تختط لنفسها دوراً رئيسياً في اي نزاع دولي، حتى ولو لم توجه اليها الدعوة للمشاركة من قبل المتنازعين، ان افضل الامثلة على مثل هذا الدور يتمثل في ما حدث في النزاع بين الهند وباكستان حول كشمير عام 1999.

لا يقتصر الدور الأميركي السياسي على التدخل لحل النزاعات بين الدول بل يتعدى ذلك للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، من خلال الدور الذي اعطته الإدارة الأميركية لنفسها كحامية وداعمة للحريات وللديمقراطية وحقوق الانسان في العالم، وظهرت هذه النزعة لديها في دول متعددة وفي محطات زمنية عديدة. لقد تدخلت الولايات المتحدة في عدد من الدول ومارست دور الرقيب في الانتخابات العامة، كما عمدت إلى فرض عقوبات اقتصادية او مالية او عسكرية او ديبلوماسية على دول لم تتقيد بمعايير النزاهة في الانتخابات او لتصحيح خلل وقع في عملية تبادل السلطة.

تنتشر القوات العسكرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية في مناطق عديدة من العالم تمتمد من سهول شمالي اوروبا، عبر الشرق الأوسط ووصولاً إلى  شرقي آسيا، وذلك من خلال مجموعة من الاحلاف او الاتفاقيات الثنائية والتي تؤكد على اولوية الدور الأميركي على السلام والأمن الدوليين، ويتخذ التواجد العسكري الأميركي في اكثر من مكان طابع الاحتلال الدائم، عبر مجموعة من القواعد البرية والجوية والبحرية.

 شكّل التدخل الأميركي في البلقان آخر نماذج التدخل الواسع، والذي اعاد إلى الذاكرة الدور الذي كانت تدعيه لنفسها كل من الامبراطوريتين النمساوية والعثمانية في هذه المناطق، وتحت شعار وقف الحروب الأثنية والطائفية، بين مكونات ديموغرافية متناقضة.

اعطت هجمات 11 ايلول عام 2001 على نيويورك وواشنطن للولايات المتحدة الحق لشن حربين عسكريتين واسعتين بقرار أحادي وضمن تحالفات دولية "بمن حضر" تارة تحت شعار الحرب على الارهاب وطوراً تحت شعار حماية السلم الدولي من تهديدات انظمة مارقة تمتلك او تسعى لامتلاك اسلحة الدمار الشامل، شنت الولايات المتحدة الحرب على افغانستان تحت شعار الحرب على الارهاب، وبررت الحرب على العراق بضرورات التخلص من اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها نظام صدام حسين. ولما لم تجد اي من هذه الاسلحة، فقد حوّرت واشنطن اسباب الحرب لتقول بالمبررات "الاخلاقية" وبضرورة تخليص الشعب العراقي من نظام صدام حسين المستبد، تمهيداً لاقامة حكم ديموقراطي في عراق مستقر ومزدهر.

لكن لم تحقق الحرب على الارهاب الاهداف المرجوة، حيث ان بن لادن ما زال حراً، ومتفرعات تنظيم القاعدة لا تزال عاملة، بنشاط في دول عديدة، وقد جعلت من العراق والسعودية المسرحين الاساسيين لعملياتها العسكرية.

يدفع التقويم الواقعي للحربين في افغانسان والعراق المأزق المتفاقم الذي تواجهه الولايات المتحدة في التعامل مع مسألة السلاح النووي مع كل من كوريا الشمالية وإيران إلى الاعتقاد بأننا نواجه حالة من التعقيد في البيئة الدولية تدفع إلى التسليم بأن العالم يسير نحو حالة من الفوضى، يشهد العالم اليوم مجموعة من التحولات التي تدفع باتجاه تغييرات معقدة داخل النظام الدولي، وتحتم تعقيدات المشهد الراهن للتساؤل: هل اصبحت "الفوضى" احدى المبادئ المطبقة في المعادلات المعتمدة لادارة الشؤون الدولية؟

يبدو ان نظرية "الفوضى" وتطبيقاتها في السياسة، الدولية قد اصبحت اكثر قبولاً مع ادارة بوش في ظل هيمنة المحافظين الجدد. لقد ولدت "نظرية الفوضى" في الاصل من خلال "ضرورة الاعتراف بما لا يمكن او يتعذر تنفيذه" في هذا السياق يتساءل البروفسور ستيفن مان: ماذا يمكن ان نفعل عندما نواجه بيئة حرجة؟ وهو لا يجد حرجاً في الاعتراف بضرورة العمل على تحليل طبيعة الوضع الذي نواجهه، وان لا نجد حرجاً في اعتماد الآليات التي لا تتناسب والقيم الأميركية، وان نعترف بأن الفوضى ليست دائماً سيئة او مضرة، وبأن الحفاظ على الاستقرار ليس بالضرورة المطلقة.

ويذهب البروفسور مان إلى تبرير التدخل الأميركي لتغيير الاوضاع في العراق ليؤكد ان وصفة الفوضى وعدم الاستقرار هي مبررة طالما انها تسرع استغلالنا للوضع المعقد من اجل دعم المصالح الأميركية، "ان القضية الأساسية تتركز حول تحقيق المصالح الوطنية، وليس الاستقرار الدولي في الواقع لقد اعتمدنا بعض السياسات التي سرّعت تعميم حالة الفوضى، سواء اعترفنا بذلك ام لا".

لا يقتصر الاعتراف بلجوء الإدارة الأميركية إلى استعمال "نظرية الفوضى" في مواجهة التعقيدات التي تواجهها السياسة الأميركية في العراق او في معرض البحث عن خريطة جديدة للشرق الأوسط، على عدد من المنظرين، بل تعدى الامر ذلك للاعتراف من قبل وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس باعتماد مثل هذه المقاربة القائمة على استعمال الفوضى كمدخل لأحداث تغييرات في البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة، تساهم في المدى الطويل في تحقيق المصالح والرؤية الأميركية للمنطقة.

سأحاول في هذا البحث استعراض التطورات السياسية الدارماتيكية التي شهدتها البيئة الدولية مع نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين وما نتج عنها من سقوط معاهدة ويستغاليا ومبدأ سياسة الدول، وتفرّد الولايات المتحدة في قرارات السلام والحرب، تبعاً لمصالحها ومتطلبات الحرب على الارهاب، معتمداً على تحليل مجريات ونتائج الحرب في افغانستان والعراق والحرب على الإرهاب، ونشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الأوسع، كنماذج حية لتطبيقات "نظرية الفوضى" الخلاقة في مواجهة تعقيدات الوضع الدولي الراهن.

 

نشأة النظام الدولي وتعقيداته:

تحدد قوى وديناميات التغيير السياسي على المستويين الداخلي والدولي مسار التاريخ للنظام الدولي وما يتفرع منه من علاقات بين الدول. اذا تفحصنا التاريخ نجد ان الحياة السياسية، في مناطق معينة من العالم، وفي فترات زمنية محددة، كانت تخضع لنظام واضح المعالم، بحيث تقوم سلطة قادرة على وضع الأسس وجمع الامكانات اللازمة للقيام بعمل جماعي من اجل تحقيق اهداف سياسية او اقتصادية. بينما كانت الصورة مختلفة في أمكنه وازمنة اخرى، بحيث كانت تسيطر حالة من الفوضى وانعدام المسؤولية: وجود علاقات غير منتظمة، وحدود جغرافية غير محددة، ومؤسسات غائبة، او مغيبة عن الدور الذي يفترض ان تضطلع به.

من خلال تحليل عمل المؤسسات السياسية في الحالتين يمكن استنتاج مدى تطور الحياة السياسية وطبيعة النظام السائد وقدرته على التفاعل مع الداخل او مع العالم الخارجي.

من المؤكد ان تاريخ العلاقات الدولية يمتد لعصور قديمة سبقت ما شهدته العلاقات الدولية في القارة الاوروبية في القرن السابع عشر. لكن، لا بد لنا من الاعتراف بأن ملامح وتكوينات قيام نظام دولي قد بدأت تتبلور خلال القرون الثلاثة الاخيرة، لقد ارست معاهدة ويستغاليا التي وضعت عام 648 الاطار العام والمفهوم لقيام نظام دولي، بدأ في اوروبا وتوسع ليشمل معظم دول العالم.

ظهّرت اتفاقية ويستغاليا مفهوم وأهمية ودور اللاعب السياسي والذي يتمثل بالدولة السيدة والمستقلة ضمن حدود معترف بها من قبل الدول الأخرى، وتطور هذا المفهوم خلال القرن الماضي بحيث انه كان يمكن النظر إلى الجغرافيا الدولية كمجموعة من الدول المستقلة والسيدة والقادرة على ممارسة سلطتها ضمن حدودها السياسية، وعلى نسج علاقات خارجية مع الدول الأخرى وفق قواعد قانونية وتنظيمية يفرضها ما يعرف بالنظام الدولي وما تفرع منه مما بات يعرف بالشرعية الدولية، لم تنته عملية التحول السياسي على المسرح العالمي مع نهاية القرن العشرين، فهناك دول جديدة تنشأ في انحاء عديدة من العالم، كما زلنا نشهد تفكك او تفتت دول ومجتمعات اخرى.

ترسم التطورات وديناميات التغيير مختلف المراحل والمحطات لتاريخ العلاقات الدولية، وبالتالي للنظام الدولي، وبعض تفرعاته الاقليمية.

تفرض الدولة داخل المجتمع الذي تحكمه نظاماً يؤمن وحدة وتماسك مكونات المجتمع، وذلك انطلاقاً من مفهوم عام للهوية الوطنية – بحيث انه لا يمكن لاية هوية اخرى ان تنافس المفهوم العام المعتمد من قبل الدولة وان اية محاولة لتقديم المفاهيم الخاصة على المفهوم العام يعتبر خروجاً على المصلحة الوطنية، ومن واجبات الدولة منعها او قمعها. وتحكم الدولة ضمن حدودها بموجب مجموعة من القوانين والتشريعات والتي يأتي الدستور او "قانون الارض" على رأسها ويمكن لهذا الدستور ان يكون مكتوباً او مبنياً على العرف المتوارث والسائد كما هو الوضع في بريطانيا.

تشكل الهوية الوطنية بالاضافة إلى الهويات السياسية التي تنشأ في ظل ورعاية الدولة الاساس لسلوكية المجتمع والدولة، ويقرر مدى التناسق في السلوكية بين المجتمع والدولة مستوى الشرعية السياسية للدولة، مستوى الشرعية السياسية للدولة وسلطاتها، كما يسهّل لها العمل على تعبئة القدرات الوطنية من اجل تحصين موقعها بين الأمم الأخرى او تحقيق اهدافها بالنمو والازدهار.

في المقابل نجد ان الحياة السياسية الدولية، لا تخضع لنفس الاطر التنظيمية والمؤسساتية، بل تسودها حالة من الفوضى، من المفترض (نظرياً) ان تعمل كل دولة منفردة وفق عقلانية تراعي تحقيق المصلحة الدولية المشتركة، وذلك بالتعاون والتناغم مع الدول الأخرى التي تكوّن ما يعرف بالنظام الدولي، وذلك بالتوازن مع جهودها لتحقيق اكبر قدر من مصالحها الذاتية العليا. ولكن لا تخضع قواعد اللعبة في المصالح المتنافسة بين الدول لقوانين وقواعد منظمة، بل لقاعدة القوة والنفوذ، وقدرة الدولة على تقديم مصالحها الخاصة على مصالح الدول الأخرى.

من المؤكد ان هناك منظمات وقوانين وأعراف ترعى النظام الدولي، وأبرزها الأمم المتحدة وما يترفع عنها من منظمات بالاضافة إلى معاهدات دولية وأحلاف وتكتلات اقليمية، ولكنها لا تمتلك التنظيم المتماسك والقوانين الضابطة والرادعة، او نظام السيطرة الأمنية الذي ترعى الدول بموجبه شؤونها الداخلية، فالمؤسسات الدولية تعمل عن طريق نظام عقلاني مرن، يرتكز في اغلب الأحيان على الاقناع او دبلوماسية المساومة، ونادراً ما يلجأ لاعتماد الآلية "القسرية" لتنفيذ قراراته.

في نهاية القرن العشرين كان يمكن النظر إلى العالم على انه يخضع لنظام سياسي دولي مؤلف من طبقتين: الطبقة الأولى وتعنى بالنشاطات السياسية الداخلية مع كل ما يتفرع عنها من نشاطات اجتماعية واقتصادية والتي يجري تنظيمها وضبطها بواسطة منظمات وقوانين تشكل نظام الدولة الراعية لكل عمليات التنافس بين الافراد او بين المجموعات المكونة للمجتمع، والطبقة الثانية التي تتركز على التنافس والتعاون بين الدول ضمن ما يعرف بالنظام الدولي مع كل ما يمكن ان يمكن ان ينتج عن ذلك من تناقض بسبب تعارض المصالح فيما بينها او بسبب سعي بعضها لزيادة مكاسبها على حساب الدول الاضعف منها، من هنا تبرز اهمية ديبلوماسية المساومة للتوفيق بين المصالح المتناقضة، ومنع نشوء ازمات بين الدول تؤدي في حال تفاقمها لنزاعات مسلحة.

 

التغيير المعاصر: سقود معاهدة ويستغاليا

لم يكن نظام الدولة جامداً، بل متغيراً عبر العصور بفعل التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية او تحت تأثير المتغيرات الطارئة على النظام الدولي، خصوصاً المعاهدات والمؤتمرات التي تعقد من اجل السلام الذي يأتي لتصفية نتائج الحروب.

مع انتهاء الحرب البادرة دخل العالم مرحلة جديدة، تسارعت معها عملية التغيير الجيو – سياسي في دول ومناطق عديدة من العالم، وعلى ضوء الضغوط الطارئة للتغيير في بنية الدولة ووظائفها الداخلية او في العلاقات التي تربط بين الدول يبدو ان العالم يتجه إلى تغيير اساسي في المفاهيم السيادية للدولة التي ارستها معاهدة ويستغاليا خلال الفترة التي بدأت مع انتهاء الحرب الباردة يبدو ان العالم معرّض لثلاثة انواع من التغيير:

أولاً: تغيير متسارع في الحدود الوطنية للدول، وذلك من خلال اعادة تركيب بعض الدول ضمن النظام الدولي، لقد شهد العالم في السنوات الاخيرة تفكك بعض الدول والتي كان ابرزها انفراط عقد الاتحاد السوفياتي، والاتحاد اليوغوسلافي، كما جرى اعادة توحيد دول اخرى على غرار ما حدث في المانيا.

لا تؤثر عمليات تفكك او توحيد الدول على مفهوم السيادة الذي كرسته اتفاقية ويستغاليا، فقد غرقت اوروبا بعد توقيع المعاهدة الكثير من التعديلات في الحدود بين الدول، ولكنها لم تترك اثاراً عميقة على مستوى العلاقات فيما بين هذه الدول او على مكانتها ضمن النظام الاوروبي.

ثانياً: تتعرض بعض الدول النامية لضغوط اثنية واجتماعية او اقتصادية او خارجية تضعها على حافة الانهيار والتفكيك وفقدان السلطة والتي قد تؤدي إلى تفتيت وتحويل الدولة إلى مجموعة من الدويلات المتحاربة لأسباب اثنية او طائفية، او لاختلاف اللغة والثقافة بين مكوناتها الاجتماعية او لأسباب اقتصادية واجتماعية، ويمكن في هذا الاطار ادراج العديد من الدول الافريقية تحت هذا العنوان، والتي يبدو ان تفجّر الصراعات داخل مكوناتها الاجتماعية يدفع باتجاه تغيير حتمي في بنية الدولة وفي خريطتها الساسية. تتجه هذه الدول نحو صراعات تهدد وحدتها الوطنية، وتهيئ لولادة دويلات وهويات وطنية جديدة، تفرض نفسها على المجتمع الدولي المعاصر كما يجري في السودان والصومال. تشهد مناطق عديدة من العالم مثل هذه النزعة الانقسامية حيث اننا شهدنا بعض مظاهرها في اندونيسيا والاتحاد الروسي والبلقان واوروبا وافريقيا. وتلقى الحركات الانفصالية في اكثر الاحيان دعماً من النظام الدولي بما فيه الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة مما يؤشر على تهديد كل مفهوم سيادة الدولة التي كرستها معاهدة 1648 المعروفة بمعاهدة ويستغاليا.

ثالثاً: نشوء تعقيدات في النظام الدولي وفي العلاقات بين الدول وهي تهدد النظام الدولي الذي يقوم على علاقات متوازنة ومحددة بين دول مستقلة وذات سيادة، نجد اليوم ان الاستقلال والسيادة للدول مهددان بمجموعة من التعقيدات التي طرأت على مسائل حيوية كالأمن، والهجرة غير الشرعية، وحركة رؤوس الاموال، والمسائل البيئية، والمسائل الصحية، والفوارق في الثقافة واللغة، كل ذلك يؤشر إلى سقوط الحواجز الحدودية من خلال نشوء مؤسسات دولية للتعاون او من خلال قرار "إرادي" تتخذه بعض هذه الدول لأسباب اقتصادية او انسانية او سياسية.

شهد العالم في العقدين الاخيرين من القرن العشرين نشوء مؤسسات دولية عديدة، تشجع على تحرير عمليات التبادل التجاري والثقافي والامني بين الدول ومن ابرزها: منظمة التجارة العالمية، ونظام التعاون الاوروبي – المتوسطي وغيرها من المنظمات الدولية والاقليمية على غرار مجلس التعاون الخليجي والسوق العربية الموحدة (الموعودة)، والاتحاد الاوروبي وغيرها.

تدفع كل هذه المؤسسات الدولية – والتبدل في نظام العلاقات بين الدول إلى اسقاط مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والتي قضت به اتفاقية ويتسغاليا، ومن هنا فإن عملية السقوط التدريجي لمبدأ سيادة الدول هي عملية مستمرة تحت ستار حل النزاعات الداخلية او الاستقرار او الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي او الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان.

يمكن من الناحية النظرية تغيير النظام الدولي من خلال ادخال تعديلات تنظيمية عليه ولكن لا يمكن ان يحدث مثل هذا التغيير الا من خلال الحوار والتوافق بين الديناميات السياسية، والتي تعبّر عن مواقفها من عملية التغيير على اساس مدى مراعاة النظام الجديد لمصالحها، لكن هذه الآلية والارادية للتغيير لا توضح مدى تأثير التغييرات الطارئة على البيئة الدولية وانعكاساتها على تنظيم الدولة، وقراراتها حيث انه لا يمكن عزل الدول عن ما يجري في اليبئة المحيطة بها خصوصاً لجهة ما يعود للمتغيرات الاقتصادية والعولمة التكنولوجية والهجرة الكثيفة والتحولات السياسية واختلال موازين القوى والقدرات العسكرية المتوفرة. وتساهم التطورات والمتغيرات الداخلية للدول بنفس القدر للعناصر المؤثرة خارجياً في رسم صورة النظام الدولي، ومن ابرز العناصر الداخلية المؤثرة: النمو الاقتصادي، القدرات العسكرية، والوفاق او الخلاف السياسي بين الديناميات السياسية، وانطلاقاً من هذه المتغيرات الداخلية والتفاعلات مع المحيط، يمكن تحليل التفاعل التاريخي الذي جرى داخل المجتمعات الاوروبية وبين الدول الاوروبية نفسها، من اجل بناء الاتحاد الاوروبي.

لقد تناسى الاوروبيون كل الانقسامات السياسية والصراعات السابقة من اجل بناء مجتمع اوروبي جديد يقوم على الحوار والمصالح الجامعة، ولكن هذا النموذج الحضاري لحل الصراعات واقامة نظام سياسي على انقاض هذه الصراعات لم يكن من الممكن تعميمه سواء لاقامة هوية دولية جامعة او لتنقية النظام الدولي من الصراعات والانقسامات، من هنا برزت اهمية رسم اطار تنظيمي وقانوني لضبط الحركة التنافسية لمصالح الدول، وخصوصاً في مواجهة الخلافات والصراعات التي خلفتها الدول المستعمرة في الدول الافريقية التي نالت استقلالها منذ مطلع الستينات من القرن الماضي، او التي نشأت من جذور ازمات مزمنة كأزمة البلقان، او جراء نتائج التوافقات الدولية التي تمت في اعقاب الحربين العالميتين، وذلك بالاضافة إلى ما تسببت به الحرب الباردة من صراعات على النفوذ على المسرح العالمي بين الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة والدول الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي، ومن ابرز الصراعات المزمنة، الآن في العالم الصراع العربي – الإسرائيلي، وازمة كشمير بين الهند وباكستان والتي ما زالتا تهددان بشكل جدي الاستقرار والسلام الدوليين.

ولا يمكن في هذا الاطار اغفال الاشارة إلى تهديدين جديدن للسلام الدولي وهما يتمثلان بالتهديد الارهابي، والذي ظهرت شمولية مخاطره مع تنظيم القاعدة في اعقاب ما شنته من هجمات كبرى على المسرح العالمي، والتي كان اخطرها هجمات 11 ايلول ضد نيويورك وواشنطن، اما التهديد الآخر فيتمثل بخطر انتشار اسلحة الدمار الشامل، وسعي بعض الدول والتي تتهمها أميركا بأنها تمثل محور الشر لامتلاك السلاح النووي ووسائل الهجوم الأخرى المتممة له كالصواريخ البعيدة المدى.

لكن يبقى التطور الأبرز على المسرح الدولي بسقوط الاتحاد السوفياتي وتحول النظام الدولي إلى نظام القطب الواحد بدل نظام القطبين، تنفرد اليوم الولايات المتحدة، مع كل ما تملكه من طاقات متفوقة في السعي لفرض هيمنتها السياسية والاقتصادية والامنية على المسرح الدولي، من خلال استعمال منظمة الأمم المتحدة كأداة لتبرير قراراتها، واذا تعذر ذلك فلا ضير لديها من اللجوء لاتخاذ قرارات احادية تجيز لها التدخل في شؤون الدول الأخرى، بما في ذلك شن حرب شاملة كما حدث في افغانستان والعراق.

تحاول الولايات المتحدة فرض مفاهيم جديدة على العالم في ظل سياسة العولمة، والحرب على الارهاب، من خلال رفع شعار تعميم الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان متخذة من الشرق الأوسط الأوسع مسرحاً لتجاربها في تطبيق نظرية الفوضى، من اجل تغيير نظم الحكم في معظم دول المنطقة، مسقطة بذلك كل ما تبقى من مفاهيم السيادة التي نصت عليها معاهدة ويستغاليا.

 

نظرية الفوضى والبحث عن الحلول

رأت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية في حديث ادلت به لصحيفة واشنطن بوست الأميركية في مطلع شهر نيسان الفائت بأن التحول الديمقراطي في منطقة الشرق الاوسط قد اصبح ضرورة لا بد من السير بها، حتى ولو ادى ذلك إلى التخلي عن انظمة عرفت بموالاتها او بتحالفاتها مع الولايات المتحدة، واعتبرت رايس ان لم يعد من الممكن الحفاظ على سياسة الامر الواقع التي اعتمدتها الولايات المتحدة في المنطقة لنصف قرن، تحت شعار الحفاظ على الاستقرار او الستاتيكو.

وواجهت رايس التحذيرات التي تطلق بان السماح بتعميم الفوضى وعدم الاستقرار قد لا يفسح في المجال لقيام حكومات ديمقراطية، وبأن المنطقة الآن تواجه خياراً يتراوح ما بين الفوضى واستيلاء القيادات الإسلامية (المعادية لأميركا) على السطلة، وردت رايس على هذا الاحتمال بأن الوضع الحالي في المنطقة ليس مستقراً ومن هنا فإن ما يمكن ان تثيره عملية التحول نحو الديمقراطية من فوضى بداية، هو من نوع "الفوضى الخلاقة" التي لابد منها عن اجل تغيير اوضاع المنطقة نحو الافضل.

يعكس موقف الوزيرة رايس النزعة الجديدة التي اعتمدتها ادارة الرئيس بوش في مقاربتها الاستراتيجية الجديدة تجاه منطقة الشرق الاوسط، والتي تنطلق من قاعدة ضرورة بناء تصور جديد لدور أميركي جديد، انطلاقاً من انتصار أميركا في الحرب الباردة، ومن بروزها كقوة عظمى وحيدة في العالم تملك من فائض القوة الاقتصادية والعسكرية، والثقافية ما يمكنها من رسم صورة تتوافق مع مصالحها وتطلعاتها المستقبلية.

تنطلق فكرة التغيير هذه من مجتمع سياسي يعرف بالمحافظين الجدد، حيث يجمع هؤلاء على انه لم يعد من الممكن او الجائز مواجهة التهديدات والشكوك التي تتهدد أميركا والعالم من خلال مفاهيم وسياسات العصر الماضي، ويرى هؤلاء وهم نخبة من المثقفين بضرورة اعادة صياغة المفاهيم التي ترتكز عليها السياسة الأميركية الخارجية حيث لم تعد المفاهيم المبسطة كافية، وبأنه لا بد من تطوير مفاهيم جديدة قادرة على الجمع بين المتناقضات والتعامل معها بواقعية، وعلى ضوء المتغيرات التي طرأت مؤخراً كان يمكن التعامل مع كل المسائل المتناقضة التي حدثت في القرن الماضي من خلال معادلة "القطبين" وقواعد الحرب الباردة، لكن لم يعد من الممكن الابقاء على هذه المقاربة وادواتها، فهناك حاجة الآن لاعتماد مفاهيم اخرى تأخذ بالاعتبار التطورات التي حدثت بعد انتهاء الحرب الباردة وعلى ضوء هجمات 11 ايلول والحرب على الارهاب. وتشدد هذه النزعة السياسية الجديدة على ضرورة اعتماد مفاهيم قادرة على التعامل مع كل التهديدات والمتغيرات في النظام الدولي على اساس من الشمولية مع التأكيد على الدور الأميركي المهيمن على ادارة هذا النظام الدولي الجديد.

ويشارك في هذه الرؤية الجديدة فريق من الأكاديميين والسياسيين، وقد استطاع هؤلاء التغلغل في كل مرافق صنع القرار الأساسية في إدارة الرئيس بوش، ويدّعي هؤلاء بأنهم يملكون الدواء الشافي من كل الأمراض التي تعاني منها سياسة الولايات المتحدة والعامل لفترة ما بعد الحرب الباردة لا تخشى هذا الفريق ما تخفيه التناقضات والتهديدات والغموض التي تلف المشهد الدولي الراهن وما يمكن ان ينتج عنها من متغيرات لا يمكن توقعها بصورة مسبقة فيما لو بادرت الولايات المتحدة لاستعمال فائض نفوذها وقوتها من اجل رسم الإطار الجديد للسياسة الدولية وفق حاجات الأمن الأميركي، ويمكن استقراء ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية رايس حول سياسة التغيير نحو الديمقراطية في المنطقة بأنه يعكس ما يعرف بنظرية "الفوضى" او التعقيدات السياسية، وتركز نظرية التعقيدات السياسية على تحليل الظواهر والحالات المعقدة انطلاقاً من إطار نظري يستعمل للتقصي والبحث عن الدواء الشافي لمعالجتها من خلال اعتماد أنظمة مركبة للحل وصالحة وبالتالي لوضع الاستراتيجيات الفاعلة في إجراء التغيير المطلوب وإذا لم تنجح الوصفة فلا مانع من تكرار التجربة.

لا يمكن السير قدماً في فهم ما يواجه العالم من تعقيدات سياسية من خلال التعرف على ما يقرب العلاقات الدولية من اختلالات، بل هناك حاجة لطرح مجموعة من الاسئلة للتأشير على عمق وتراكم هذه التعقيدات التي تشكل الصفة العامة لعالم اليوم: كيف تقوّم عالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة؟ كيف يجب ان ننظر إلى صورة العالم ما بعد هجمات 11 ايلول؟ كيف يمكن ان تتحكم بالحركة المتسارعة للتغيير مع كل ما تتركه من أثار على المسار الدولي سواء لجهة تقدم او تراجع دور مختلف اللاعبين في السياسة الدولية؟ وما هو النظام الجديد الذي يمكن اعتماده لإدارة اللعبة الدولية، في ظل تراجع مفهوم السيادة الذي أرسته معاهدة ويستغاليا عام 1648؟ ما هو النظام الجديد الذي يمكن اعتماده لضبط حركة التغيير الحاصلة في العالم مع كل ما تحمله من غموض وتعقيدات ومخاطر؟ هذه الأسئلة وعشرات غيرها تصوّر مدى التعقيد الذي يواجه السياسة الدولية والنظام الدولي والذي يبدو ضاغطاً على المخططين وصنّاع القرار في الدولة العظمى الوحيدة، الجاهدة إلى فرض هيمنتها على العالم.

لا تتوقف صعوبة البحث عن "الدواء الشافي" للتعقيدات التي يواجهها عالم اليوم، بالنسبة إلى المخططين الأميركيين عند حدود الاختلالات السياسية بين الدول بل يضيفون اليها ديناميات اخرى تزيد من تعقيداتها وغموضها والشكوك التي تخلفها جراء حركة التغيير المستمرة، فهناك ايضاً التطور التكنولوجي المتسارع والذي يضع أميركا في موقع متقدم حتى بالنسبة للدول الصناعية الأخرى، وهناك انهيار قواعد الثقة، ونظرة الشك التي تنظر بها الدول الأخرى إلى الولايات المتحدة وتحمل العولمة الاقتصادية وما نشأ منها من مفهوم سياسي اقتصادي جديد يعرف "بدولة السوق" إلى الدول الأخرى كماً من التعقيدات والانقسامات التي تضع العالم في حالة من الصراع ما بين فريقين: الاغنياء والاقوياء والفقراء او الضعفاء، ويضاف إلى ذلك ثورة المعلومات وتكاثر المنظمات في المجتمع المدني والدولي، والتحول نحو الديمقراطية، ونشوء الحركات الاصولية والمنظمات الارهابية، والنزعة المتصاعدة للانتشار النووي وغيره من اسلحة الدمار الشامل، والازمات والصراعات الاقليمية المزمنة. تزيد كل هذه العوامل من تعقيدات السياسة الدولية الراهنة بحيث يبدو النظام الدولي وكأنه مبحر باتجاه المجهول، ويفسح هذا الوضع المعقد امام المجتهدين من المنظرين من اتباع المدرسة السياسية الجديدة المهيمنة على ادارة بوش لانتقاء مسارح عمليات عديدة لتجربة نظرياتهم كالتي تعرف بنظرية "الفوضى الخلاقة".

يبدو ان نظرية "الفوضى الخلاقة" هذه ليست جديدة على الفكر السياسي الأميركي وهي تنطلق من التقويم للبيئة الراهنة، ومن المصالح الأميركية الاستراتيجية ومدى تأثرها بالمتغيرات وتعارض كل ما يجري مع المفاهيم الأميركية وهذا ما يدحض القاعدة التي تصف كل الفوضى بأنها سيئة او هدامة وبأن كل حالات الاستقرار هي جيدة وينبغي تدعيمها او الحفاظ عليها وينطلق داعمو نظرية "الفوضى الخلاقة" من ان العلاقات الدولية الخاضعة لمعاهدات وتوافقات ومؤسسات كالأمم المتحدة وكل المنظمات التابعة، تواجه اليوم بعض المشاكل الحادة، وذلك بسبب الخلل في لعبة المنافسة بين الدول، او الخلل الذي يمكن ان تتسبب به التطورات الداخلية في احدى دول النظام الدولي، وتقول النظرية بأنه مهما بلغ النظام القائم على المستوى الدولي من التطور، فهو نظام مركب ومعقد، وهذا ما يجعله حساساً وعرضة لتأثيرات احداث طارئة في داخله، تبدأ بخلل يصيب حركة احد الاجزاء، ويتسبب هذا الحدث بردود فعل تقوم بها الاجزاء الأخرى التي تؤثر على انتظام العمل داخل النظام ككل.

يفسّر هذا المنطق ما يشهده العالم من تطورات، فالعالم يشكل هذا النظام المعقد، وهو معرّض لاهتزازات مستمرة بسبب أي خلل سياسي او اقتصادي او اجتماعي قد يصيب احدى الدول، ولا يمكن للنظام الدولي بكل تعقيداته منع تكرار مثل هذا الخلل وانعكاساته على المشهد الدولي الشامل، ولكن يمكن للنظام الدولي تدارك ان تتحول دينامية الخلل إلى كارثة اجتماعية او سياسية او امنية، قد تخلق بنتائجها السلبية قوة جذب لقوى اخرى للتدخل فيتحول الخلل المحدود إلى صراع فعلي وموسع تتشارك فيه قوى وديناميات دولية وداخلية، ويمكن لنا ادراك مدى هشاشة الاستقرار الدولي من خلال مراجعة عامة لكل الأحداث والتطويرات التي شهدها المسرح العالم منذ انشاء الأمم المتحدة، حيث لم تبق اية ازمة مهما كانت محدودة سواء داخلية او اقليمية ضمن الحدود الجغرافية التي نشأت فيها، بل اثرت باشكال متفاوتة على النظام والتوازن الدوليين وهكذا يمكن الاستنتاج بأنه لا يمكن تصور عالم متوازن محصّن في استقراره بل عالم متنقل من حالة استقرار هش إلى اخرى.*

هذه الحالة الهشة من الاستقرار تشكل ظاهرة متجددة لبيئة دولية معقدة، ودينامية، وهي دائمة التغيير، بحيث انه لا يمكن تصور امكانية الوصول إلى نظام دولي مانع او ضابط للفوضى، وهنا تكمن الاشكالية التي تواجهها الدعوات باعتماد نظرية "الفوضى الخلاقة" من اجل تحقيق عملية التغيير في النظام الدولي والاقليمي الشرق أوسطي.

كان البعض يعتقد انه بانتهاء الحرب الباردة، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي بأن النظام الدولي سيتخلّص من كل تداعيات المنافسة بين قطبين يحاولان تقاسم النفوذ على المسرح العالمي، وبأن نظاماً جديداً سيبرز، يقسم بالاستقرار والتعاون وتديره قوة واحدة دون منافس، لكن لم يحدث ذلك حين واجه المجتمع الدولي سلسلة من الازمات المتلاحقة، لقد شهد النظام الدولي خلال خمس سنوات تفجّر ازمات كبرى في الصومال، وهايتي، والبوسنة، وافريقيا الوسطى والشيشان، بالاضافة مع مجموعة اخرى مما يمكن تسميته بثلثي ازمة في ابخازيا وكشمير وسريلانكا، ويؤشر كل ذلك على ان العالم مازال يعيش في بيئة سياسية لا يمكن التحكم فيها بكل الاحداث او التطورات، ولكن لابدّ من الاقرار بأن النظام الدولي قد تحرك لوقف التدهور والفوضى وبالتالي منع انتشارها وتعميمها، ولكن لم يتم معالجة هذه الازمات بالسرعة والفعالية اللازمة في اكثر من حالة، مما سمح باستمرارها لفترة طويلة او مما فتح في المجال لوقوع مجازر وعمليات تنظيف عرقي وقتل جماعي كما حدث في معظمها، هناك نزعة لتعميم نظرية الفوضى والتعقيد على كل المسائل الاجتماعية، كما اصبحت مقبولة للتطبيق في المسائل المتعلقة بالاقتصاد.

ترتبط نظرية الفوضى ارتباطاً وثيقاً بكل العلوم حيث تغيب المقاييس الدقيقة وتزداد مخاطر استعمال العوامل والاهواء الشخصية كمعيار للقياس، ويرى الدكتور غالاتزار – ليفي المتخصص في علم النفس التطبيقي بأن "نظرية الفوضى ولدت من خلال الاعتراف بأن هناك اشياء لا يمكن تحقيقها" ويضيف ايضاً ان اي نظام معقد يمكن تصوره لا يمكن رسم توقعات حول ما سيحدث داخله من تطورات او متغيرات خلال فترة طويلة من الزمن.

 

ماذا عن اعتماد او تطبيق "نظرية الفوضى" في التخطيط السياسي والاستراتيجي البعيد المدى؟

وما هي الخيارات لامكانية تطبيقها في ادارة الصراعات ضمن بيئة سياسية معقدة، وفي ظل وجود اهداف متعارضة حول صورة الخريطة السياسية الجديدة التي يسعى اليها اطراف الصراع على غرار ما جرى في البوسنة؟

تدفع التطورات والأحداث السياسية الدراماتيكية التي شهدها العالم مع نهاية القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين بصناع القرار السياسي وبواضعي الاستراتيجيات البعيدة المدى للشعور بأنهم يعملون في جو يخيم عليه الشك والغموض، كل شيء من حولهم يتحرك بسرعة متناهية، وهناك ترابط بين الاحداث بغض النظر عن البعد الجغرافي الذي يفصل فيما بينها، مما يجعل العالم كله يتحول إلى مسرح شامل للعمليات فإذا تحركت احدى دينامياته، فلا بد من التحوط لما يمكن ان تكون ردود فعل ديناميات متعددة في زوايا اخرى من مسرح العمليات الدولي، لقد غيرت التكنولوجيا وخصوصاً تكنولوجيا الاتصالات والاعلام عبر الفضائيات البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الدولية، كما ضاعفت لمرات عديدة اهمية عنصر الزمن، لقد غاب العالم الرتيب السائر على وقع بطيء إلى غير رجعة وحل مكانه عالم سريع الحركة، كثير المتطلبات تتآكله صراعات قديمة وتواجهه تعقيدات وازمات مستجدة لا طائل له بحلها، في ظل سياسة التنافس بين الحضارات وبين الاقوياء والضعفاء والاغنياء والفقراء.

ضاعف انتهاء الحرب الباردة من أجواء الشك والغموض التي كانت سائدة في ظل نظام القطبين، ولم تكن الولايات المتحدة مستعدة لملء الفراغ الحاصل وهذا ما يفسّر لجوءها لأدوات القوى الاستعمارية الغابرة لتصفية كل تركة عالم القطبين بشكل سريع ليتحقق لها همينة مطلقة على النظام الدولي، من خلال فرض سياسة التغيير التي تتناسب مع توجهاتها ومصالحها السياسية والاقتصادية، مع اسقاط كل الحواجز والعوائق التي يمكن ان تعترضها وذلك من خلال تحويل كل مؤسسات النظام الدولي إلى ادوات خاضعة لها، او من خلال اسقاط كل التقاليد والاعراف الديبلوماسية المعتمدة بما فيها مبدأ سيادة الدول على اراضيها والتي كرستها معاهدة ويستغاليا عام 1648.

تشكل الأزمة التي عصفت بالاتحاد السوفياتي احدى ابرز مظاهر التعقيد في السياسة الدولية، ويبدو من الاثمان التي ترتبت على ضعف المعالجات الديبلوماسية والعسكرية للوضع هناك، ان اللاعبين الكبار قد فشلوا في بناء رؤية واضحة حول تطورات الوضع بين مختلف اللاعبين المحليين، فاقتصرت الاستراتيجية المعتمدة في السيطرة على النزاع، تمهيداً للبحث عن حل نهائي على مجموعة من الخطوات الجزئية والمؤقتة، وبشكل يوحي ان آفاق الرؤية السياسية بقيت ملبدة بضباب كثيف لسنوات عدة، وأن الانتكاسات الكبرى على المستويين السياسي والامني خير دليل على هيمنة أجواء من الشك والغموض على الاستراتيجيات المتبعة والتي تؤشر إلى تطبيق نظرية الفوضى، حيث اتسمت كل المعالجات السياسية والعسكرية بصفة الخطورة القصوى.

لم يكن بوسع اي من الديبلوماسيين الباحثين عن حل لازمة البوسنة في ايلول 1995 بناء رؤية سياسية، او امنية واضحة، عن ما يجري على ارض الواقع، وهذا ما يفسّر التأخير الذي حصل في منع حصول مجازر وتنفيذ عمليات للتنظيف العرقي بشكل واسع، كان من المستحيل التعرّف على حظوظ الانقسام بين مختلف القوى المتصارعة في البوسنة او حولها، فهناك الحرب ضد الكروات، ومن ثم الحرب إلى جانبهم من قبل مسلمي البوسنة، الجيش البوسني من المسلمين يشتبك في حرب واسعة، مع جيش آخر من صرب البوسنة، وهناك افرقاء من المسلمين يضربون تحالفات مع هذا الفريق او ذاك.

كان الوضع في غاية التعقيد، وهو وضع متغيّر تتعرف على دينامياته اليوم، فتتغير خلال ساعات سواء على الارض او من خلال الاتصالات المتواصلة ما بين العواصم الاوروبية وموسكو او مع واشنطن او داخل الأمم المتحدة، بلغت الامور حداً من التعقيد والغموض بحيث لم يكن من الممكن وضع خطة معينة لمعالجة الازمة بوجهها السياسي والامني، وكانت هناك اسئلة ملحة تطرح نفسها على كل اللاعبين.

ما هي الرؤية التي يمكن اعتمادها لتقرير مستقبل الاتحاد اليوغسلافي؟

كيف يمكن التعامل مع الموقف المتصلب للقادة الصرب في بلغراد وفي البوسنة؟

ما هو الدور الذي يجب ان تقوم به الأمم المتحدة؟ ما هي مخاطر او حسنات ترك امر ايجاد حل للوضع في البلقان للاتحاد الاوروبي وعلى اساس انها قضية اوروبية مزمنة؟

ما هو الدور الأممي الذي يجب ان يناط بقوات الأمم المتحدة العاملة في البوسنة؟

ما هي المهمات الاستراتيجية التي يجب ان تناط بالقوات الجوية التابعة لحلف شمالي الاطلسي؟

اين يجب البحث عن حل سياسي للازمة؟ اقليمياً اي في موسكو وبلغراد وزغرب؟ في اطار الاتحاد الاوروبي؟

ما هي امكانية نجاح انعقاد مؤتمر دولي يضم واشنطن وموسكو والاتحاد الاوروبي وبرعاية الأمم المتحدة لوضع رؤية للحل السياسي في البوسنة؟

ما هو الموقف النهائي من نظام ميلوسوفيتش؟

 

كانت آفاق الرؤية السياسية والامنية مسدودة امام كل اللاعبين في هذه الازمة على المستويين المحلي والدولي، لم يكن بإمكان احد القيام بأي تحرك لضبط ديناميات الصراع ووقف الدراما اليومية الواقعة على السكان المدنيين، لقد غرق الجميع في حرب متحركة، تتحرك فيها خطوط المواجهة بين ليلة وضحاها، فينقلب حلفاء الامس إلى اعداء اليوم.

لم يكن بامكان احد إجراء تقويم موضوعي للوضع السياسي والامني في ظل التقلبات الدراماتيكية على الارض او المناورات السياسية التي كانت تعتمدها موسكو وبلغراد من اجل تفشيل اية مبادرة سلام او من اجل حماية ميلوسوفيتش ونظامه، وهذا ما يفسر حالة الفوضى والخطورة التي سيطرت على كل المقاربات السياسية والامنية، والتي نتجت عن العجز في تكوين رؤية لها اهدافها المعروفة، والتي تتبع استراتيجية واضحة المعالم والمراحل، والخيارات التي تحدد النتائج المتوخاة.

لا يمكن بناء استراتيجيات متماسكة في ظل انسداد الافق السياسي لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى استحالة إجراء تقويم موضوعي لكل الاحتمالات الممكنة، كما تغيب في مثل هذه الحالة من الفوضى الشاملة التي يعمل لها عن قصد اللاعبون الاساسيون، كل بهدف احراج اخصامه، كل المقاييس والآليات الدولية اللازمة لحل او ادارة الصراع، مما يدفع بكل الاطراف إلى اعتماد طرائق واستراتيجيات تجريبية، هدفها آني ويتركز على تأخير الحل او ارهاق الآخرين تمهيداً لتهيئة الظروف الفضلى من وجهة نظر هذا الفريق او ذاك.*

وانتجت هذه الاستراتيجيات التجريبية مع كل ما حملته من احداث، تغييرات سواء في مقاربة اللاعبين لفهم الصراع، ولدور كل فريق فيه او في تنظيم العلاقات بين مختلف الاطراف، وكانت ردود الفعل الحاصلة بناء على ذلك تتسبب في اغلب الاحيان بمزيد من التعقيدات للصراع خصوصاً وان كل الاستراتيجيات قد اعتمدت على مقاربة الديبلوماسية الضاغطة القائمة على تسعير جبهات القتال داخل البوسنة او الضغط على النظام العربي بتكثيف العمليات الجوية.

 

البيئة والاستراتيجية الجديدة

تركزت سياسة الامن القومي الأميركي خلال النصف الثاني من القرن العشرين حول مفهوم الحرب الباردة، والتي وضعت الولايات المتحدة وحلفاءها في مواجهة الاتحاد السوفياتي استعملت الولايات المتحدة كل ما تملكه من قدرات سياسية وديبلوماسية وعسكرية واقتصادية وتكنولوجية واعلامية في هذه الحرب الطويلة، ونجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في احتواء النفوذ السوفياتي والمد الشيوعي في مناطق عديدة من العالم، بلغت المنافسة مستوى مرتفعاً دفع موسكو لإعلان عدم قدرتها على الاستمرار، فبدأت مسيرة التراجع امام المد الأميركي والاوروبي والذي ادى إلى تفكك الاتحاد السوفياتي وكل الانظمة الاشتراكية الدائرة في فلكه.

والآن، ومنذ مطلع القرن الحادي والعشرين ظهر تهديد شمولي جديد هو الارهاب، والذي اعلنت الولايات المتحدة شن الحرب عليه في كل مكان في اعقاب هجمات 11 ايلول على نيويورك وواشنطن، يسود اعتقاد عام على ان الحرب على الارهاب ستكون طويلة واكثر تعقيداً الحرب الباردة، حيث تضع الحدود وتختفي خطوط المواجهة بالمقارنة مع الحرب السابقة، كما تتغير منهجيات وتقنيات المواجهة.

غيّرت الحرب الباردة هيكلية الأمن الوطني الأميركي، فتمحورت كل الإدارة الأميركية حول مفهوم جديد عرف "بدولة الامن الوطني"، والتي ارتكزت على قانون 1947 للأمن الوطني، وعلى تنظيم كل المؤسسات الدفاعية والاستخباراتية، وما نبع ذلك من عقيدة واستراتيجيات حول مفهومي الردع والاحتواء، من ابرز مواصفات الحرب الباردة بأنها اتسمت بفكر محافظ، فلم تشهد تغييرات في المفاهيم او الاستراتيجيات مع تعاقب الادارات على واشنطن ويمكن القول ان المفاهيم التي اعتمدتها كل من واشنطن وموسكو كانت متشابهة، فتصرف الاتحاد السوفياتي كدولة مسؤولة ضمن النظام الدولي مما سهّل حل كل المصاعب الطارئة من خلال الديبلوماسية، كما امكن عقد العديد من المعاهدات بين الجبارين.

في الاستنتاج العام، كان يمكن رسم سياسات طويلة الأمد، لها اهدافها ويمكن من خلال التحليل ارتقاب ردات فعل الطرف الآخر، ومن خلال آليات التفاهم والتعاون تراجع خطر حدوث مواجهة نووية شاملة بين المعسكرين، بعدما حوّلت البيروقراطية السياسية والامنية المواجهة من مفهوم تحقيق النصر عن طريق هزم الخصم إلى مفهوم تحقيق الاستقرار من خلال بناء جسور الثقة.

لم يأخذ الاستراتيجيون الأميركيون بجدية كل المؤشرات التي سبقت هجمات 11 ايلول على ان هناك تبدلاً اساسياً على وشك الحدوث في البيئة الامنية والاستراتيجية، وهذا ما يفسّر الارتباك الذي طبع ردات الفعل الأميركية لمواجهة تهديد الارهاب الشمولي، كانت ردات الفعل الأميركية تقليدية حيث استندت على تقنيات ومعايير الحرب الباردة، في مواجهة خطر غامض، ومنتشر فوق كل القارات ومجهول الهوية والدوافع.

كالعادة، واجهت واشنطن الارهاب بتشريعات تنظيمية جديدة، كما سبق وواجهت الحرب البادرة فأنشأت وزارة للأمن الداخلي كما شرعت قانون المواطن وادخلت تعديلات اساسية على النظام الأمني والمخابراتي، ومن المتوقع ادخال تعديلات اخرى على كل وظائف الامن القومي الأميركي، ودعمها بتحالفات عديدة وخصوصاً مع الدول العربية والإسلامية.

تتعامل الولايات المتحدة مع الارهاب بنفس النظرة التي تعاملت بها مع الشيوعية، فالارهاب المستند على تعصب الاصولية الإسلامية في نظرها هو عدو خبيث، تماماً كما كانت الشيوعية، وهنا يكمن سوء فهم المخططين الأميركيين للحركات الإسلامية بأبعادها التجددية والثقافية حيث يختلط فيها المتطرفون بالمعتدلين، بشكل يوسع اطارها وانتشارها، بحيث لا يقتصر عددها على بضعة آلاف وانتشارها على عدد محدود من الدول بل تتوسع لتشمل ملايين من المسلمين المنتشرين في كل اقطار الارض. يجب ان لا يوحي هذا الكلام ان هناك ملايين من المسلمين المصنفين ارهابيين، بل للقول بأن هناك تغلغلاً للجماعات الاصولية بين ملايين المسلمين المتعايشين معهم.

في هذه البيئة الاستراتيجية الواسعة ينظر إلى السياسات الأميركية من قبل جماهير من المسلمين على انها تشكل تهديداً للمسلمين وعدواً للاسلام، فهناك ملايين من العرب والمسلمين ممن يتهمون الولايات المتحدة بأنها تشن حرباً ضد الاسلام ومن خلال مفهوم "صراع الحضارات" الذي جاء به المؤرخ مايكل هانتنغتون، يؤشر عدد من الدراسات الاحصائية ان هناك نسبة عالية من المسلمين ممن يعتقدون بأن أميركا تقود حرباً مباشرة ضد الدول الإسلامية، كما انها تتآمر من اجل تفجير المجتمعات الإسلامية من الداخل واشعال نيران الفتنة والحروب الاهلية، تمهيداً لتقسيم هذه الدول.*

على عكس ما كانت عليه الحرب الباردة، لا تسعى الولايات المتحدة لمواجهة امبراطورية منافسة او مهددة لها، بل تواجه مهمة معقدة جداً لا تقتصر على قتل او اعتقال بضع مئات من الارهابيين المعروفين بل تتعدى ذلك إلى اقناع شريحة واسعة جداً من العالم الاسلامي للقبول بقيم الغرب والانفتاح على الحداثة، وتخفي الولايات المتحدة هذه الحقيقة وراء ستار الحرب على الارهاب وهل يمكن تبرير اطلاق مشروعها للتغيير تحت عنوان الشرق الاوسط الأوسع الا من خلال الاجندة الخفية لعنوان الحرب على الارهاب؟

بالرغم من التبدل الدراماتيكي في البيئة الاستراتيجية فقد بدأت أميركا الحرب على الارهاب بنفس الاستراتيجيات والتقنيات التي اعتادتها البيروقراطية في مختلف الدوائر العاملة في حقل الامن القومي وخصوصاً في وزارتي الدفاع والخارجية. ووجدت الدوائر بأعمال وبردود فعل آحادية كان من نتيجتها زيادة تعقيد الأوضاع في عدد من الدول، كما وجدت نفسها في حالة من العزلة حتى مع اقرب الحلفاء، فكان ان اختلفت النتائج عن الأهداف المرسومة في معظم المقاربات التي اعتمدتها وخصوصاً في كل من افغانستان والعراق، وتعكس نتائج الحربين في افغانستان والعراق كمية كبيرة من التناقضات والتي تؤشر إلى مدى الغموض والشك الذي لفّ الاستراتيجية الأميركية، والتي يمكن تفسيرها من خلال تحليلها وفق مفاهيم "نظرية الفوضى" في مواجهة التعقيدات السياسية والاستراتيجية الناتجة عن سوء قراءة للوضع الدولي.

اولاً: شنت الولايات المتحدة الحرب على افغانستان بهدف تدمير حكم طالبان والقاعدة واقامة حكم مستقر في تلك البلاد، ولكن النتائج لم تكن على مستوى التوقعات، كما ان الثمن الباهظ الذي تكلفته افغانستان لا تبرره النتائج المحدودة جداً على طريق انشاء حكم ديمقراطي ومستقر، فالبلد مقسم بين قيادات عشائرية إلى دويلات، بحيث لا تتعدى سلطة الحكومة المركزية اطار مدينة كابول العاصمة.

ثانياً: لا وجود لأسلحة الدمار الشامل في العراق ولا شيء يؤكد لوجود علاقات بين نظام صدام حسين مع تنظيم القاعدة من اجل تبرير الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد العراق، في غياب ذلك لجأ الرئيس بوش ومساعدوه إلى تبرير الحرب بالاشارة إلى الحكم المستبد الذي يمارسه صدام، وإلى ضرورة استبداله بحكم ديمقراطي وتعميم ذلك يشمل الدول العربية الأخرى.*

لكن جاءت نتائج الحرب المدمرة لتضع العراق في حالة من الفوضى وعلى ابواب حرب اهلية خطيرة، والتي قد تنتهي بتقسيمه إلى ثلاث دول بدأت ترتسم معالمها بعد إجراء الانتخابات العامة. حيث تستمر حال الفوضى الأمنية وتتعمق خطوط الانقسام بين مكونات المجتمع، يبدو من السياق العام للحرب وللوجود الأميركي في العراق ان الولايات المتحدة لم تسع منذ البداية لإقامة حكم مستقر في العراق، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال تعاملها مع موضوع فرض الاستقرار والذي كان واضحاً من خلال رفض وزير الدفاع رامسفيلد لكل الاقتراحات التي تقدم بها القادة العسكريون، والتي طالبت بقوة عسكرية بحدود 400 الف جندي لتحقيق الاستقرار، لم تتصرف القوات الأميركية كمخلص للشعب العراقي من جلاديه بل تصرفت كقوة احتلال تأخذ بيد فئة ضد فئة اخرى، كما تسكت عن اقامة نظام كردي مستقل له جيشه وعلمه وادارته المستقلة.

من التحليل يتضح ان القيادة الأميركية قد تعمدت شن الحرب على العراق معتمدة على استراتيجية يلفها الشك والغموض، وتطبع فيها الاهداف السياسية والعسكرية خلق مجموعة من الشعارات المتحركة، وكان من الواضح منذ البداية بأن الاهداف القائلة بحكم ديمقراطي في عراق مستقر لم تكن قابلة للتحقيق بالوسائل والاستراتيجية اللتين اعتمدتا من قبل وزير الدفاع رامسفيلد، وفي هذا تجسيد مطلق لنظرية الفوضى والتي تقول باعتماد قرارات توحي بدرجة عالية من الخطورة، والتي يتبين فيما بعد استحالة تنفيذها بنجاح من اجل تحقيق الأهداف المعلنة.

ثالثاً: في مواجهة تداعيات الوضع الأمني داخل العراق وضياع البرنامج السياسي "الواعد" بقيام ديمقراطية يمكن تعميمها على الدول العربية الأخرى، فتشت الولايات المتحدة عن استراتيجية المخارج * هي تهدف إلى إجراء تعديلات في الموقف تتناسب مع الحاجة للتغطية على المأزق الذي تواجهه دون زعزعة الوضع القائم وخصوصاً الموقف الدولي العام او التحالف المشارك في العملية، فكان طرح مشروع "الشرق الاوسط الأوسع" والذي يهدف إلى إجراء تغيير نحو الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان في المنطقة.

يتناقض هذا المشروع "الشرق الأوسط الأوسع" مع ارث العلاقات الأميركية تجاه دول المنطقة، والذي كان يدعم ويساند الحكومات القائمة وعلى اساس انها دول حليفة بمجرد وقوفها ضد الاتحاد السوفياتي والشيوعية، والآن يجري القفز فوق كل هذه العلاقات الممتدة على خمسين سنة تحت شعار الديمقراطية والتغيير، ويشكل سجل العلاقات الأميركية في مساندة الحكام الجائرين في المنطقة النقطة الأضعف في الاستراتيجية الأميركية، ويستغل الاسلاميون والارهابيون هذا الأرث من أجل زرع الشكوك حول مصداقية أميركا في توجهاتها الإصلاحية الجديدة، ويربط هؤلاء كل المبادرات الأميركية بمشاريع الهيمنة الصهيونية على شعوب وثروات المنطقة.

رابعاً: انسحاب ادارة الرئيس بوش من كل المشاريع والآليات التي اعتمدتها ادارة كلينتون لدفع مسيرة السلام لانهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، بالاضافة إلى مساندة بوش الشخصية وغير المحدودة لسياسة ارييل شارون، وسكوت الإدارة عن كل الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، أثّر بشكل سلبي على سمعة أميركا وموقعها لدى الشعوب العربية والإسلامية، وكان اللافت ان أميركا قد اعلنت تكراراً رفضها لربط مشروعها الشامل تجاه المنطقة او في العراق باحراز تقدم في قضية السلام، او على الاقل باستعمال نفوذها لتخفيف مآسي الشعب الفلسطيني، وذلك بالرغم من المساعي الحثيثة التي بذلتها دول عربية عديدة، والتي كان ابرزها الجهود التي بذلها الأمير عبد الله ولي عهد السعودية اثناء زيارته الأولى للرئيس بوش في مزرعته في كراورد – تكساس.

كانت كل القرارات والسلوكيات الأميركية تجاه المنطقة جائرة ولا تراعي مصلحة العرب والمسلمين، من وجهة نظر الشعوب على الاقل، مما دفع إلى تعميق الاعتقاد بأن الولايات المتحدة لا تعمل لخير المنطقة، بل هي جادة من اجل فرض هيمنتها ونفوذها عليها وبالتالي استغلال ثرواتها وأسواقها، مع الحرص على الابقاء على التفوق العسكري والتكنولوجي لصالح إسرائيل، كانت هناك شعارات وسياسات حول امن المنطقة او رسم خريطة سياسية للمنطقة، ولكنها لم تترافق مع سياسة اعلامية تشرحها وتفصّل اهدافها وتضع برامجها، مما افسح بأن تستغل كل السياسات الأميركية المعلنة، من اجل زيادة حالة الشك والغموض التي تلف المواقف الأميركية تجاه المنطقة، وان تتسبب بمزيد من القلق والهواجس حول المستقبل، بدل ان تساهم في خلق الطمأنينة وتدعيم الاستقرار.

وكانت النتيجة الطبيعية لذلك زيادة مشاعر العداء لأميركا واتهامها باتباع سياسة عراقية وهدامة واستغلت الجماعات الاصولية هذه المشاعر ووظفتها من اجل التغلغل داخل المجتمعات او من اجل تبرير شن هجمات ارهابية في دول عديدة كالعراق، والسعودية، ومصر، واليمن وغيرها.

لم تترافق الهجمة الأميركية باتجاه المنطقة، وخصوصاً بعد احتلال العراق والتداعيات التي اعقبت ذلك مع اية استراتيجية اعلامية او ديبلوماسية تؤسس لحوار واسع ما بين أميركا والشعوب العربية. وكان لغياب هذا الحوار مفاعيله العميقة في تحضير المنطقة لتعميم حالة الفوضى من خلال الرفض الشعبي العام للمشاريع الأميركية، الغامضة، او من خلال تعميم الهجمات الارهابية التي تستهدف الوجود الأميركي بنفس القدر الذي تستهدف فيه الانظمة القائمة والاستقرار العام.

أهملت الولايات المتحدة وضع استراتيجية اعلامية تشرح من خلالها خططها باتجاه المنطقة، لا بل قامت من خلال الاعلان عن خطط واسعة لاستهداف عدد من الانظمة من خلال تصنيفها ضمن "محور الشر" او نعتها بالدول المارقة بتسعير مشاعر العداء الشعبي لوجودها ولمشاريعها في المنطقة.

يطرح هذا التقصير الأميركي في وضع استراتيجية لمواجهة ما يتفق على تسميته "بحرب الافكار" او الصراع من اجل كسب "العقول والقلوب" اشكالية وعلامات استفهام حول وجود نوايا أميركية تسعى إلى تضخيم "الصدمة" التي تسببت بها الحرب في العراق، والجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من اجل تحريك الشارع العربي ضد انظمة الحكم بهدف اضعافها واجبارها على السير وفق التوجيهات والمخطط الأميركي المعد للتغيير سواء في ادارة الدولة او في موضوع الحريات العامة وحقوق الانسان او في ما يعود للبرامج التعليمية والتوجيه الاعلامي كخطوة متقدمة لتعميم ثقافة الاعتدال ونبذ الاصولية والتطرف.

وتمثل هذه الروزنامة الخفية، البرنامج الحقيقي لما بات يعرف وفق تصريحات وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بسياسة "الفوضى الخلاقة" وكانت المعلومات التي تسربت حول خلو العراق من اسلحة الدمار الشامل وما تبعها من معلومات مدعمة بالصور الفاضحة لارتكابات العسكريين الأميركيين ضد المعتقلين العراقيين في سجن ابو غريب، والتي توجتها الصور التي نشرت لصدام حسين "شبه عار" في صدر الصفحات الأولى لصحف غربية، لتفعيل فعر النار في الهشيم، مما طرح علامات استفهام كبرى حول مدى احترام الأميركيين للعادات وللانسان العربي.

وجاءت اخبار تدنيس القرآن الكريم من قبل الحراس الأميركيين في سجن غوانتانامو لتصب المزيد من الزيت على النار، حيث تسببت بردود فعل شعبية اسلامية شاملة امتدت من افغانستان إلى معظم العواصم الإسلامية والعربية، والتي دانت جميعها الولايات المتحدة متهمة اياها بالعداء للاسلام والمسلمين.

هذه الموجات المتتالية من المعلومات التي تدين السلوكية الأميركية تجاه المسلمين قد تسببت بأضرار كبيرة لسمعة الولايات المتحدة والتي قد يتطلب جهوداً مضنية ولفترات طويلة، كما احرجت كل اصدقاء أميركا في المنطقة بالاضافة إلى احراج وإضعاف تيار الاعتدال المساند للمشروع الأميركي للتغيير والإصلاح.

 

استراتيجية بوش وتداعياتها

أعاد الرئيس الأميركي جورج بوش في ولايته الأولى هندسة الاستراتيجية الأميركية، بشكل يعيدنا بالذاكرة إلى التعديلات الاستراتيجية التي اجراها الرئيس فرانكلين روزفلت لقد استعاد بوش في استراتيجيته المفهوم الذي كان اسس له روزفلت والذي يستند على الصدمة الناتجة من هجوم مباغت. لم يستطع اي من الرؤساء الذين تعاقبوا بعد روزفلت ان يعاكس المفهوم الذي ارساه انطلاقاً من تجربة الهجوم على بيرل هاربور عام 1941 والذي يقول بأن المحيط او البعد الجغرافي لم يعد كافياً لحماية أميركا من هجوم معاد.*

لم يكن باستطاعة بوش او كل من يصعد إلى الرئاسة من بعده تجاهل هجمات 11 ايلول والتي اثبتت بأن قوة الردع التي تمتلكها أميركا ضد الدول المعادية لا تكفي لحمايتها من هجمات منظمات ارهابية، والتي اصبح بمقدورها تنفيذ هجمات وانزال خسائر كبيرة بحجم الخسائر التي كانت تتسبب بها الحروب بين الدول، هذه الحقيقة ما زالت جاهزة بحيث انه لا يمكن لبوش في رئاسته الثانية تجاهلها، وهي تفترض التأكيد على استعادة وتحصين الأمن الأميركي في عالم اكثر خطورة.

يتركز الاهتمام الاساسي في استراتيجية بوش على منع اي هجوم ضد أميركا او مصالحها الكبرى في العالم، وذلك بالرغم من انه لم تتعرض المصالح الأميركية خلال ثلاث سنوات مضت لأي تهديد فعلي، وبالرغم من صعوبة الربط بين الاسباب والنتائج، فإن عدم نجاح الجهود الكبيرة التي بذلتها الولايات المتحدة مع كل حلفائها حول العالم فإن اسامة بن لادن وبعض اخطر معاونيه ما زالوا اصراراً ولا احد يعلم ماذا يخططون للمرحلة المقبلة، ولكن من خلال تقويم النتائج (عدم التعرض لاعتداء ارهابي جديد) فإن استراتيجية بوش في الحرب على الارهاب قد نجحت في احتواء التهديد الارهابي من خلال المبادرة لشن هجوم واسع ومتعدد الابعاد ضد القاعدة وما شابهها من تنظيمات.

اعتمدت ادارة بوش في استراتيجيتها الهجومية الحرب الوقائية ضد افغانستان والتي هدفت إلى شن الحرب على دولة قد تكون مصدراً لتهديد مباشر ضد أميركا، ومن ثم عادت واعتمدت اسلوب الحرب "المانعة" ضد العراق والتي تعني شن حرب على دولة قد تشكر خطراً مستقبلياً على الامن الأميركي، واللافت ان ادارة بوش قد شنت الحرب على العراق تحت عنوان الحرب الوقائية، في سياق سياسة تجنب الادانة الدولية، فالحرب الوقائية تجد لنفسها مبررات في القانون الدولي، وقد رأينا مدى التأييد الدولي للحرب على افغانستان وعلى اساس انها تأتي لردع خطر حقيقي ووشيك، فيما انتفض المجتمع الدولي، واقرب حلفاء أميركا من الدول الاوروبية لمعارضيه قرار الحرب على العراق وادانتها، كما ترافق ذلك مع ادانة شعبية عالمية للهجوم.

لقد اسقطت أميركا من خلال الحرب "المانعة" التي شنتها ضد العراق، والتي تبين فيما بعد انها بنيت على تقارير استعلامية جرى التلاعب بها، والتي ثبت عدم صحتها، آخر ما تبقى من مفاهيم السيادة التي نصت عليها معاهدة ويستغاليا، وايضاً سلطة وهيبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

اظهرت الولايات المتحدة من خلال شن الحرب على العراق بقرار أحادي وانطلاقاً من المزج بين مفهومي الحرب الوقائية والحرب المانعة بأنها لا تحترم القانون والنظام الدوليين، وبأنها قد اصبحت تشكل خطراً على أمن الدول الأخرى، حطمت الولايات المتحدة مفهوماً "مقدساً" ينص على سيادة الدولة على اراضيها، من خلال ممارساتها لسياسة خاطئة تجيز لها "حق ممارسة دور الشرطي العالمي الذي لا يخضع لأية سلطة عليا، ولا يسمح لأي مواطن باقتناء قفل على باب داره".*

لم يستطع المجتمع الدولي تقبّل الحرب على العراق وذلك بالرغم من اعترافه بالصدمة الكبيرة التي تسببت بها هجمات 11 ايلول للأمن الأميركي وللاستقرار الدولي، وهذا ما فسّر المعارضة القوية لقرار الحرب وما تبعها من تأزم في علاقات أميركا مع دول عديدة في العالم، وعن مشاعر الرفض والادانة والعداء التي قابلت بها الشعوب العربية والإسلامية قرار الحرب الاحادي الجانب.

ارتكب الأميركيون خطأً فادحاً بشن الحرب على العراق، وقد ظهر ذلك جلياً من المصاعب التي واجهوها لاحقاً في محاولتهم لتشكيل تحالف دولي يساهم في تحقيق الاستقرار داخل العراق بعد احتلاله، ولم يتقبل المجتمع الدولي على الاطلاق الخيار المفروض، دون بديل، الذي قدمه بوش والقاضي بشن الحرب على العراق سواء وافق مجلس الامن ام لم يوافق، وتسببت هذه المقاربة بإدانة دولية عالمية، حيث نظرت الحكومات والشعوب إلى الولايات المتحدة إلى انها الدولة العظمى التي تريد فرض هيمنتها باستعمال فائض القوة مما يعكس تغييبها لكل مسؤولية تفرضها عليها الشرعية الدولية والاعراف المعتمدة منذ قرون استناداً لمعاهدة ويستغاليا، لقد أفاق الشعب الأميركي بعد سنة ونصف من هجمات 11 ايلول، وقد خسر كل ذلك التعاطف والدعم الذي ابداه المجتمع الدولي تجاه أميركا، وبأنها بذلك قد انقلبت من موقف الدولة المعتدى عليها إلى الدولة المعتدية على سيادة الآخرين، يبدو ان الادعاء بحق شن حرب وقائية لن يجري التخلي عنه قريباً لان المنظمة الدولية لا تملك الوسائل الذاتية لضبط الوضع الدولي وتحديداً للقيام بأية عملية وقائية ضد خطر داهم تشعر بإمكانية وقوعه ضد احدى الدول الاعضاء، لكن هذا القصور من جانب المنظمة الدولية لا يعني السماح للولايات المتحدة او غيرها من الدول بالقيام بمثل هذه العمليات بقرار أحادي. ومن هنا فإن المقاومة الدولية التي ستنشأ من مثل هذا "الاحتكاك" الذي تحدث عنه فيلسوف الحرب كارل فون كلوزفيتز ستؤدي في نهاية المطاف إلى فشل الحرب في تحقيق ما حدد لها من اهداف وخصوصاً على المستوى الاستراتيجي، ولنا مما يجري الآن في العراق اكبر دليل على فشل الولايات المتحدة من تحويل النجاح العسكري الباهر إلى انتصار سياسي كامل.

ان كل ما تواجهه الخطة الأميركية داخل العراق من تداعيات تجعل امكانية الانتصار بالحرب مهمة مستحيلة، لا يعني ذلك انه سيكون باستطاعة اية مجموعة دولية اقناع ادارة بوش بعدم شن عمليات عسكرية مستقبلية مضرة بمصالح هذه الدول، لا احد يمتلك الآن حق النقض لأي قرار أحادي تتخذه الولايات المتحدة وستبقى المبادرة مفتوحة امام الولايات المتحدة من اجل اقناع عدد من الدول للتحالف معها من اجل شن عمليات عسكرية واسعة على غرار ما حدث عام 1991 في حرب الخليج الأولى او عام 1995 في حرب البوسنة، او عام 1999 في كوسوفو او عام 2000 في افغانستان.

ان المعارضة للحرب على العراق ستبقى حاضرة، ولكنها تمثل حالة شاذة ولا يمكن ان تتحول إلى قاعدة لرفض اية عمليات عسكرية أميركية، في الواقع لم يعارض هذا العالم قرار شن الحرب على العراق كمضمون ولكنه رفضه كلغة اتسمت بالعجرفة، والغموض المقصود منه اعماء الآخرين عن حقيقة النوايا الأميركية، وهذا ما حدث فعلياً في العراق، حيث اكد اثنان من اكبر منظري السياسة الخارجية، والسياسة الدفاعية هما دافيد فروم وريتشارد بيرل بأن الحرب على العراق هي جزء من استراتيجية واسعة تتضمن الروزنامة الآتية:

  1. مساندة الحركات المعارضة داخل إيران والسعي لقلب نظام "رجال الدين" هناك.
  2. ترويض الحكم السوري واذا لم يتجاوب تشديد الضغوط من اجل قلب هذا الحكم ووقف دعمه للمنظمات التي تتهمها واشنطن بالارهاب كحماس والجهاد الاسلامي، والجبهة الشعبية – القيادة العامة وحزب الله اللبناني.
  3. التعامل مع السعودية وفرنسا كأخصام وليس كأصدقاء والضغط على الحكم السعودي من اجل اعتماد اصلاح في البرامج التعليمية والدينية من اجل وقف موجة التطرف، وحث الحكم على تصفية خلايا القاعدة ووقف تدفق الاموال والهبات المالية باتجاه المنظمات المتهمة بالارهاب.
  4. الضغط على كوريا الشمالية وإيران للتخلي عن برامجها النووية.
  5. عدم دعم الأمم المتحدة سياسياً ومالياً اذا لم تعتمد برنامج اصلاحياً.
  6. التخلي عن "الأوهام" التي تقول بأن قيام دولة فلسطينية سيخدم الاستقرار الاقليمي او المصالح الأميركية في العالم العربي.
  7. اعادة تنظيم الأمن في أميركا بما فيها وكالتي "سي.اي.ايه" والـ "اف.بي.اي".
  8. تشديد كل تدابير الهجرة والسفر، والتدابير الامنية الأخرى على مداخل وداخل الولايات المتحدة.*

وكان من ابرز الدروس المستفادة من الحرب على الارهاب في مرحلتها الاولى، بأن هجمات 11 ايلول قد اثبتت هشاشة الدفاع والأمن في الدول الكبرى، وبأن المعالجة لمثل هذا التهديد تتركز على تعقب وتوقيف او قتل هؤلاء الارهابيين اينما وجدوا، ولكن تعود الولايات المتحدة الآن لتجري مراجعة لاستراتيجيتها بعدما اثبتت عدم فعاليتها، حيث يصعد لتعبئة الفراغ الذي يخلفه توقيف قيادي كبير في الاعدة شخص آخر، اكثر حيوية او دينامية، وعادت أميركا اليوم لتبحث عن اسلوب للسيطرة على التطرف بل مطاردة المطلوبين وذلك منعاً لتكرار الخطأ الذي ارتكب في افغانستان بعد الانسحاب السوفياتي، والذي ادى إلى نشوء تنظيم القاعدة، هناك خطر قادم يتمثل بالمقاتلين العرب والمسلمين العاملين الآن في العراق، والذين سيعودون بعد انتهاء الحرب داخل العراق إلى اقطار عربية واسلامية عديدة مع احتمال توزع بعضهم على الدول الاوروبية المتسامحة مع تواجد الجماعات الإسلامية على اراضيها على غرار بريطانيا.

 

العراق "الحلم الضائع"

اعتقدت ادارة بوش، وخصوصاً صقورها من المحافظين الجدد ان بالامكان شن الحرب على العراق دون توافق دولي، وبأن هذا التوافق سيأتي تلقائياً بعد بدء العمليات وذلك قياساً على التجربة السابقة في افغانستان، وتوقع الأميركيون في التحضيرات للحرب ان "تتبخر" المقاومة العراقية فوراً، وان تستقبل القوات الغازية بالوورد وحلقات الرقص، وبأن الأجواء ستكون مؤاتية لتشكيل سلطة بديلة للنظام الصدامي- البعثي قادرة على تحقيق الامن والاستقرار واستعادة المواطنين لحياتهم الطبيعية خلال اسابيع من سقوط بغداد، كان الاعتقاد السائد بأن السقوط السريع لنظام صدام، والعثور على اسلحة دمار شامل عراقية سيحققان ما فشلت الديبلوماسية في تحقيقه، مما يؤمن الأجواء المؤاتية لتوسيع التحالف الدولي وبالتالي توسيع قاعدة التأييد للاحتلال الأميركي.

وظهر في وقت مبكر من سقوط النظام العراقي بالكامل، بأن أميركا قد حشدت من القوى والوسائل المتطورة ما يحقق انهيار جيش صدام في وقت قصير، ولكن لم يكن حجم هذه القوى كافياً لفرض الامن والاستقرار ومنع عمليات النهب الشاملة او حماية المؤسسات الهامة من التخريب المتعمد الذي بدأ مع سقوط بغداد. وكان هناك سوء التقدير الواضح لمدى سرعة التبدل في موقف الشعب العراقي من الوجود الأميركي والنظر اليه كمحتل وتوالت خيبات الامل ببروز "مقاومة" عراقية شاملة ومنظمة، ولم تجد فرق التفتيش الأميركية على الارض اي اثر للادعاءات القائلة بامتلاك العراق لمخزون من اسلحة الدمار الشامل، كما جاءت الانباء عن الفضائح المرتكبة في معاملة الاسرى العراقيين على يد المجانين والمحققين الأميركيين لتتحول إلى كابوس يقض مضجع الرئيس بوش والمسؤولين في ادارته شكلت هذه التطورات المتتالية سبباً مباشراً لتصدّع فكرة انشاء تحالف دولي كبير داخل العراق، واقتصرت المشاركة لبعض الدول على قوات رمزية، باستثناء القوات البريطانية التي دخلت منذ بداية الحرب كشريك اساسي بعد سنتين من الاحتلال يبدو بوضوح ان هناك فجوة كبيرة ما بين النوايا الأميركية وما امكن تحقيقه على الارض.

ويمكن من خلال استعراض "الاهداف الكبيرة" التي حققتها الحرب من منظور اثنين من اهم رموز المحافظين الجدد امثال دافيد فروم وريتشارد بيرل مقارنة مع الواقع على الارض في العراق، التعرف على الفجوة الواقعة ما بين التنظير والواقع على الارض، وهذه الفجوة ما زالت تتسع، لدرجة تدفع للاعتقاد بأن وحدة العراق باتت مهددة، وذلك بعد ان دخل في مرحلة متقدمة على طريق الحرب الاهلية بسبب الانقسام الحاد بين السنة والشيعة والذي تسببت به سياسة الاحتلال الأميركي، من خلال فراغ السلطة الذي حصل لفترة طويلة، ومن خلال تشجيع الانقسام وفق الخطوط المذهبية والاثنية.

يقول دافيد فروم وريتشارد بيرل وهما من صقور المحافظين الجدد ان اسقاط صدام حسين قد حقق سبعة اهداف كبرى*:

أولاً: التخلص من تهديد اسلحة الدمار الشامل التي كان يمتلكها العراق عام 2003 وما كان يمكن ان يضيفه اليها فيما لو استمر صدام حسين في السلطة، وثبت من خلال ما يقارب سنتين من التفتيش لكل زاوية من العراق بأن نظام صدام حسين لم يمتلك اي نوع من اسلحة الدمار الشامل وبأنه لم يعاود العمل في اي من البرامج التي كانت قد دمرتها بالكامل فرق لجنة اونسكوم الدولية.

ثانياً: حققت الولايات المتحدة نصراً كبيراً على الارهاب بالتخلص من نظام استمر لفترة تزيد عن ثلاثين سنة في دعم وتشجيع الارهاب في المنطقة، وان التواصل لنظام صدام مع اسامة بن لاد في بداية 1990 ما هو الا استكمال للتعاون الذي كان قائماً بين المخابرات العراقية واجهزة مخابرات دول الكتلة الشرقية، والذي كان ابرز انجازاته دعم منظمتي ابو نضال وايلول الأسود.

لم تظهر كل التحقيقات التي اجريت مع كادرات "القاعدة" وجود اي تعاون بين المنظمة الارهابية والنظام العراقي، وأن ما اشيع عن لقاء مسؤول عراقي في براغ مع قيادي من "القاعدة" لم يتعد الاشاعة أو المعلومة المدسوسة من اجل دعم المبررات "الواهية" التي شنت على اساس الحرب وهذا ما اكدته لجان التحقيق الأميركية والبريطانية على مستوى الكونغرس مجلس العموم البريطاني.

ثالثاً: لقد منعنا أعداءنا في الشرق الأوسط من الادعاء بتحقيق نصر كبير فيما لو ربح صدام الحرب، او لم ننج في إسقاطه.

كانت الحرب منتهية قبل ان تبدأ، وكان النظام العراقي قد طوّق وعزل وتعرض لحرب مستمرة خلال سنوات طويلة، فالحرب التي بدأت بتحرير الكويت لم تتوقف بل استمرت إلى حين شن الهجوم البرّي الكبير باتجاه بغداد والذي اظهر مدى الضعف والترهل في قدرة الجيش العراقي على المقاومة.

رابعاً: تعلمنا دروساً ثمينة عن كيفية شن الحروب في المنطقة. وعن كيفية إعادة البناء بعد الحرب لا يمكن لأحد الادعاء بأننا لم نرتكب بعض الأخطاء أثناء الحرب وخلال فترة الاحتلال التي تلتها، ولكننا تعلمنا من هذه الأخطاء ولن نكررها ونزداد قوة وقدرات الولايات المتحدة على محاربة الإرهاب.

يعترف ابرز المحللين الأميركيين بان الأثمان المترتبة على الحرب لا تبرر النتائج التي حققتا والتي اقتصرت على التخلص من نظام صدام حسين. بالإضافة إلى أن هذه الحرب قد كشفت العورات الكبيرة في الرؤية السياسية الأميركية تجاه العراق والمنطقة كما أكدت على عدم جهوزية القوات الأميركية لخوض حرب "عصابات في المدن" والذي أكدته العمليات الكثيفة التي تنفذها "المقاومة في الفترة الأخيرة وحجم الضحايا البشرية الناتجة عنها في صفوف الأميركيين والعراقيين على حد سواء.

خامساً: أظهرنا لأعدائنا المحتملين (كطهران وبيونغ يانغ) مدى قدرتنا على كسب حرب سريعة وتحقيق نصر كامل مع اقل خسائر ممكنة في جانبنا الحقيقة هي انه منذ غزو العراق أعلنت أميركا تحقيق النصر أربع مرات على الأقل، ووعدت في كل مرة بالسيطرة على الوضع داخل العراق. ولكن لم تعتمد تلك المزاعم البراقة على ارض الواقع، وكانت ابرز مؤشرات هشاشة هذه المزاعم الصور التي نقلها وسائل إلى العالم عن الزيارة المفاجئة الأخيرة التي قامت بها إلى العراق كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية، حيث ظهرت مرتدية سترة واقية من الرصاص ومعتمرة خوذة فولاذية لا يدل هذا المشهد إطلاقاً على وضع طبيعي في بلدي يعيش ظروفاً آمنة ومستقرة يضاف إلى ذلك انه بعد اكثر من عامين لا يزال هناك مئة وأربعون ألف جندي أميركي ولا تزال الحكومة العراقية تمارس عملها من داخل المنطقة الخضراء تحت حماية القوات الأميركية وهي حقيقة تدحض كل الانتصارات التي يدعيها المحافظون الجدد في واشنطن*.

سادساً: ساعدنا قوى الديمقراطية في كل المنطقة من خلال إظهارنا أن اعتى الديكتاتوريات هي اضعف مما تدعيه من قوة ومناعة.

توقع الأميركيون أن تتسبب الحرب في العراق بصدمة قوية تهدد النظاميين الإيراني والسوري وعلى الأقل تحضر لسقوطها تدريجياً كما توقعوا أن تمتد مفاعيل هذه الصدمة إلى كل دول المنطقة فتجبرها على اعتماد على اعتماد إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تضعها على طريق فتح مجتمعاتها على طريق التغيير الفعلي. لكن صمدت كل من سوريا وإيران في وجه الضغوط الأميركية لم ترضخ سوريا لكل الضغوط الأميركية المتعلقة بالموضوع العراق أو بقضية الدعم الذي تقمه لمنظمات تتهمها أميركا بالإرهاب كحماس والجهاد الإسلامي وحزب الله والجبهة الشعبية – القيادة العامة. كما لم ترضخ إيران للضغوط الأميركية المتعلقة بالتخلص من برنامجها النووي أو بالمحاولات الإيرانية "للتخريب" داخل العراق.

سابعاً: خلصنا اكثر الحكام العرب عنفاً واستبداداً من السلطة وأنجزنا تحرير أمة بكاملها فاتحين الطريق لقيام مجتمع وحكم مدني في العراق ولإصلاح المناخ الأيديولوجي والمعنوي في الشرق الأوسط.

وترجمت الولايات المتحدة "حلم" المحافظين الجدد بالعمل لرسم خريطة سياسية جديدة في منطقة الشرق الأوسط من خلال إطلاقها لمشروع غامض أسمته "الشرق الأوسط الأوسع" والذي يطرح أهدافاً عامة لتحقيق الديمقراطية والحريات وحماية حقوق المرأة والإنسان وتطوير الاقتصاد والنظم التعليمية والاجتماعية ولكن دون تجديد الاستراتيجيات والطرائف. واجهت معظم الدول العربية هذا المشروع بمعارضة قوية وعلى أساس أن التغيير لا بد من أن يأتي من داخل المجتمعات نفسها وهو تطور بطيء وتدريجي وبأنه لا يمكن لأحد فرض الديمقراطية من الخارج. واصطدم المشروع الأميركي بعراقيل وأصيب باحباطات متكررة مما دفع بالإدارة الأميركية على حصر كل جهودها بالضغط على سوريا وإيران ولأسباب مختلفة وقد أدت هذا الضغط إلى تركيز كل الجهود الأميركية على لبنان من اجل تحقيق التقدم اللازم للإبقاء على مشروع الشرق الأوسط الأوسع حياً من خلال إجراء بعض التحولات في مسار الحكم اللبناني بعد خروج القوات والمخابرات السورية منه، تنفياً للقرار الدولي رقم 1559.

 

مسار الحرب على الإرهاب

استعملت الولايات المتحدة تفوقها العسكري لإثبات قدراتها على الرد وشن حرب "وقائية" أو حرب "مانعة" في كل من أفغانستان والعراق من اجل إقناع تنظيم القاعدة والتنظيمات المتطرفة الأخرى بأنه لا يمكن طرد الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط ومن اجل قطع كل الإمدادات بالرجال والمال عن هذه المنظمات شنت الولايات المتحدة حرباً متواصلة ضد فلول القاعدة فوق القارات الخمس. وكان من نتيجة هذه الحرب أن غيرت الولايات المتحدة في أولويات سياستها الخارجية بحيث احتلت منطقة الشرق الأوسط المركز الأول في سلم الأولويات الأميركية متقدمة على شرق آسيا وأوروبا بعد أن كانت تحتل في السابق المركز الثالث في هذه الأولويات. وكان من نتيجة ذلك أن كثفت الولايات المتحدة من وجودها السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة بشكل لافت بالمقارنة إلى ما كان عليه الوضع قبل هجمات 11 أيلول.

وكانت نتائج الحرب على الإرهاب ضد القاعدة مرضية ولكنها لم تكن حاسمة، ولكن التقديم الواقعي لنتائج الحرب على الإرهاب بشكل شامل يطرح إشكالية كبرى وذلك على ضوء تحول العراق إلى مسرح عمليات يجتذب آلاف المقاتلين "الجهاديين" الذي لا يشكلون الآن تهديداً للوجود الأميركي في العراق فقط بل يجب النظر إلى المخاطر المستقبلية المترتبة على عودتهم إلى ديارهم وانتشارهم في كل دول المنطقة وبعض دول أوروبا.

أدت الاستراتيجية الأميركية الكبرى في أفغانستان والعراق إلى نتائج متناقضة، من أخطرها  ما نشأ وبكل غير مقصود، منه حالة الفوضى التي يعيشها العراق، وتحوله إلى ملجأ وحقق تجارب لكل أشكال الإرهاب الإسلامي، وهي من تداعيات الحرب التي لم تلحظها الاستراتيجية الأميركية – والتي يبدو أنها عاجة عن التحكم بديناميتها الراهنة ومخاطرها المستقبلية.

تفيد بعض التقارير الصحفية عن أن إدارة بوش تعيد النظر الآن في استراتيجيتها الكبرى الخاصة بالحرب على الإرهاب، وذلك على ضوء التحولات الهامة في طبيعة تنظيم القاعدة، والتي انتقلت من تنظيم هرمي يرأسه أسامة بن لادن ويديره بواسطة عدد من المساعدين إلى تنظيم مرن، يتغير وفق البيئة والظروف وقادر على استقطاب "مجاهدين" جدد إلى صفوفه من صفوف الإسلاميين من مختلف أنحاء العالم مما جعل استراتيجية متابعة بن لادن وبعض القياديين الكبار المعروفين في التنظيم غير ذات جدوى. ويؤشر ذلك إلى ادارك الأميركيين بضرورة تعديل هذه الاستراتيجية بصورة جذرية بعد أن تحولت القاعدة إلى حالة معقدة يصعب احتواؤها. فالقاعدة اليوم تنظيم هي غير القاعدة التي شنت هجمات 11 أيلول، ويتطلب التحول الذي شهدته اعترافاً أميركياً بضرورة تعديل التوجه المتبع في الحرب الشاملة على الإرهاب والذي عبر عنها حد المسؤولين الأميركيين الكبار بالقول "ما نريده في الواقع هو مقاربة استراتيجية قادرة على دحر التطرف والعنف".*

عبر روجيه و. كراسي أحد المسؤولين عن مكافحة الإرهاب في عهد كلنتون عن القصور الحاصل في المقاربة الأميركية الراهنة بقوله لم نرتفع إلى مستوى يمسح لنا بادراك تغير الأشياء منذ 11 أيلول. أن سياسة متابعة فلول قيادة بن لادن لا تخدم الحرب على الإرهاب بالمستوى المطلوب في وقت يتزايد فيه عدد المتطوعين في صفوف القاعدة خصوصاً في العراق ومع توالد كادرات قيادية جديدة مجهولة الهوية من قبل الأميركيين.

يؤكد كل ذلك على ضرورة إجراء تقويم بالعمق لكل استراتيجية الحرب على الإرهاب بحيث تتركز كل الاهتمامات على كيفية التعامل مع هذا الجيل الجديد من "الإرهابيين" والذي ترعرع في العراق خلال السنتين الماضيتين. ويتخوف المخططون الأميركيون من المعادلة الأمنية المعقدة التي يمكن أن تحصل عند عودة هؤلاء الإرهابيين إلى بلادهم ويشعر المخططون الأميركيون بمدن خطورة هذه المعادلة انطلاقاً من إدراكهم للصعوبات التي سيواجهونها للتعرف على هوية هؤلاء وعبر أحد المسؤولين الأميركيين عن مخاطر القصور الاستعلامي للتعرف على هوية هذا الجيل الجديد بالقول " إذا كنت لا تعرف من هم في العراق يمكن أن تجدهم وتتعرف عليهم في اسطنبول أو لندن". ستتصلب المراجعة الأميركية إعادة نظر شاملة في التوجيهات الرئاسية للحرب على الإرهاب التي صدرت بعد هجمات 11 أيلول كما ستتطلب العديد من التعديلات التنظيمي في التنظيم المكلف بالاستعلام والمكافحة داخل الإدارة الأميركية كما سيتطلب ذلك التغيير في المفاهيم في المقاربة الاستراتيجية المقبلة.

أن التوجه الجديد لاستهداف العنف والتطرف سيؤدي إلى إشكاليات وتناقضات ومصاعب مع العديد من دول المنطقة، حيث هناك اختلاف على توصيف الدور الذي يضطلع به حزب الله ومنظمة حماس والجهاد الإسلامي. وكالعادة فان المقاربة الأميركية الجديدة ستحمل في طياتها الكثير من التناقضات في التوصيف والأولويات مع دول المنطقة، وسينجح عن ذلك المزيد من الشكوك والغموض حول الأجندة والأهداف الأميركية، وسينعكس ذلك سلباً على الأجواء والعلاقات الأميركية – العربية وسيرفع نحو آفاق جديدة من الفوضى والاضطراب، ما أبعد من أن توصف "بالفوضى الخلاقة" التي تريدها كوندلوليزا رايس وغيرها من مخططي السياسة الأميركية في المنطقة.

ما يزيد من حالة الغموض والشك الربط الذي إدارة الرئيس بوش بين أمن المنطقة وتحولها نحو الديمقراطية ونجاح الحرب على الإرهاب وتنظر إدارة بوش إلى المنطقة من خلال ثلاثة مكونات: أنظمة سلطوية، غنى فاحش من مردود النفط وخيارات لمواجهة مع الجماعات الإسلامية. وتشكل هذه المكونات مصدراً لهواجس كبرى لدى المسؤولين الأميركيين، منطلقين من تجربة هجمات 11 أيلول. أن القدرة على تغيير هذا الواقع "الستاتيكو" هي ضرورة ملحة الآن ولكن كيف السبيل دون التسبب بتعميم حالة الفوضى حيث يرجح أن ينبت على جذور الأنظمة القديمة أنظمة يقودها إسلاميون متطرفون يؤدي التعامل معهم إلى تكرار حالة الفوضى التي شهدتها الجزائر في دول عربية أخرى.

 

الديمقراطية والفوضى الخلاقة

"تهدف سياسة الولايات المتحدة إلى دعم نمو الحركات والمؤسسات الديمقراطية في كل امة وثقافة، مترافقة مع الهدف النهائي للقضاء على الاستبداد في عالمنا... ان كل الذين يعيشون في الاستبداد وفقدان الأمل سيدركون ان الولايات المتحدة لا يمكن ان تتجاهل الظلم اللاحق باسم او ان تعذر مضطهديكم. عندما تقفون للدفاع عن حريتكم، فسنقف معكم". هذا بعض ما قاله الرئيس جورج بوش في خطاب القسم للولاية الثانية يعبّر بشدة عن مثاليات وطموحات يصعب تحقيقها على ارض الواقع حتى ولو صدت النوايا في مواجهة هذه المثالية بتقدم عدد من المسؤولين الواقعين، ويصطف فريق من المحافظين الجدد وهم ينظرون إلى سياسة الولايات المتحدة خارج اطر المثالية التي قدمها بوش في خطابه، يقول هؤلاء لا بد من التعامل مع العالم كما هو، وليس كما نتوخى نحن، لكن هناك اختلاف بين الفريقين في الاهداف وفي المقاربة، حيث تتركز مقاربة الفريق الأول المتمثل بفريق من الديبلوماسيين المحترفين في الخارجية على مفهوم "الواقعية السياسية" والتي تدعو إلى التعامل مع انظمة الدول الأخرى على ما هي عليه، بحيث يكون الهدف تحقيق المصالح والاهداف الأميركية من خلال التعاون، وليس من خلال الانظمة او تصنيفها جيدة او مارقة، ويذهب فريق المحافظين إلى النظر إلى الخريطة الدولية من خلال تصنيف الدول بين جيدة ومارقة وبأنه لابد من السعي إلى تغيير الانظمة المارقة بكل الوسائل المتاحة، تمهيداً لاقامة انظمة، بديلة مكانها، تؤمن بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان. لكن يبدو ان الرئيس بوش قد استطاع تضييق الفجوة بين الفريقين مع بداية ولايته الثانية، وذلك من خلال اعتماده لمشروع الشرق الأوسط الأوسع، والذي يهدف إلى إجراء تغييرات اساسية في النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في المجتمعات العربية وبعض المجتمعات الإسلامية.

ينطلق المشروع بتوجهاته وآلياته الجديدة، من الانقاض المتناثرة لمشروع الحرب على العراق، والذي شكل استعراضاً دامياً ودراماتيكياً لاستعمال القوة الأميركية من اجل خلق صدمة في معظم الدول العربية تجعلها اكثر اذعاناً للمطالب الأميركية والتكيف مع الاستراتيجية الأميركية الجديدة. ولكن ولأسباب موضوعية فإن الصدمة، لم تحقق أهدافها حيث صمدت الأنظمة وخصوصاً في بعض الدول المستهدفة كسوريا وإيران، مستندة في مقاومتها على تقديراها بأن ظروف الانتشار العسكري الأميركي في العراق ومناطق اخرى لا يسمح للمحافظين الجدد بتنفيذ تهديداتهم المتكررة.

فرضت الولايات المتحدة  عنواناً شاملاً على دول المنطقة هو التخلص من الاستبداد ونشر الديمقراطية كبديل للعنوان السابق تغيير الأنظمة بالقوة والتي نفذته في افغانستان والعراق ضد حكمي طالبان وصدام حسين.

أكدت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على التوجه الجديد للسياسة الأميركية تجاه المنطقة في مؤتمر صحفي في 11 شباط 2005 "ان السبب الذي يدفعني للقول بأن الاستقرار الذي تحققه النظم الديكتاتورية استناداً إلى تجربتنا السابقة حيث ادى غياب الحرية في بعض مناطق العالم إلى ولاية تنظيمات خبيثة كالقاعدة وتفرعاتها، من الصعب تصور الطريقة التي سيتحول فيها الشرق الأوسط نحو الديمقراطية، ولكنه من الاصعب تصور بقاء الوضع على ما هو عليه (الستاتيكو) لذلك من الافضل أن نبادر إلى دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط.*

نحن نقف اليوم امام المرحلة الثانية من الاستراتيجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وهي تأتي كنتيجة للتداعليات التي واجهتها المرحلة الأولى التي اعتمدت على عامل القوة العسكرية والحرب على الإرهاب لإسقاط نظامي طالبان في افغانستان والبعث في العراق، ترفع المرحلة الثانية شعار الحرب على الاستبداد ونشر الديمقراطية، ويأتي في رأس قائمة أولويات هذه المرحلة استهداف النظامين في سوريا وإيران، ونزع سلاح حزب الله في لبنان وتفكيك المنظمات الفلسطينية كحماس والجهاد الاسلامي، في المقابل ستضغط الولايات المتحدة من اجل التحول الديمقراطي في الدول العربية الأخرى من خلال تسريع التحول الديمقراطي في لبنان بعد خروج القوات السورية من اراضيه، ليمثل نموذجاً للآخرين، ومن خلال اعتماد إصلاحات بعيدة المدى في الدول الأخرى وتركيزاً في كل من السعودية ومصر، ان الفراق بين المرحلتين يتمثل بالمقاربة والوسائل، حيث اعتمدت السوائل العسكرية ومقاربة الصدمة والترويج لتحقيق اهداف المرحلة الاولى فيما يجري استعمال وسائل الضغط والترويج والإغراء لتنفيذ المرحلة الثانية، ولكن تبقى القوة العسكرية صالحة لممارسة الضغط ضمن ما يعرف بالديبلوماسية الضاغطة، واننا نشهد بعض وجوه هذه الديبلوماسية من خلال تسريب تقارير عن توجيه ضربات جوية باتجاه إيران او سوريا.

تمر منطقة الشرق الأوسط في مخاض عسير في محاولاتها لاستيعاب تداعيات المرحلة الأولى خصوصاً في ظل التعقيدات الأمنية السياسية الراهنة داخل العراق، كما أنها تواجه مخاطر الدخول في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في مواجهة الضغوط الداخلية والأميركية لولوج باب المرحلة الثانية اي اعتماد برنامج إصلاحي يضع الأنظمة على طريق التحول نحو الديمقراطية.

تحاول كوندوليزا رايس وغيرها من المنظرين تبرير اعتمادهم لنظرية الفوضى في سياستهم تجاه المنطقة، من خلال تقديم تعبير جديد يقول بالفوضى الخلاقة، وذلك بقصد التخفيف من المخاطر المترتبة على هذه الاستراتيجية والتي تضمر في باطنها أهدافاً لا يقولها مطلقوها بصورة علنية.

عندما اطلقت كوندوليزا رايس هذا التعبير، فإنها كانت تحاول ان تبعث رسائل إلى كل انظمة المنطقة مفادها "اولاً، ان الولايات المتحدة جادة في موضوع التحول الديمقراطي هذه المرة ومصممة على استخدام كل الوسائل المتاحة لديها لانجاحه، وثانياً انها لن تتجاوب مع كل المحاولات بتثبيط عزمها بتخويفها من الفوضى المحتمل تعميمها او من وصول الجماعات الإسلامية إلى السلطة، لأنها تعرف اولاً كيف تتعامل مع هذا النوع من الاخطار، ولأنها تدرك ثانياً بأن القبول والتسليم بالأمر الواقع ينطوي على اخطار اكبر، اما ثالث هذه الرسائل فهو إلى القوى المحلية والاقليمية والدولية صاحبة المصلحة والتي عليها ان تصطف وراءها وان تقبل بقيادتها.*

لا تقتصر ردود الفعل على الاستراتيجية الأميركية الجديدة على تخوف الحكام من نتائجها، بل تقابلها الشعوب بقدر كبير من الحذر، وعلى أساس الشك بأن هناك اجندة أميركية خفية وغير معلنة، بالإضافة إلى الانسحاب الأميركي من عملية السلام والتأييد الذي يقدمه الرئيس بوش شخصياً لسياسات شارون القمعية، ولا يغيب عن الموقف العام ما حدث ويحدث في العراق سواء باستمرار الاحتلال او لجهة التشجيع الأميركي لقيام "هلال شيعي" حذّر منه الملك عبد الله الثاني مبدياً تخوفه من مخاطر تعميم حالة عدم الاستقرار إلى خارج العراق، ودخول منطقة الخليج في حالة الفوضى المدمرة.

وهناك تساؤلات تطرح من قبل بعض المراقبين الأميركيين حول ما يمكن ان تسبب به نظرية التغيير وما سيرافقها من فوضى وتعقيدات سياسية واجتماعية.** والسؤال المطروح بصراحة الآن: ما هي كمية الدماء والثروات التي يمكن ان يستثمرها بوش في حروبه المقبلة لارسال قواعد الديمقراطية وتعاقب الحكام عبر الانتخابات خصوصاً وانها ستؤدي إلى استبدال الحكام الحاليين باسلاميين، لا يريدون علاقات وثيقة مع واشنطن بل التوجه نحو أنظمة إسلامية على غرار النظام الإيراني؟ كيف يبرر بوش الخسائر البشرية في العراق من المدنيين والعسكريين من الأميركيين والعراقيين، اذ ادت العملية السياسية إلى قيام حكم شيعي اقرب إلى إيران منه إلى انظمة الخليج الأخرى مع كلا يترتب على ذلك من مخاطر، اذا ما قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من المنطقة؟

ان الخريطة السياسية الراهنة مع ما يرتبط معها من تحولات وخيارات في كل منطقة الشرق الاوسط لا توحي بالكثير من الاطمئنان، حيث تتحرك كل الديناميات على مستوى الانظمة والشارع بشكل محموم يهدد الاستقرار القائم خصوصاً في ظل عدد من الاستحقاقات الداهمة في لبنان ومصر وسوريا وفلسطين وفي إيران نفسها.

في لبنان تجري الآن الانتخابات النيابية في ظل غياب التواجد العسكري السوري وهي تجري في أجواء محمومة تعيد كل الانقسامات التقليدية بين اللبنانيين إلى الواجهة، لا خوف من النتائج، ولكن الاستحقاقات التي سيواجهها الحكم الذي ينبثق عن المجلس النيابي الجديد هي حرجة وخطيرة ولا تقتصر على جوهر النظام بل تتعداه إلى قضايا اساسية قد تؤدي إلى خلافات سياسية عميقة ومن أبرزها قضية سلاح حزب الله وتنفيذ القرار الدولي 1559، ومستقبل الفلسطينيين في لبنان، وهي كلها مسائل يختلف عليها اللبنانيون بالإضافة إلى خلافاتهم حول المنحى الإصلاحي العام للنظام السياسي والاقتصادي. وأن الصورة الراهنة لا تبشّر بانتصار سهل على القوى والعوائق للعملية الإصلاحية.

في سوريا ينعقد المؤتمر القطري لحزب البعث وعلى روزنامته قضايا تتعلق بالمستقبل السياسي للنظام وما يتطلبه من إصلاحات واسعة، لا توحي الأجواء بأن المؤتمر سيتوصل إلى حلول تخفف من الضغوط الخارجية والداخلية، ولا يبدو ا هناك اي امل بتخفيف القبضة الامنية الراهنة، من المتوقع ان ينتهي المؤتمر إلى خيبة امل شعبية، تؤدي إلى مزيد من الاحتقان السياسي والاجتماعي.

في مصر يتعرض نظام حسني مبارك إلى ضغوط أميركية لإجراء تعديل دستوري (جرى التصويت عليه مؤخراً) من اجل إجراء انتخابات حرة. وتبرز في الفترة الراهنة الحركة السياسية التي تقوم بها حركة الاخوان المسلمين وهي اكبر حركة معارضة في مصر، من اجل اعتماد اصلاح ديمقراطي في العمق، بما في ذلك رفع الخطر المفروض على الجماعة، وتلفت الدوائر المراقبة إلى القوة التي واجهت بها السلطة الاحتجاجات التي قادتها الجماعة والتي ادت إلى توقيف 750 ناشطاً من افرادها.

تواجه السعودية والكويت واليمن تحركات لجماعات اصولية من متفرعات تنظيم القاعدة وما شابهه، ويمكن توقع المزيد من الضغوط على الاستقرار الداخلي بعد عودة المقاتلين الجهاديين الموجودين الآن في العراق، وتقارب كل الانظمة الخلجيية بخطوات بطيئة متطلبات الإصلاح والتي كان آخرها القرار الكويتي بإعطاء المرأة حق التصويت.

وهناك شعور عام في الدول الخليجية وايضاً في الدول العربية الأخرى بما فيها دول المغرب العربي ان تحرير المجتمعات من الحكام الاوتوقراطيين الحاليين سيؤدي إلى وصول الاسلاميين إلى السلطة، ولكنه سيؤدي مثل هذا التحول في بنية الحكم إلى تعميم حالة الفوضى والتسبب بصراعات دامية وطويلة على غرار ما حدث في الجزائر عندما نجح الاسلاميون في الانتخابات العامة عام 1991.

في السياق نفسه هناك تخوف من ان يسلك المسار الديمقراطي الفلسطيني نفس الطريق التي سلكتها الجزائر في ظل التوقعات من ان يربح مرشحو المنظمات الإسلامية الانتخابات العامة، وان يؤدي ذلك إلى تعقيدات داخلية تهدد بانفجار الوضع داخلياً وتعطيل عمل السلطة والاندفاع نحو مواجهة مدمرة جديدة مع إسرائيل.

تدل المؤشرات والشواهد على ان الخطة الأميركية لا تأخذ في المرحلة الراهنة طابعاً منظماً، يخضع لترتيب هرمي في تحديد الأولويات فهي خطة مرنة ومتحركة، تسعى إلى استغلال اية فرصة متاحة للعمل بسرعة على ان اي من المحاور المستهدفة، بالتتابع او بالتوازي وعلى عدة جبهات، في العراق، وفلسطين، ولبنان، ومصر، من اجل دعم التحول الديمقراطي فيما يستمر الضغط بكافة الوسائل على كل من سوريا وإيران، في ظل هذا المشهد تبدو كل الدول المعنية بالاستراتيجية الأميركية الجديدة في موقف المتلقي للتوجيه الأميركي، وان اكبر دليل وشاهد يتمثل في تجميد الأوضاع الأمنية والسياسية في فلسطين بعد انتخاب ابو مازن، وفي استغلال أميركا لقرار التمديد للرئيس لحود في لبنان للانقضاض على الوجود السوري في لبنان من خلال القرار الدولي 1559، والإصرار على إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها من اجل تسريع اقامة نظام جديد خال من كل رواسب النفوذ السوري، ويسمر الضغط على سوريا من خلال الاتهامات التي تسوقها الإدارة الأميركية ضدها ومن خلال تسعير العمليات على طول الحدود العراقية – السورية وايضاً من خلال تحريض ودعم بعض الجماعات المعارضة داخل سوريا وخارجها.

تتحدث التقارير الأميركية والتي كان ابرزها التقرير الذي كتبه سكوت ريتر احد ابرز مفتشي لجنة اونسكوم مشيراً إلى معلومات تؤكد ان البيت الابيض قد طلب من البنتاغون الاستعدادات لتنفيذ هجوم جوي واسع ضد المنشآت النووية الإيرانية، في حزيران وعلى اساس ان حزيران يشكل نقطة اللاعودة لامتلاك إيران للسلاح النووي، اذ اصبحت المعلومات هذه فإن الهجوم على إيران سيؤدي إلى ردود فعل إيرانية ستدفع المنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار وإلى تعميم الفوضى في منطقة الخليج مع توقع حصول انفجار كبير على طول الخط الازرق في لبنان بين إسرائيل وحزب الله.

من هنا يمكن قراءة التحديات والمخاطر التي تواجه المنطقة في المرحلة القادمة، والتي يبدو انها تتجه إلى حالة من الفوضى العامة والمدمرة والتي لا يمكن التكهن بتداعياتها او نتائجها.

ان كل الظروف والأجواء المهيمنة على المنطقة بفعل الاستراتيجية الأميركية الراهنة، مع ما يمكن ان تحمله من مفاجآت باتجاه سوريا وإيران لا تؤشر على ان المنطقة متجهة نحو حالة من "الفوضى الخلاقة" كما تعونا كوندوليزا رايس والتي يتوقع لها وفق تقديراتها، ان تنتج في نهاية المطاف اوضاعاً افضل مما تعيشه المنطقة حالياً. تؤشر كل أجواء الاحتقان السياسي والتردي الاقتصادي إلى مدى جهوزية معظم المجتمعات للانفجار مع كل ما يحمل ذلك من احتمالات تكرار المأساة التي وقعت في الجزائر او تلك التي نشهدها اليوم في العراق.

 

 

* Henry Kissinge. “Does America Need a foigu palicy" simon and Schuster 2001 P.17

* Steven RM. mann , “the reaction to chaos“ pp.135-149 <<complexity , global palitics and national security >> , institute for National strategic studies , national defense university . wash .D.

* حسن نافعة، "كوندي الفوضى الخلاقة"، الحياة، 6 نيسان 2005 ص 9.

* Steven r.mann ,<<the reaction to chaos>> complexity , global plolitis and national security

* NDU. Wash. D . c p.136

* D. lane and R. Maxfield ,<<strategy under complexity: Fostering Generatire relationships,>> long range planning .(1996) p.p.215-231

* how arabs view America, how arabs learn about America , asix nation study commissioned by the arab – American institute by zoghby international june , 2004 .

* Patrick : buchanan .<<Bringing the arabe street to poiver <<may 25 , 2005 http:// antiwar.clickahility.com/pt/cpt action =bringing't the +arab

* Zbigniew  bizezinski  "America  in  the  world  today "  complereity   global  politics  and  national  security   n.d.u.  june 1997.p.30

* John lewis Gaddis- " Grand shategy in the second terus" foreigu affairs. January/ February 2005

* John Ikenberry, 4,5 political scientist" grand strategy in the second terus" Lttp;//www.foreiu affairs.org 120050101 faessay 84101/John  lewis Gaddis

* David Fzunr and Richard Perle. " an end to evil; how to win the war on terror", random house newyork

*  David furen and Richard perl" an end to evil…pp.32-33

* Mahmoud Awad "The illusion of victory" ash-shark al-awsat,22 May 2005 Page 9

* Susan B. Glasser,'Review shift Terror policies' Washington post,29 May 2005,http;/yahoo.com/ s/washpost/20050529/pil

* Gondoleza Rice ,in a press conference on" February 2005 http;p//www.noticias.info/ archive/2005/200502/200502/4

* Hassan Nafi a "condi and constructive chaos" al-Hayat, April 6, 2005.p.9

**  Patrick J. Buchanan,"Bringhthe Arale street to nerner"    http;//antiwar.printhis.clicka bility.com/cpt/action

In order to facilitate the task of those interested in benefiting from the published researches, the magazine of “Lebanese National Defense” is publishing summaries in Arabic of the researches written in French and English and summaries in these 2 languages for the researches published in Arabic.

The role of anarchy and political complications in the new american strategy: Afghanistan, Iraq, Terrorism and deployment of democracy

General Abdalkader describes the position of the US at the end of twentieth century as the only superpower which makes it a vital factor of international stability.

This has pushed Washington to take the main role in any international conflict using the theory of creative anarchy as an instrument to achieve its goals, in the same time neglecting all the items of westvalia treaty in 1648, thus dishonoring the sovereignty of the states and their borders, sometimes under the pretext of creating democratic governments and other times under fighting terrorism.

The new conservatives of the white house are the founders of the theory of creative anarchy as well as the executers, however the international community faces an endless series of crisis which reached Iraq after Afghanistan and put Arabs and Moslems in the side of hostility to th US.

Under the new conservatives, Washington abandoned all plans of Clinton administration for Arab-Israeli peace process and ensured the technological and military superiority of Israel. As if this was not sufficient until the US war against Iraq has come and its consequences like Abou Graib scandals and distain the holey Qoran which came to increase the Arab hostility towards US and its policy in the middle east.

As Washington insists in implementing the creative anarchy, the situation will aggravate and carry promises for political earthquakes in all the middle east.

Rôle de l’anarchie et les complications politiques dans la nouvelle stratégie américaine: Afghanistan, Irak, le terrorisme et le déploiement de la démocratie
Le chercheur décrit la position prédominante des Etats-Uns à la fin du XXème siècle comme étant indispensable pour établir la stabilité internationale.
Mais cette position prédominante a entraîné Washington à être l’élément responsable dans chaque conflit international, et ceci en utilisant l’anarchie comme outil pour ses ambitions.
Ceci entraîne en même temps à refuser tout ce que l’accord de Westfalia de 1648 a émis, sans respecter les frontières et l’indépendance des Etats, quelquefois en cherchant à mettre en place des gouvernements démocratiques et d’autres sous l’égide de combattre le terrorisme.
Les nouveaux conservateurs à la Maison Blanche étaient eux-mêmes les défenseurs et les éxécuteurs de l’anarchie. Ce qui conduit la communauté internationale à plusieurs litiges ayant atteint l’Irak après l’Afghanistan et classant les arabes en général et les musulmans entre eux dans le camp ennemi des Etats-Unis,.
De même, Washington avec les nouveaux conservateurs a abandonné tous les projets adoptés par Clinton en vue de réaliser la paix israeloarabe. Elle a tout aussi bien cherché à provoquer la prédominance militaire et technologique d’Israêl.
Ceci n’étant pas suffisant, la guerre américaine a commencé avec l’Irak, ensuite les conflits latéraux qu’elle a entraîné avec la profanation du Coran et avant cela les scandales de la prison d’Abou Ghreib.
C’est alors que l’attitude agressive adoptée par les arabes contre l’Amérique et sa politique dans la région a culminé.
Finalement, Washington a execute l’anarchie en prmoettant de nombreuses secousses attendant les différents Etats du Moyen-Orient.